على الرغم من أن العلاج بالتدليك (بالإنجليزية: Massage therapy) يعتبر وسيلة علاجية شائعة جداً، إلا أنها وسيلة يلجأ إليها كثيرون أيضاً للحصول على استرخاء تام في العضلات وتخفيف التوتر، كما لا تزال المصادر الطبية تُذكرنا بأمرين مهمين حوله.

الأول، يتعلق بالتأثيرات السلبية المباشرة للممارسات الخاطئة في تطبيق هذه الوسيلة العلاجية، وخاصةً حينما يُجرى هذا الأسلوب العلاجي للأشخاص الذين لا يُناسب حالتهم، أو حينما يُجرى من قبل ممارسين غير متخصصين فيه.

الثاني، يتعلق بالدراسات الطبية التي لا تزال تبحث عن إثباتات علمية لجدوى استخدام هذه الوسيلة العلاجية، وعن نوعية الحالات المرضية التي يُفيد فيها.

للمزيد: المساج الصحي

يتعلق الحديث هنا عن التدليك وليس عن العلاج الطبيعي (بالإنجليزية: Physiotherapy)، وهناك فرق كبير جداً بين وسائل وتقنيات العلاج الطبيعي المبنية على أسس علمية في فهم الأجزاء التشريحية لأعضاء الجسم، خاصة المفاصل والعضلات والأوتار والأربطة والشبكات العصبية، والمبنية أيضاً على فهم كيفية التعامل العلاجي معها.

وبالنسبة للعلاج الطبيعي، لا توجد شكوك علمية حول جدواه أو حول الحالات التي يُفيد فيها، لكن ممارسات جلسات التدليك هي التي تدور حولها شكوك علمية كثيرة حول الجدوى وحول الضرر الناجم عن سوء ممارستها.

تحذيرات طبية من الممارسة الخاطئة

من الآمن تلقي العلاج بالتدليك ما دام القائم بذلك شخص أتم تدريبه في تخصص تقديم هذه الوسيلة العلاجية، ومع هذا، قد لا يكون التدليك مناسباً وملائماً لكل إنسان. كما أن هناك مجموعة من الحالات الطبية التي يجب الحذر من التدليك فيها.

قد تتسبب بعض أنواع التدليك في شعور الشخص بالألم، ولو البسيط، في اليوم التالي، وهذا ما لا يجب أن يحصل، لأن التدليك لا يجب أن يكون مؤلماً أو متسبباً بالألم أو بعدم الراحة، وغالبية المشاكل التي تحصل نتيجة للتدليك الخاطئ إنما تنشأ من “الضغط الشديد” خلال التدليك، وإذا ما شعر المرء بأي نوع من عدم الراحة أو أي ألم خلال عملية التدليك، فعليه أن يُخبر المُدلك مباشرة بتأثير طريقته المؤلمة.

يصنف التدليك ضمن وسائل الطب الاختياري والتكميلي، أو ما يُعرف مجازا بـ”الطب البديل”، وهذه الوسيلة تحمل في طياتها بعضاً من المخاطر الصحية الجدية، وذلك إذا ما تمت ممارسته من قبل معالجين لم يُتموا تدريبهم كما ينبغي، وكذلك إذا لم تُتبع الاحتياطات اللازمة.

وتشمل الآثار الجانبية السلبية للتدليك الألم، وعدم الراحة في العضلات أو المفاصل، وكدمات في الجلد، وتورم في العضلات أو المفاصل، وتفاعلات الحساسية الجلدية جراء استخدام الزيوت العطرية المختلفة.

احتياطات وموانع التدليك

يجب الحذر من القيام بتدليك يتخلله تدليك شديد (بالإنجليزية: Vigorous massage)، وعلى وجه الخصوص يجب تفادي هذا النوع من قبل الأشخاص الذين لديهم اضطرابات في تخثر الدم، أو لديهم تدن في الصفائح الدموية، والذين يتناولون أدوية تزيد من سيولة الدم (بالإنجليزية: Blood – thinning medications) مثل عقار وارفارين (بالإنجليزية: Warfarin).

كما يجب عدم إجراء التدليك في مناطق الجسم التالية:

  • المناطق التي فيها تجلط دموي.
  • المناطق التي فيها كسر في العظام.
  • المناطق التي عليها جروح مفتوحة أو لم تلتئم بعد.
  • المناطق التي فيها التهابات ميكروبية.
  • للأشخاص الذين لديهم ضعف في العظام، إما نتيجة لوجود هشاشة بالعظم (بالإنجليزية: Osteoporosis) أو إصابات سرطانية.

وينصح دائماً بضرورة استشارة الطبيب أولاً وقبل الخضوع لعلاج التدليك من قبل الأشخاص الذين لديهم ألم في العضلات أو المفاصل لم يتم تفسير سببه الطبي بعد، أي الألم الذي لم يتم بعد فحصه وتشخيص سببه من قبل الطبيب، كما ينصح بذلك أيضاً الأشخاص الذين يعانون من روماتيزم في المفاصل.

وعند الحديث عن الآثار الجانبية للتدليك، فقد يكون سبباً في حصول نزيف دموي عميق في المفاصل، أو الفقرات، أو العضلات، أو غيرها من مناطق الجسم، كم أن هناك احتمالات حصول تهتك في الأعصاب، مما قد يُؤدي إلى شلل أو ضعف مؤقت في حركة العضلات.

وعند التفكير بالتدليك كوسيلة للعلاج، ينصح بمراعاة النقاط التالية:

  • عدم اللجوء إلى العلاج بالتدليك كبديل عن تلقي المعالجة الطبية المنتظمة للحالة الصحية.
  • عدم تأخير اللجوء إلى الطبيب لمعالجة أي شكوى في العضلات والمفاصل بحجة إعطاء فرصة للتدليك كي يُعالج المشكلة، والسبب هو أن التأخير قد يزيد من تفاقم المشكلة، كما أن التدليك من الممكن أن يزيد من تعقيد المشكلة الطبية.
  • إذا كان الشخص لديه أي حالة طبية مرضية مزمنة، ولم يكن متأكداً من ملاءمة ومناسبة التدليك لحالته الصحية، ينبغي أن ياقش الأمر مع الطبيب.

للمزيد: طرق تنفيذ المساج الجزء الاول

اقرأ أيضاً: طرق تنفيذ المساج الجزء الثاني

دور التدليك في علاج القلق والتوتر والاضطرابات النفسية الأخرى

في جانب الجزم العلمي بفائدة التدليك في علاج حالات صحية بعينها، لا يزال هناك كثير من الضبابية في المشهد من وجه النظر العلمية المعتمدة على التجربة والبرهان بالدليل.

لا تزال الأدلة العلمية حول جدوى العلاج بالتدليك محدودة، كما أن العلماء غير متأكدين حتى اليوم حول ماهية التغيرات التي يُحدثها التدليك في أجزاء الجسم المختلفة خلال القيام بالتدليك، وهم غير متأكدين كذلك مما إذا كانت للتدليك تأثيرات صحية إيجابية، سواء في المدى القصير أو البعيد، ومع أن ثمة أدلة علمية على جدوى التدليك في حالات معينة، فإنه من المبكر استخلاص محصلة معينة للجزم بجدواه في معالجتها.

تم استخدام العلاج بالتدليك مؤخرًا لعلاج المشكلات العقلية والعاطفية والنفسية، بما في ذلك التوتر والإجهاد والقلق والاكتئاب، حيث يمكن أن يساعد العلاج بالتدليك الجسم على الاسترخاء، والذي بدوره يمكن أن يساعد الشخص على التخلي عن أفكاره السلبية،
كما أن هناك أمثلة متعددة وتجارب تدل على وجود جدوى لجلسة واحدة من التدليك في تخفيف حالة القلق (بالإنجليزية: State anxiety)الناشئة كردة فعل لمعايشة موقف معين ومحدد، التي ربما يصحبها ارتفاع في ضغط الدم، أو زيادة في عدد نبضات القلب، أو ضيق التنفس، أو التعرق الزائد، أو الشعور بألم في الصدر، والصداع، كما أن هناك تجارب تدل على جدوى الجلسات المتعددة أيضاً من العلاج بالتدليك لحالات الأشخاص المتصفين بسمة القلق (بالإنجليزية: Trait anxiety)، وقد يصحبها الشعور بالألم في مناطق مختلفة من عضلات ومفاصل الجسم، أو بالاكتئاب.

ومن هنا يأتي التأكيد على ضرورة أخذ الطبيب للتدليك في الاعتبار الطبي عند التفكير في إحدى وسائل الطب الاختياري والتكميلي لمعالجة حالات الألم المزمن في أسفل الظهر، وذلك أسوة باستخدام الإبر الصينية، والعلاج بأسلوب العلاج التقويمي (بالإنجليزية: Chiropractic) واليوغا وغيرها، وذلك فقط حينما لا تُجدي وسائل العلاج الطبي في تخفيف المعاناة من هذه المشكلة، أي يمكن إعطاء التدليك فرصة للعمل.

اقرأ أيضاً: التدليك الذاتي علاج طبيعي لتنشيط الدورة الدموية

تفسير تأثيرات التدليك

هناك عدة محاولات علمية لتفسير تأثيرات التدليك، وثمة عدة نظريات مطروحة في هذا الشأن، وتعد نظرية ضبط البوابات إحدى تلك النظريات، التي تفترض أن التدليك ربما يوفر إثارة تدفع إلى وقف إصدار الأعصاب إشارات الشعور بالألم، وبالتالي لا يستقبل الدماغ أي رسائل تقول له إن العضلة الفلانية أو المفصل الفلاني يُعاني من أي ألم، كما تطرح نظريات أخرى تفسيراً كيميائياً للأمر، وهو أن التدليك يُثير إطلاق مواد كيميائية من نوعية سيروتينين أو إندروفين المخففتين للشعور بالألم أو الاكتئاب، ومع هذا لا يزال الأمر يحتاج إلى مزيد من البحث لإعطاء تفسير مقبول لجدوى التدليك.

اقرأ أيضاً: العصب السابع يشل الوجه.. والعلاج يكون بالوقاية والتدليك

أنواع مختلفة من ممارسات العلاج بالتدليك

يتجاوز تاريخ التدليك بضعة آلاف من السنين، وهناك إشارات إلى التدليك في الكتابات القديمة للصينيين واليابانيين والهنود والعرب والمصريين القدماء والإغريق واليونان، بل إن هناك إشارة واضحة لأبقراط في قوله: “الطب هو فن التدليك والاحتكاك”.

وفي عصور النهضة في أوروبا، انتشر العلاج بالتدليك، وفي عام 1850 تقريباً أدخل طبيبان أميركيان العلاج بالتدليك إلى الولايات المتحدة، وسبق لهذين الطبيبين أن تلقيا تعليماً طبياً في السويد، ومع زيادة التقدم الطبي في جوانب العضلات والمفاصل والعظام، توسع اللجوء إلى استخدام التدليك في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، وارتفعت وتيرة استخدام التدليك مع الانتشار الواسع لممارسة الرياضة واحتدام المنافسات الرياضية.

ووفق نتائج إحصائيات المراجعة الوطنية الصحية الصادرة عام 2007 بالولايات المتحدة، فإن أكثر من 18 مليون شخص بالغ، و700 ألف طفل، تلقوا معالجة بجلسات التدليك خلال عام واحد منصرم.

ويلجأ الناس إلى التدليك لغايات شتى، منها تخفيف الألم في العضلات أو المفاصل،ومنها إعادة التأهيل الرياضي، وما بعد الإصابات، ولتخفيف التوتر والقلق، ولزيادة الاسترخاء، وكوسيلة لرفع المستوى الصحي العام بالجسم.

وتُعرّف المصادر الطبية وسيلة العلاج بالتدليك (بالإنجليزية: Massage therapy) بأنها مكونة من عدة وسائل ذات تقنيات فنية متنوعة، وعموماً، يلجأ المُعالج إلى الضغط والتدليك والتعامل مع العضلات وغيرها من أجزاء أنسجة الجسم كالجلد أو الأوتار أو أربطة المفاصل، وغالباً ما يستخدم المُعالج يديه أو أصابعه، وربما يستخدم الساعد أو المرفق أو القدم في الضغط. وتتراوح شدة الضغط من خفيف إلى عميق.

وهناك أربعة أنواع رئيسية من التدليك، يتفرع عنها العشرات من أنواع التدليك التي تُطلق عليها أسماء مختلفة. والأنواع الرئيسية هي:

التدليك السويدي (بالإنجليزية: Swedish massage)

وهو عبارة عن نوع لطيف وهادئ من التدليك الذي يستخدم فيه التدليك والضربات الخفيفة المفاجئة، إضافة إلى الحركات الدائرية الضاغطة بعمق متوسط، كما يستخدم أيضاً تأثير الاهتزازات على مناطق معينة من الجسم. وذلك كله في سبيل تحقيق استرخاء في الجسم، وبعث النشاط فيه.

تدليك الأنسجة العميقة (بالإنجليزية: Deep – tissue massage)

وفي هذا النوع من التدليك تُستخدم تقنيات الضغط العميق والبطيء والشديد على مناطق معينة من الجسم، بغية الوصول إلى الطبقات العميقة لأنسجة العضلات والأوتار والأربطة. وغالباً ما يُفيد في حالات حصول تلف في العضلات جراء الإصابات.

التدليك الرياضي (بالإنجليزية: Sports massage)

وهو شبيه بالنوع السويدي من التدليك غير أنه يُكيّف بطريقة تُناسب الأشخاص الذين يُمارسون أنشطة رياضية كي يُساعدهم على الوقاية من الإصابات، أو لمعالجة أي تلف يتعرضون له جراء الإصابات إن حصلت لهم.

تدليك نقاط القدح (بالإنجليزية: Trigger point massage)

وهذا النوع من التدليك يُركّز على التعامل مع نقاط معينة في الجسم تتميز بأنها أكثر حساسية وتأثيراً في راحة وعمل وبناء العضلات والأوتار. ولذا فهو مفيد في معالجة الإصابات وتكرار الاستخدام بشكل خاطئ، الذي تتعرض له العضلات.

اقرأ أيضاً: المساج

عن مجلة بلسم لعدد شهر شباط (فبراير) 428، 2011.