الفراغ العاطفي: تعريفه، وأسبابه، وأهم طرق تجاوزه

الغذاء الرُّوحي هو الحب والعاطفة والاحتواء الذي يحصل عليه الإنسان من أسرته ومن محيطه، عندما لا يُشبع الإنسان احتياجه العاطفي، يدخل في حالة من الفراغ أو الحرمان، وهي من المشكلات النَّفسيَّة والاجتماعية المتفاقمة خاصَّة في مجتمعاتنا العربيَّة.

الغذاء الرُّوحي هو الحب والعاطفة والاحتواء الذي يحصل عليه الإنسان من أسرته ومن محيطه، فهو بحاجة للاهتمام والحنان والشُّعور بأنَّ أمره يهم من يُحطيون به، أي أنَّه بحاجة إلى من يُصغي له ويُشعره أنَّه ليس وحيداً، وإلى من يُشاركه همومه ويُشعره بالأمان، وبحاجة لتقديره ومدحه والتَّحاور معه وأخذ رأيه.

عندما لا يُشبع الإنسان احتياجه العاطفي من الأسرة ومحيطه، يدخل في حالة من  الفراغ أو الحرمان أو الجفاف العاطفيِّ، وهي من المشكلات النَّفسيَّة والاجتماعية المتفاقمة خاصَّة في مجتمعاتنا العربيَّة.

ما هو الفراغ العاطفي؟

حالة تُصيب الإنسان -ذكراً وأنثى- في كل مراحل حياته وخاصَّة في مرحلة المراهقة حيث يكون أكثر حساسيَّة؛ وهي حالة نقص واحتياج عاطفيٍّ، يشعر فيها الإنسان بالغربة وسط الأهل، والأصدقاء، وزملاء الجامعة، والمعارف جميعاً، وتنتابه مشاعر من الوحدة والفراغ وفقدان الرَّغبة بالحياة، وفرط حساسيَّة تجاه أمور لا تستحق ذلك فعلياً، ويفقد ثقته بنفسه، لأنَّه يشعر أنَّه شخص غير مهم لمن حوله.

تعد حالة الفراغ أو الجفاف العاطفيِّ خطيرة إذا تفاقمت ولم يتم حلُّها؛ لأنَّها قد تُودي بفتياتنا وفتياننا للضَّياع، وتدفعهم لسلوكات خاطئة مثل الإدمان لنسيان ما يُعانوه، أو البحث عن العاطفة في خارج البيت بمُرافقة رفاق سوء، أو الدُّخول في علاقات غير سويَّة مع أشخاص قد يستغلُّون هذا الاحتياج لديهم، فيقعون ضحيَّةً لكلامهم المعسول ومشاعرهم الزَّائفة، وتكون العواقب وخيمة ممَّا يُلحق بهم مزيداً من الأذى النَّفسي.

أسباب الفراغ العاطفي:

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/YEduYeqbSjY?rel=0&hd=0″]

1. الفجوة العاطفيَّة بين الأهل والأبناء:

تعود أهم أسباب الفراغ العاطفيِّ الَّذي يُعانيه الإنسان إلى غياب العاطفة الأسريَّة؛ فعندما يكون مُشبعاً عاطفيَّاً من أسرته يُصبح في مأمن إلى حدٍّ ما من الفراغ العاطفيِّ، والمشكلة هنا في مجتمعاتنا العربيَّة أنَّ طبيعة تربيتنا لم نعتد فيها على إظهار مشاعر الحبِّ والحنان للأبناء؛ فالتَّربية ليست توفير متطلَّبات الحياة من مأكل وملبس ومصاريف فقط، بل هي أعمق من ذلك بكثير، فهي توفير الإشباع العاطفيِّ للأبناء.

كثيراً ما يكون الأهل مشغولين بمتطلَّبات الحياة الماديَّة، ويبتعدون عن أبنائهم ويُهملون الجانب النَّفسيَّ لهم، ولا يعرفون ما يجري معهم ولا ما يعيشون أو يُعانون في تجاربهم الحياتيَّة؛ فتتحوَّل العلاقة بينهم لعلاقة واجب، أي علاقة قاسية قائمة على الأوامر والطَّاعة بدون وجود جسور للتَّواصل الرُّوحي.

2. غياب الأصدقاء الصَّدوقين:

الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، وللعلاقات الإنسانيَّة تأثير مهم عليه، وعندما يشعر أنَّه ليس لديه أصدقاء حقيقيين، يبدأ بالشُّعور بالوحدة والفراغ العاطفي.

3. غياب الحب من الجنس الآخر:

علاقة الحب مع الجنس الآخر سواء للفتاة أم للشَّاب أمر مهم ومؤثِّر على  الصَّحَّة النفسيَّة لكلٍّ منهما خاصَّة في سن النُّضوج؛ إذ يحتاج كلُّ طرف لوجود الطَّرف الآخر في حياته، وعندما تغيب هذه العلاقة أو يتعرَّض للصَّدمات فيها من خذلان أو خيانة، يشعر الشَّاب أو الفتاة بالفراغ العاطفيِّ والوحدة.

4. غياب الثِّقة في النَّفس:

عندما تكون ثقة الإنسان بنفسه مهزوزة، ويكون غير غني بذاته، يبدأ استمداد قيمته من الآخرين وثقته بنفسه من علاقتهم به، وعندما لا يُلاقي منهم الاهتمام والتَّقدير، يبدأ بالشُّعور أنَّه بلا قيمة وأهميَّة، ويعيش دوَّامة الفراغ العاطفي.

5. العادات والتَّقاليد:

قد تُشكّل العادات والتَّقاليد في بعض المجتمعات عائقاً في حياة الشَّاب والفتاة، إذ يمنعهم من النُّموِّ النَّفسيِّ السَّليم، حيث قد تمنعهم العادات من الاختلاط بين الجنسين أو قد تمنع الفتاة من التَّعلُّم أو العمل، أو تُجبر على الزَّواج وتجاهل رأيها ومشاعرها، وغيرها من السُّلوكات الَّتي تجعل شبابنا وشاباتنا يعانون من الغربة وسط مجتمعاتهم والفراغ العاطفي.

6. مواقع التَّواصل الاجتماعي:

قد تكون مواقع التَّواصل الاجتماعي سبباً للفراغ العاطفيِّ؛ إذ يعيش الإنسان المدمن عليها في عزلة عمَّن حوله، فيشعر بالفراغ العاطفيِّ الواقعي، ويهرب إلى العالم الافتراضيِّ ليروي ظمأه العاطفيِّ الَّذي تزيده علاقات وهم العاطفة والحب المزعوم ولا تُنقصه.

7. فقدان أو موت عزيز:

فقدان الإنسان لشخص عزيز قد يُدخله في حالة من الفراغ العاطفيِّ، خاصَّة إذا كان لهذا الشَّخص تأثيراً قويَّاً في حياته؛ إذ يعد نفسه أنَّه أصبح وحيداً من دونه، ولا يُعوِّضه أحد عن فقدانه.

كيف يُمكن تجاوز الفراغ العاطفي؟

1. الاعتراف بالحالة:

أن يعترف الإنسان أنَّه يُعاني من فراغٍ عاطفيٍّ، ويُحاول فهم سبب هذا الشُّعور، وفهم حقيقة احتياجه، لكي يحمي نفسه من الانجراف وراء سلوكيَّات خاطئة لسدِّ هذا الاحتياج.

2. محاولة إصلاح العلاقة:

إن كان ما يُعانيه الإنسان من فراغٍ عاطفيٍّ سببه علاقة غير مُرضية مع أسرته، أو شريك حياته، أو أصدقائه؛ يُحاول إصلاح هذه العلاقة والتَّكلُّم مع الطَّرف الآخر عن حقيقة شعوره وما يُعانيه وما يحتاجه في هذه العلاقة، علَّهما يصلان للعلاقة السَّليمة الَّتي تسدُّ احتياجاتهم العاطفيَّة.

3. تعزيز الثِّقة بالنَّفس:

من أهمِّ خطوات تجاوز الفراغ العاطفيِّ أن يعزِّز الإنسان من ثقته بنفسه، ويشعر أنَّه قوي بذاته، وليس بحاجة للآخرين ليشعر بوجوده وقيمته.

4. الحريَّة في التَّعبير:

من المفيد أن يطلق الإنسان العنان لنفسه في التَّعبير عن مشاعره؛ لأنَّ كثيراً ما يكون سبب الفراغ العاطفيِّ هو الخوف والخجل من التَّعبير عن المشاعر، سواء كانت للأهل أم للحبيب أم للصَّديق.

5. ملء أوقات الفراغ:

يُنصح الإنسان الَّذي يُعاني فراغاً عاطفيَّاً بملء أوقات فراغه بممارسة هواية يُحبُّها أو ممارسة الرِّياضة أو السَّفر، أو الالتحاق بأنشطة تطوُّعيَّة بحيث لا يبقى حبيس أفكاره ومشاعره السَّلبيَّة.

6. اختيار الأشخاص الصَّادقين:

من أكثر الأشياء الَّتي تُخفف على الإنسان وحدته أو شعوره بالفراغ العاطفيِّ، هي وجود أشخاص صادقين مُحبِّين مخلصين بجانبه يمنحونه مشاعر صادقة تملأ ما يُعانيه من احتياج دون أن يُفكِّروا بأيِّ استغلال أو خداع، فمن الضَّروريِّ أن ينتبه الإنسان لاختيار أشخاص حياته، ويبتعد عن الأشخاص المُخادعين الَّذين يبيعونه الكلام المعسول ويضمرون النَّوايا الخبيثة.

7. العمل بجدٍّ أكثر:

من أهم الطُّرائق لتجاوز الفراغ العاطفيِّ أن يركِّز الإنسان في عمله أكثر، ويستثمر كلَّ طاقاته في العمل، لتحقيق الذَّات وإنجاز نجاح يُنسيه ما يُعانيه من مشاعر سلبيَّة.

8. اللُّجوء لأخصَّائي نفسي:

في حال تفاقم حالة الفراغ العاطفيِّ ووصولها لدرجات من الاكتئاب والألم النَّفسيِّ، ليس عيباً ولا حرجاً الاستعانة بأخصَّائي نفسي للمساعدة في علاج الأمر بالشكل السَّليم.

شاهد بالفيديو: 6 خطوات لتحقيق الاستقلال العاطفي

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/O9_cHFkiNZE?rel=0&hd=0″]

العائلة هي صمَّام الأمان:

كشفت الدِّراسات التربويَّة النَّفسيَّة أنَّ للرَّوابط العائليَّة والحب الَّذي يملأ العائلة تأثيراً بالغاً في ذكاء الطِّفل وتكوين بنيته العقليَّة والجسديَّة والنَّفسيَّة، وما يُسبِّب غياب هذه الرَّوابط من أثار سلبيَّة تنعكس على الطِّفل المحروم عاطفيَّاً، لدرجة أن سمَّى بعض علماء النَّفس هؤلاء الأطفال بالأطفال “الأقزام نفسيَّاً”.

كما أنَّ المُشبع عاطفيَّاً من عائلته سيكون محصَّناً من الفراغ العاطفيِّ؛ فهو مُكتفٍ داخليَّاً، ولن يلجأ إلى العالم الخارجيِّ بحثاً عن العاطفة.

لذلك فإنَّ على الأبوين مسؤوليَّة عظيمة في إشباع الأبناء عاطفيَّاً وحمايتهم من الشُّعور بأيِّ احتياج عاطفيٍّ عبر جعل البيت تملؤه مشاعر الحب والألفة، والحرص على أن يكونا صديقين لأولادهما، ومستودعاً لأسرارهم، بحيث يُخبر الابن أبويه كلَّ ما يُساوره من أفكار أو مشاعر دون أيِّ خوف أو خجل.

كما يجب تقديرهم والأخذ بآرائهم خاصَّة في المسائل الَّتي تعنيهم، مع الحرص على إشعارهم دائماً أنَّهم موجودون لأجلهم وأنَّهم سند لهم وليس مصدر خوف أو قلق؛ بحيث إذا وقع الابن في مشكلة، يلجأ لأهله وهو متأكِّد من احتوائهم له بدلاً من اللُّجوء للآخرين خوفاً من لوم الأهل وتوبيخهم.

إذن من المهمِّ جدَّاً أن يعي الأهل تماماً لأهميَّة وخطورة الجانب العاطفي والنَّفسيِّ في تربية الأبناء، وجعلهم يشعرون بالإشباع العاطفيِّ والاكتفاء الدَّاخليِّ؛ ممَّا يحميهم من أيِّ اضطراب عاطفيٍّ يُؤثِّر على توازنهم النَّفسي.

في الختام، حصِّن نفسك بحبِّ نفسك:

تقول روندا بايرن في كتابها الشهير السِّر: “عامل نفسك بالحب والاحترام، وسوف تجد أناساً يبدون لك حبَّاً واحتراماً”؛ لذا فإنَّ حب الإنسان لنفسه هو خط الدِّفاع الأوَّل من أيِّ نقطة ضعف قد تواجهه في حياته، بحيث يستمدُّ قيمته من ذاته، وليس من الآخرين، ويغتني بنفسه، فيُحصِّنها من أن يعيش مشاعر احتياج للآخرين.

المصادر: 1، 2، 3، 4

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!