العنف ضد المرأة: أسبابه، وأشكاله، وآثاره، وأهم حلوله

من بين كل ثلاث نسوة في العالم، هناك واحدةٌ منهنَّ تتعرض للعنف!إذ إنَّ تعرُّض النساء للعنف بهذه النسبة المرتفعة، يدل على الواقع السيئ الذي تعيشه المجتمعات، وخاصةً أنَّ هذا العنف لا تتوقف آثاره على المرأة فحسب، بل إنَّ أثره السلبي يمتد ليشمل المجتمع ككل؛ لذا كان من الضروري التعرف على الأسباب التي تؤدي إلى هذا العنف، وكيفية معالجته والقضاء عليه، أو الحد منه على الأقل.

ما المقصود بالعنف ضد المرأة، وما أشكاله؟

يُمكننا تعريف العنف ضد المرأة بأنَّه السلوك العنيف الذي يقوم على أساس التعصب للجنس؛ إذ إنَّه يُمارَس ضد المرأة، فيلحق الأذى النفسي والجسدي والجنسي بها. ثم إنَّ حرمان المرأة من حقوقها، والتحكم فيها، وتهديدها بأي طريقة كانت، أفعالٌ تُعدُّ من ممارسات العنف؛ إذاً هو انتهاكٌ صريحٌ لحقوق الإنسان، فهو يعيق حريتها، ويشكِّل عائقاً يقف في وجه حصولها على حقوقها المشروعة والبديهية، فضلاً عن أنَّ آثاره السلبية لا تقف عند المرأة فحسب، بل تنعكس بشكل سيئ وسلبي على المجتمع بأكمله بدءاً من الأسرة.

والعنف ضد المرأة ظاهرة عامة لا علاقة لها بمجتمع محدد أو ثقافة ما، ولا يرتبط بطبقة اجتماعية بعينها.

من المهم التعرف على أشكال هذا العنف؛ إذ إنَّه لا يأخذ شكلاً واحداً، ولا يظهر بأسلوبٍ وسلوكٍ واحد، بل له عدة أشكال يمكن تلخيصها بالآتي:

  • العنف الجسدي: هو أكثر الأشكال وضوحاً، ويشمل أي استخدام للقوة الجسدية ضد المرأة، كالركل، والصفع، والضرب بأدوات تُسبب الأذى للجسد.
  • العنف النفسي: يرتبط هذا العنف بسابقه، فالمرأة التي تتعرض لعنف جسدي، ستترك كل ضربة أو لكمة أثراً نفسياً كبيراً في نفسها وروحها، وسيؤثر ما يحدث في كل نواحي حياتها وفي شخصيتها، فيقلِّل من إمكانياتها، ويُضعف ثقتها بنفسها، ويُسبب لها اكتئاباً وخوفاً وقلقاً، علاوة على الأثر الذي سيتركه في مستوى تقديرها لذاتها، وعجزها عن السيطرة على الأمور من حولها.
  • العنف اللفظي: كما يؤثر العنف الجسدي في نفسية المرأة، فإنَّ للعنف اللفظي الأثر الواضح والأكبر في صحتها النفسية. ومن أمثلة هذا النوع من العنف: الصراخ عليها في الأماكن العامة، واستخدام عبارات وألفاظ تُقلِّل من شأنها وتُحقِّرها أمام الناس.
  • العنف الاقتصادي: يعود السبب في هذا العنف إلى عدم قدرة المرأة على الحصول على المال، بسبب تبعيتها المالية لزوجها، فهي غير قادرةٍ نتيجةً لذلك على اتخاذ أي قرار مالي، ولا حتى على الإدلاء برأيها فيما يتعلق بالأمور المالية، وذلك على اعتبار أنَّ الرجل هو من يقوم بتحصيله.

شاهد بالفيديو: 9 طرق تساعد المرأة على تجديد طاقتها

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/7JPuImwF14s?rel=0&hd=0″]

أسباب العنف ضد المرأة:

كثيرة هي الأسباب التي تقف وراء العنف الموجه ضد المرأة. ويمكن تلخيص أهم هذه الأسباب بما يأتي:

  • الأسباب الاجتماعية: المشكلة بالأساس في تركيبة المجتمع، ومجموعة المعتقدات والعقائد التي اتفق عليها غالبية أفراده، والتي تحولت إلى معايير اجتماعية سائدة ومنتشرة. والمشكلة الأكبر، أنَّ هذه المعايير سلبية ومؤذية وغير منطقية، فالسلطة الذكورية، وأفضلية الرجل على المرأة، وحق الرجل بالتحكم في تصرفات النساء، واختيار العنف ضدها كوسيلة لحل الخلافات؛ جميعها من المعايير السائدة في كثيرٍ من المجتمعات.
    بناءً على ذلك، فإنَّ للأعراف الاجتماعية دورها الواضح في تعزيز العنف ضد المرأة، وتحويله إلى سلوك عام لا خجل منه. وطبعاً، هذا ما أكدته كثيرٌ من الدراسات الإثنوغرافية والأنثروبولوجية. لكنَّ الشيء المحزن فعلاً، أنَّ تأثير هذه الأعراف لا يتوقف على عقول الرجال، بل يتعداه ليصل إلى عقول النساء، وخاصة الزوجات اللواتي أصبحن يعتقدن أنَّ تعرضهنَّ للضرب، وللعقاب الجسدي، والتعنيف اللفظي، أمرٌ طبيعي وضمن سياق سير الأمور، غير أنَّه في الحقيقة، لا يمكن تعميم هذا القبول على كل المجتمعات بالتساوي؛ إذ إنَّ لكل مجتمع قيمه المختلفة وعاداته وتقاليده، ودرجة معيَّنة من التطور الاجتماعي والفكري، والتي تلعب جميعها دوراً في السلوكات العامة المُتفق عليها.
  • الأسباب السياسية: لنتخيل معاً عدم وجود عقوبات رادعة للسرقة مثلاً في دولة ما؛ النتيجة الطبيعية لهذا، ستكون انتشار السرقة بشكل كبير، لأنَّ الدولة هذه هيأت بذلك البيئة الحاضنة للسرقة، فلن يخاف السارق من ارتكاب فعلته، ما دام قد علم أنَّه لن يُحاسب. حقيقةً، هذا ما يحدث في كثير من دول العالم، والتي لا تتعامل بجدية مع قضية مثل قضية العنف ضد المرأة، فلا تُصدر قوانين رادعة، ولا تضع عقوبات صارمة، لمن يقوم بهذا الفعل. وفي حال وجود مثل هذه القوانين، لا نجد تطبيقاً فاعلاً لها، يستطيع أن يقف بوجه العنف ضد المرأة ويمنعه. فالدولة التي لا تأخذ موقفاً واضحاً ضد هذا العنف، من خلال قوانينها وممارساتها، تظهر وكأنَّها متسامحة ومبررة لما يحدث، في حين أنَّه يجب على أُطرها التشريعية وسياستها أن تكون واضحة.
    من عيوب السياسات أيضاً، التركيز على تجريم الفاعل فحسب، في حين أنَّ عليها محاولة حل المشكلة من الأصل، والاستفادة من القانون المدني، والدستوري، والجنائي، والإداري من أجل ذلك. ثم إنَّ على الدول والحكومات ألَّا تَغفل في سياستها عن وضع برامج توعوية، وإنشاء مؤسسات متخصصة لنشر الوعي وحماية المرأة من التعنيف، وأهم من ذلك كله، أن تُقدِّم ملاجئ آمنة للنساء المعنَّفات، في حال قرَّرن وضع حد للعنف الذي يتعرضن له؛ إذ يمكن أن نلاحظ كيف تَقلُّ نسبة العنف في الدول المتقدمة، وذلك بسبب الدور الكبير والرادع الذي تمارسه القوانين الصارمة والعقوبات الشديدة ضد المُعنِّفين، والإجراءات الجدية التي تتخذها هذه الدول لحماية المعنَّفات.
  • الأسباب الاقتصادية: تحتل الأسباب الاقتصادية نسبة 45 بالمئة من مسوغات العنف ضد المرأة، وتظهر هذه الأسباب بأشكال مختلفة؛ فانتشار الفقر في المجتمعات بشكل كبير، يُعدُّ واحداً من هذه الأسباب، ويزيد من خطر تعرُّض النساء للعنف، وقد أكدت الدراسات ذلك، حين أشارت إلى أنَّ النساء اللواتي يعشن في مجتمعات فقيرة، وضمن ظروف اقتصادية ضيقة، معرضاتٌ للعنف أكثر من النساء اللواتي يعشن في أوضاع أفضل وأغنى، وذلك لأنَّ النساء في تلك الظروف يتعرضن للاستغلال بشكل أكبر، ويُجبرن على الزواج المبكر، والذي تَعدُّه المنظمات الدولية منافياً لكل القوانين والأعراف. ثم إنَّ البطالة أيضاً تُعدُّ من الأسباب الاقتصادية المرتبطة بالعنف بشكل مباشر، والتي يظهر أثرها عبر العنف الأسري وتزويج القاصرات. وإضافةً إلى هذا كله، يلعب الوضع الاقتصادي دوراً كبيراً في تقبُّل النساء للعنف، ففي حالة الزوجات، تجد كثيرات منهنَّ مجبرات على البقاء وقبول العنف، لأنَّهنَّ غير قادرات على إنهاء علاقتهنَّ الزوجية رغم تعنيفهنَّ، بسبب حاجتهنَّ إلى السكن والطعام والمال. والجدير بالذكر، أنَّ المرأة في ظل هذه الظروف لن تتمكن من إكمال تعليمها، وهذا ما سيعوق رغبتها في الحصول على عمل لتستقل مادياً.
  • الأسباب النفسية: ترجع الأسباب النفسية من الأساس إلى التنشئة الاجتماعية منذ الطفولة، فكثيرٌ من الدراسات تؤكد أنَّ أغلب المجرمين العنيفين تعرضوا في طفولتهم لسوء التربية، والعقاب الجسدي الشديد، وقلة الاهتمام، وغياب الرعاية. فالعنف -كما يقول علماء النفس- هو نتاج الغضب الذي يحدث بسبب اليأس والإحباط والخذلان الذي يواجهه الإنسان في حياته. ليس هذا وحسب، فالشعور بالعجز والقهر، والانتقاص من قيمة الرجل في مكان عمله، فضلاً عن اضطراره إلى السكوت وتلقِّي الإهانة بصمت؛ جميعها عوامل أخرى تؤدي إلى ردود أفعال عنيفة، يوجهها الزوج نحو زوجته كطريقة لتفريغ ما يشعر به من ألم. تلعب أيضاً الأمراض النفسية والاضطرابات الشخصية عند الرجل، مثل اضطراب الشخصية الحدية، دوراً في العنف الذي يُمارسه، وقد أثبتت الدراسات أنَّ نسبة عالية من الرجال الذين يعنفون زوجاتهم، يعانون من اضطرابات شخصية مُعادية للمجتمع.
  • الأسباب الشخصية: تُضطر كثير من النساء إلى السكوت عن العنف الممارس ضدهنَّ بدافع الخوف من الرجل أولاً، في حين يكون سكوتها بالدرجة الثانية لأسباب مرتبطة بشكل مباشر بما سبق ذكره من أسباب، كعدم وجود حاضنة اجتماعية لها، وعدم وجود قوانين تحميها، أو مكان تلجأ إليه، فضلاً عن الضغط العائلي الذي يُمارس ضدها لتُجبَر على السكوت.
  • أسباب تتعلق بالفهم الخاطئ للدين: حيث يستطيع رجال الدين عبر كلامهم، التأثير في الرجال على نحو كبير، وقد يعزز كلامهم الحقد تجاه الزوجات، أو يدفع الآباء إلى تضيق الخناق على بناتهم.

آثار العنف في المرأة:

  • الآثار الصحية: تُصاب المرأة بالصداع نتيجة تعرضها للتعنيف، فضلاً عن اضطرابات الجهاز الهضمي، وآلام البطن والظهر، وغيرها. علاوة على الإصابات التي قد تتعرض لها، كالحروق والجروح والكسور.
  • الآثار النفسية: تطرقنا سابقاً لبعضها، كالاكتئاب، ومشكلات النوم، وصعوبات تقبُّل الطعام. وفي الحالات الشديدة، قد تُقدم المرأة على الانتحار لإنهاء عذابها.
  • الآثار الاجتماعية: قد تصل المرأة بسبب العنف الذي تتعرض له، إلى العزلة التي تُبعدها عن الأنشطة وعن المشاركة فيها، وتجعلها غير قادرة على العمل، فتفقد فرصتها في تحصيل الاستقلال المادي.

حلول العنف ضد المرأة:

ذكرنا سابقاً ونؤكد الآن، إنَّ آثار العنف ضد المرأة ليست مقتصرةً على المرأة، بل تتعداها لتصل إلى المجتمع بأكمله، وتؤثر سلباً في مختلف جوانبه؛ لذلك لا بدَّ من التفكير الجدِّي في وضع حلول للتصدي لهذا العنف والحد منه؛ حيث نستعرض فيما يلي بعضاً من الحلول المقترحة:

  • التربية المنزلية: لمَّا كانت تربية الطفل ونشأته من العوامل والأسباب المهمة في جعله عنيفاً، كان من المهم جداً الاهتمام بهذه التنشئة، واتباع الطرائق الحديثة في التربية، والابتعاد عن الأفكار الجاهزة، والتقليد الأعمى، والأعراف التي تتعارض مع المنطق.
  • المناهج الدراسية: لإكمال دور التربية المنزلية، واقتلاع المشكلة من الجذور، فإنَّ من الضروري وضع مناهج دراسية، تتضمن برامج تُعرِّف بالعنف وأخطاره وآثاره السلبية في المجتمع.
  • العمل على تغيير الثقافة السائدة في المجتمع، ونشر التوعية الاجتماعية: لا يحدث هذا بين ليلة وضحاها، بل تحقيقه يحتاج إلى كثيرٍ من الجهد والعمل، بالترادف مع تحقيق الخطوتين السابقتين. ويجب أيضاً وضع خطط تنموية واجتماعية، ثم إنَّ على الدولة، والمؤسسات والمنظمات الأهلية والمدنية في المجتمع، ورجال الدين، ووسائل الإعلام، توحيد الجهود في سبيل تحقيق ذلك، نظراً إلى تأثيرها الكبير والواسع في المجتمعات وفي الناس.
  • وضع قوانين حامية للمرأة، وتفعيل عملها: ليس من المهم وضع القوانين فحسب، بل يجب أيضاً تنفيذها، وتعزيز دورها، حتى يمتنع المُعنِّف عن فعلته خوفاً من العقاب. وفي حال كانت هذه القوانين موجودة بالفعل، يجب إجراء تعديلات عليها.
  • توعية المرأة دائماً: جهل المرأة بحقوقها، وغياب التوعية اللازمة لها، من الأسباب الرئيسة لقبولها العنف؛ لذلك يجب بذل جهود حثيثة لنشر الوعي بين النساء، وتهيئة الظروف المناسبة لأخذ حقوقهنَّ، وليس معرفتها فحسب. وإضافة إلى إصدار القوانين، يجب إلزام المرأة بالتعلم كطريقة لرفع سويتها الفكرية، وبما يساعدها لاحقاً على الاستقلال المادي.
  • إقامة مشاريع للنساء: لا يعني عدم حصول النساء على التعليم أن يجلسن من دون عمل، بل على الدولة أن تنشئ مشاريع خاصة للنساء، كمشاغل الخياطة مثلاً، وذلك لمساعدتهنَّ على التخلص من التبعية المالية للرجل.
  • الرقابة الشديدة على وسائل الإعلام: تلعب هذه الوسائل دوراً كبيراً في نشر مفاهيم خاطئة، وتعزيز أفكار سلبية ضد المرأة؛ لذلك على الدولة أن تكون حازمة في رقابتها، فلا تسمح بعرض أي شيء مهين للمرأة، أو محرض على العنف ضدها.

ومن الجدير بالذكر، أنَّ الجمعية العامة للأمم المتحدة خصصت يوم 25 من شهر تشرين الثاني، كيوم للقضاء على العنف ضد المرأة. وتعمل هذه المنظمة على إجراء بحوث شاملة، من خلال التعاون مع الوكالات والمنظمات غير الحكومية، لمعرفة حجم هذا العنف ومعدلاته، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المرأة حول العالم من العنف.

في الختام:

“ظِلُّ رجل ولا ظِلُّ الحائط”، وغيرها الكثير من العبارات والأقوال والأمثال التي يتم تداولها بين الناس في المجتمع، والتي تلعب دوراً في تعزيز الثقافة الذكورية السائدة، والنظرة الدونية والعنصرية ضد المرأة؛ هي من الأمور التي تبدو بسيطة في شكلها، في حين يكون تأثيرها عميقاً جداً في المجتمعات؛ لذلك من الضروري أن نتسلح بالوعي لمحاربة هذه الظاهرة، ثم إنَّ على المرأة أن تحصن نفسها بالعلم والثقافة والعمل، لأنَّها بهذه الطريقة وحسب تؤمِّن سلاحاً فعَّالاً يحميها. فلا بدَّ للمرأة من تعلُّم رفض الظلم، وهذا ليس واجبها وحدها، بل على الدولة أن تؤمِّن لها كل سبل المساعدة والحماية.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!