العراقي عمار الياسري: الناقد الحداثي هو من يعيد قراءة المفاهيم لا أن يكون صدى أعمى لها

عمار الياسري ناقد عراقي حاصل على شهادة الدكتوراه في الفنون التلفزيونية، ما جعله أكثر قربا من النقد الأدبي، كرؤية أدبية وربطها بالفنون الجمالية الأخرى. أصدر الياسري العديد من المؤلفات التي ربط فيها النص الأدبي بالنص السينمائي والعكس، مثل.. التمثلات البنائية للميتاسرد في أفلام ما بعد الحداثة، إضافة إلى عشرات البحوث والدراسات في المجلات والدوريات العراقية […]

Share your love

العراقي عمار الياسري: الناقد الحداثي هو من يعيد قراءة المفاهيم لا أن يكون صدى أعمى لها

[wpcc-script type=”5966df3339a4a5b9cfc4720d-text/javascript”]

عمار الياسري ناقد عراقي حاصل على شهادة الدكتوراه في الفنون التلفزيونية، ما جعله أكثر قربا من النقد الأدبي، كرؤية أدبية وربطها بالفنون الجمالية الأخرى. أصدر الياسري العديد من المؤلفات التي ربط فيها النص الأدبي بالنص السينمائي والعكس، مثل.. التمثلات البنائية للميتاسرد في أفلام ما بعد الحداثة، إضافة إلى عشرات البحوث والدراسات في المجلات والدوريات العراقية والعربية. كذلك بعض البرامج التفاعلية التلفزيونية، مثل.. «فضاءات الصورة في الخطاب السينماتوغرافي» و«التمثلات الفكرية للمهمش في الخطاب السينماتوغرافي». كما كتب للمسرح والسينما، ويعمل الآن مدرساً في قسم تكنولوجيا الإعلام في كلية التربية المفتوحة. عن مسيرته في عالم النقد كان لنا معه الحوار التالي..

■ كيف بدأت رحلتك مع عالم النقد ؟
□ الدراسة الأكاديمية هي التي علمتني القراءة الصحيحة، تصور طالب في الثامنة عشرة من عمره يغامر بترك سفرة جامعية فيها من الغيد الأماليد ما يسر ويبهج وهو القادم من محافظة متشحة بالحياء، من أجل شراء كتاب «الحداثة» لمالكوم برادلي ليحمله مزهوا إلى كليته، وسط تندر الزملاء، كان ذلك مطلع التسعينيات من القرن المنصرم، وعندما رآني معلمنا في مادتي علم الجمال والدراما ثامر مهدي صرخ بي ماذا تفعل بهذا الكتاب قلت أتعلم الحداثة، ابتسم وقال هل عرفت ما قبلها حتى تتعلمها وبدأ بتغذيتي الصحية مع كتاب فن الشعر للفيلسوف الإغريقي أرسطو.
■ ما بين التدريس الأكاديمي والنقد الأدبي والمسرحي والسينمائي، والتأليف النقدي.. هل هذا التنوع يشكل قاعدة مهمة في تثوير الوعي؟
□ القراءة النقدية وفق المدارس النقدية الحداثية التي اهتمت بأدبية الأدب، من خلال بنيته الشكلية، وصولا إلى مدارس التلقي والقراءة التي خبرتها طوال عقدين في دراستي الأولية والعليا، أعطتني قاعدة رصينة في تشريح النصوص، وإعادة تشكيلها، سواء أكان تشريحا بنيويا وفق المناهج النقدية الحديثة، أم البحث عن الأنساق المضمرة وفق مناهج ما بعد الحداثة، نعم الأمر يتطلب معرفة بميكانزمات الشكل، وهذا ما تحققت لي معرفته من خلال دراستي للدراما والسرد، سواء في النص المكتوب أو المرئي، فالوعي في سيرورة مستمرة لا ترزخ للثابت أبدا ومن خلال هذا التنوع المفاهيمي من الحداثة إلى ما بعدها إلى بعد ما بعدها يتحقق تثوير الوعي.
■ عدم وجود منهجية أو قدرة على إيجاد منطقة نقد عربية.. هل هذه المقولة صحيحة أم أنها مجرد جلد للذات؟
□ لا اعتقد أن النقد العربي في أزمة، بل هو في عافية منهجية بعد أن وجد ضالته من خلال الدراسات النقدية العربية، والترجمات الوافدة، نعم قد يشكلون علينا بعدم مطابقة الطروحات الغربية للفكر العربي، لكننا نستطيع صياغة مفاهيم تتسق مع حمولاتنا العربية أو الإسلامية، بدون الإخلال بمفهوم المنهج، فالنص أصبح مفهوما كونيا لا إقليميا فقط.

لم يعد مفهوم النص مقتصرا على النص الأدبي، بل اتسع ليشمل كل ما يحيطنا، وعملية تفكيك النصوص، وفق استراتيجة التفكيك مثلا، متاحة للناقد العارف بها، بدون تحديدات أجناسية

■ كذلك في دراساتك النقدية ثمة مقولات تكاد تكون مصطلحات خاصة بك؟
□ القارئ الحاذق أو المثالي أو النخبوي، سمه ما شئت، يستطيع من خلال فهمه للمنظومة النقدية الغربية التي خبرها أن يجترح مفاهيمه أو مصطلحاته الذاتية، في مفهوم ما بعد الحداثة هناك مصطلح الاستهلاك، وقد لا ينظر الغربي إلى مفهوم العري، كما أراه أنا العربي المسلم، لذا عددت العري عملية تسليع إشهارية في عالم أصبح الكوجيتو الجديد فيه أنا استهلك إذن أنا موجود، كما ترى الناقدة أماني أبو رحمة.
■ هناك من يفرق بين النقد الأدبي والنقد الأكاديمي.. هل هناك حدود فاصلة بين الاثنين؟
□ أحيانا تقتضي المناهج الحديثة والدراسة الأكاديمية الصرامة في التشريح، إذ إن أي محاولة للخروج عن المنهجية قد تسبب لك قراءة مغلوطة، في حين أن النقد الأدبي الحديث يتشح بشيء من الحرية، على الرغم من اعتماده الأكاديمية ذاتها التي تدرس في الجامعات، فالرؤية الانطباعية ولّت إلى غير عودة.
■ يستعين النقاد الأكاديميون بالكثير من مقولات نقاد عالميين، ربما لتبيان القدرة النقدية على إنها ممنهجة وليست مجرد مراقبة للنص المنقود.. يعدها الكثيرون عدم وجود ثقة بنقد كهذا؟
□ ألم نستعن في كل نقدنا السالف بطروحات ابن قتيبة والقرطاجي والقرطاجني على مستوى الشكل، أو طروحات ابن خلدون في النقد الاجتماعي، فما الضير لو استعنت بطروحات الشكلانيين الروس في قراءتي الحديثة، لا توجد أي دراسة بدون قواعد رصينة موضوعة، ولكن يجب أن تكون للناقد لمساته الجمالية، اتفق معك في أن البعض من المتناقدين اعتمد على كلاشيهات ثابتة، يلبسها إلى إي نص معتمدا فيها على الطروحات الغربية بشكل مدرسي، أي على المقولات المعلبة وعلى المصطلحات الغربية الوافدة من ترجمات بعض الإخوة في المغرب العربي بلغة غامضة ومعقدة، بدون دراية علمية، الناقد الحداثي هو من يعيد قراءة المفاهيم بعد هضمها لا أن يكون صدى أعمى لها.
■ ما هي حدود النقد بين السينما والمسرح والأدب؟ وهل بإمكان أي ناقد له تجربته الخاصة ان يكون ناقدا لأي جنس أدبي؟
□ لم يعد مفهوم النص مقتصرا على النص الأدبي، بل اتسع ليشمل كل ما يحيطنا، وعملية تفكيك النصوص، وفق استراتيجة التفكيك مثلا، متاحة للناقد العارف بها، بدون تحديدات أجناسية، فالناقد يستطيع البحث عن الأثر أو الإرجاء، سواء أكان في بنية النص المكتوب أم المرئي، والناقد المشتغل في النقد الثقافي يستطيع مسك الأنساق المضمرة، سواء أكانت في بنية النص المكتوب أم المرئي.
■ كيف ترى النقد في العراق والوطن العربي؟ البعض يتهمه بالمجاملات، أو أنه قليل الحيلة في مواجهة المتغيرات التي طرأت على الساحة الأدبية؟
□ إن أهم ما يعاني منه المشهد النقدي العربي هو الإخوانيات والمجاملات التي ترزخ تحت مسميات الصداقة أو المجاملة أو الخداع، بل وصل الحال حد التعامل المالي، وهذا أحدث شرخا كبيرا بين النص الإبداعي والنقد الإبداعي، فقد أهمل العديد من النصوص الإبداعية وسلط الضوء على نصوص بائسة، ما جعل الناقد مهملا منتكسا لا يبحث عن الجديد والمتفرد، بل بما يديم به حضوره الثقافي الزائف.
■ هناك صراع بين مقولتين.. النقد تابع للنص ولولا النقد لما كان هناك تطور للنص. هل تعتقد أن المقولتين لهما أساس من الصحة، أم هو صراع إثبات الوجود؟
□ منذ المهادات الأولى للدراما الإغريقية شهد النص الدرامي تحولات من الممثل الواحد إلى ثان وثالث، فالكاتب في بدايته هو الناقد لنصوصه، والحال ذاته تكرر في الشعر العربي، بعد فترة شهد النص تحولات بنيوية تطلبت دراسات علمية تسهم في تفكيك النصوص وتطويرها، ولكن الدراسات النقدية من جهتها تبحث هي الأخرى عن نصوص متفردة كي تصبح مصاديق تطبيقية لهذه الدراسات، إذن العملية متداخلة فمنتج الرواية والشعر يحتاج القراءة من أجل توسيع مداركه الجمالية، والناقد يحتاج النص الإبداعي من أجل اكتشاف مناطق خصبة يشتغل عليها، وكما يصف ذلك بعض الأصدقاء من أهل المنطق لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين.

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!