أوزغور أوغريت* – (أحوال تركية) 18/8/2020

في آذار (مارس) 2020، أصدرت المحكمة الدستورية التركية قراراً غير متوقع بإلغاء قرار محكمة محلية كانت قد حجبت موقعاً إخبارياً في العام 2015، وفقاً لتقارير إخبارية. لكن المحرر الذي قدم الاستئناف إلى المحكمة ما يزال غير راض، حسب ما أكد للجنة حماية الصحفيين عبر “واتساب”، إذ يتعذر الوصول إلى موقعه الأصلي في تركيا إلى جانب 62 بديلاً جرى حظرها واحداً تلو الآخر منذ ذلك الحين.
يعد المحرّر، علي إنجين دميرهان، واحداً من صحفيين عدة في تركيا شاركوا في لعبة مطولة من “ضرب الخلد بالمطرقة” مع القضاء التركي. وتحظر المحاكم التركية بشكل روتيني المواقع الإخبارية، لكن المنافذ تعود إلى الظهور بعناوين جديدة، وغالبًا ما يكون اسم المنشور مرفقا برقم جديد. فموقع دميرهان، “سنديكا” أصبح متاحا الآن باسم “سنديكا63. أورغ”.
ويسمح القانون التركي رقم 5651 للمحاكم بإصدار أوامر لمقدمي خدمات الإنترنت المحليين بحظر الوصول إلى الروابط، بما في ذلك مواقع الويب أو المقالات أو منشورات وسائل التواصل الاجتماعي. ويهدف القانون الذي أقرّ سنة 2007 إلى استهداف استغلال الأطفال في المواد الإباحية والمقامرة عبر الإنترنت والمواد المسيئة لمؤسس تركيا الحديثة كمال أتاتورك، من بين أمور أخرى. لكنّ لجنة حماية الصحفيين وثّقت استخدامه كأداة رقابة قوية. وهذا القانون هو إحدى الطرق التي تفرض بها تركيا رقابة على المحتوى عبر الإنترنت. وتم حظر “يوتيوب” و”ويكيبيديا” و”تويتر” في مناسبات بسبب محتوى يعد مناهضاً للحكومة أو خطيرًا على الأمن القومي.
وتتولّى الحكومة تقديم معظم طلبات الحظر عبر هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ولكن، يجوز للأفراد والوكالات الحكومية الأخرى تقديم هذه الطلبات للمحاكم التركية، وفقاً لتقرير نشرته “جمعية حرية التعبير” في تركيا في 2020. ولم ترد هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التركية على طلب للتعليق من لجنة حماية الصحفيين.
بين سنتي 2014 و2019، أمرت المحاكم التركية مزودي خدمات الإنترنت بحظر 408.494 موقعاً. ولكن، وكما قال دميرهان وثلاثة محررين آخرين للجنة حماية الصحفيين عبر البريد الإلكتروني، فإن وسائل الإعلام التركية المستقلة على الإنترنت ما تزال تتحدى العقبات -حتى أن بعض المواقع تشتري أسماء النطاقات بالجملة حتى تتمكن من إعادة التشغيل بسرعة باستخدام عنوان مختلف قليلاً.
يقول رئيس تحرير صحيفة “ميزوبوتاميا”، فرحات جيليك، للجنة حماية الصحفيين، إن موقعه المؤيد للأكراد حُظر 25 مرة منذ 2018. وقال محرر “كرونوس”، دوغان أرطغرل، إن موقعه حُظر 33 مرة منذ 2018. وفي علاقة بالمنافذ الإعلامية المحسوبة على فتح الله غولن، رجل الدين الذي اعتبرت تركيا حركته جماعة إرهابية، قال محرر “أودا تي في”، فرقان كاراباي، إن موقعه، وهو منفذ قومي يساري، تعرض مؤخراً لهجمات شُنّت أربع منها منذ آذار (مارس) 2020.
بدأت الرقابة بعد اعتقال ثلاثة موظفين بزعم كشفهم هوية ضابط مخابرات تركي قُتل في ليبيا، حسب ما وثقت لجنة حماية الصحفيين. وقال المحررون، مثل ديميرهان، إنه لا يوجد خط اتصال مع السلطات التي حجبت المواقع، ما يتركهم غير مدركين لسبب إغلاق المواقع.
لماذا تصر الحكومة التركية على هذه الممارسة بما أن المواقع تعود إلى الظهور على الفور تقريباً؟ ذكر إركان ساكا، أستاذ الاتصالات بجامعة إسطنبول بيلجي ومؤلف كتاب وسائل التواصل الاجتماعي والسياسة في تركيا، سببين. وقال للجنة حماية الصحفيين في رسالة بالبريد الإلكتروني: “أحدهما، كما يُعبّر عنه بالمصطلح العسكري، هو نوع من “حروب الاستنزاف”. فالحكومة تعرف أن هذه المؤسسات الإعلامية صغيرة وذات مصادر محدودة، من الناحية المالية أو التشغيلية. ويجبر كل حظر هذه الشركات الإعلامية على فتح نطاقات بأسماء جديدة، واتخاذ القرارات الفنية اللازمة”.
أما السبب الثاني فيتمثّل في أنه “في كل مرة يتغير فيها اسم النطاق، يفقد الموقع حركة المرور وبعض روابطه الإخبارية، وبذلك تُقيّد أصوات المواقع بشكل واضح من خلال تغيير أسماء النطاق باستمرار”.
تؤكد تجربة دميرهان هذه النقاط. ففي كل مرة يُعاد فيها إطلاق الموقع، يتعيّن عليه بذل جهد لإعادة توجيه القراء إلى العنوان الجديد عن طريق الإعلان عنه على وسائل التواصل الاجتماعي أو الاعتماد على المنافذ الأخرى لنشره. وثبت تعقيد استمرار ظهور مقالاته في نتائج البحث. فمع كل إعادة تشغيل، يجب عليه أن يطلب من “غوغل” تصنيف العنوان الجديد كموقع إخباري، وإلا فلن تظهر روابطه في أخبار المحرّك أو قسم “أهم الأخبار” في صفحته الرئيسية. وبعد إعادة التشغيل الخامسة، توقفت إدارة “غوغل” عن الاستجابة لطلباته. ولم يرد المكتب الصحفي التابع للشركة العالمية على البريد الإلكتروني الذي أرسلته لجنة حماية الصحفيين للتعليق. وقال دميرهان إن هذه الممارسات أجبرت الموقع على التراجع في السباق على القراء. ففي الماضي، كان حوالي 300 ألف زائر يترددون على “سينديكا” يومياً، ولكن الحركة انخفضت بعد الحظر إلى حوالي 300 ألف زائر شهرياً. وتحدث جيليك وكاراباي عن تباطؤ حركة مماثل في “ميزوبوتاميا” و”أودا تي في”.
كما تسبّب الحجب المتكرر في تقويض سمعة “سينديكا” بين القراء. وقال دميرهان للجنة حماية الصحفيين إن المنافذ الإعلامية التي تكون ضحية لهذه الممارسات تعد “محفوفة بالمخاطر”، لذلك يتجنّب القراء مشاركة روابطهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وتتجنب المصادر في بعض الأحيان التحدث إلى مراسليها. وقال دوغان أرطغرل إن “زيارة موقع إلكتروني حجبته الحكومة مرات عدة وترك مثل هذا الأثر الرقمي يعد مغامرة لكثير من القراء”.
لرفع الحظر، يجوز للمنفذ الإخباري أن يستأنف أمام محكمة محلية. وإذا فشل مسعاه فيمكنه الاستئناف أمام المحكمة الدستورية. وأوضح دميرهان أنه إذا فشل فقد ترفع القضية إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وبحسب كاراباي، الذي استأنف عمليات الحجب الأربعة لـ”أودا تي في”، تستغرق المحكمة الدستورية أحياناً ما يصل إلى خمس سنوات للنظر في القضايا.
بينما واجه دميرهان مشكلة استئناف كل حجب لموقعه، فإنه يعد فوزه الأخير غير عادي؛ إذ إن المحكمة منحته 6 آلاف ليرة تركية (820 دولارا). وقال محررون آخرون للجنة حماية الصحفيين إنهم لا يرون فائدة في اللجوء إلى المحاكم. وقال جيليك: “لم نفعل لأن المحاكمات ستستغرق وقتاً طويلاً. وسيُحظر الموقع مرات عدة خلال تلك الفترة ويؤدي كل استئناف إلى تكلفة مالية”. وقال دوغان أرطغرل إنه يريد تقديم استئناف، لكن محامي الموقع أخبره بأنه “لا توجد فرصة” لنجاحه بالنظر إلى أنه مطلوب في تركيا مع المحررين الآخرين بسبب عضويتهم المزعومة في حركة غولن. وتابع: “لذلك، لم نتخذ إجراءات قانونية”.
وقال كاراباي إن إحدى الطرق للالتفاف حول العقبات تتمثل في الرقابة الذاتية. وأضاف: “أنت لست محظوراً فحسب، بل مُستهدف في الوقت نفسه. لهذا السبب، تُمارس الرقابة الذاتية للضرورة”. لكن دميرهان رفض هذا الحل لأنه لن ينجح على أي حال. فبالنسبة له، لم يكن الحجب نتيجة لجزء معين من المحتوى، بل للسياسة التحريرية العامة، ولوجود الموقع نفسه”.

*كاتب تركي.
*أسهم الباحث في لجنة حماية الصحفيين، حقّي أوزدال، في إعداد هذا التقرير.