ربى الرياحي

عمان – يفتقد المراهقون، في ظل جائحة كورونا، أهم اللحظات والتفاصيل التي من شأنها أن تشكل أبرز ملامح شخصياتهم، فهم يواجهون وضعا في غاية الصعوبة من جهة التغيرات النفسية والجسدية المصاحبة لمرحلة المراهقة، ومن جهة أخرى ظروف العزل وإغلاق المدارس وإبعادهم عن أصدقائهم ومحيطهم الاجتماعي.
شعور الجميع بالعجز إزاء كل ما يحدث، وخاصة الأهل، يجعلهم حائرين ما الذي يتوجب عليهم أن يفعلوه من أجل التخفيف عن أبنائهم المراهقين لكونهم يمرون بفترة حرجة وصعبة تتضاعف خطورتها اليوم مع الانتشار السريع لفيروس كورونا وما يتبعه من تشديدات احترازية من شأنها تحقيق قواعد السلامة العامة.
وهنا تكمن مسؤولية الآباء والأمهات واشتراكهم في إيجاد طرق بديلة ومثمرة تساعد الأبناء على تجاوز المحنة والتأقلم مع الظروف مهما كانت صعوبتها.
الأربعينية سناء عامر، تعاني باستمرار مع ابنها الذي يبلغ من العمر 15 عاما، تقول إن الجائحة ضيقت الخناق على الجميع، ولا سيما فئة المراهقين الذين انقطعوا بشكل مفاجئ عن مدارسهم وأنشطتهم ولقاءاتهم المباشرة مع الأصدقاء، إضافة إلى الصعوبات التي تواجههم أثناء دراستهم عن بعد.
وتبين أنها بدأت تشعر أن طاقتها استنزفت ولم تعد قادرة على التفاهم مع ابنها، خلافات وانتقادات لا تنتهي، والسبب جلوسه الطويل أمام “البلاستيشن” وعصبيته الشديدة على أبسط الأشياء، قائلة “كلنا ندرك أن هذه الفترة من عمر الشخص تكون حرجة جدا ففيها تتشكل شخصيته وقناعاته وأفكاره وأيضا يبادر إلى تكوين صداقات جديدة، كما يبدأ بالتعرف على نفسه وتحديد اهتماماته وهواياته”.
سناء تدرك أن الوضع الصحي الاستثنائي الذي يؤثر على العالم ككل حاليا قيد الجميع وحصرهم وبات لزاما عليهم التأقلم مع الأحداث كما هي، وهذا كله بالطبع يزيد من هموم الوالدين ويؤرقهما لكون المسؤولية تقع على كاهلهما، وهي كأم تجد أن الحل للتخفيف عن المراهقين هو توفير أجواء مريحة وهادئة لهم بعيدة قدر الإمكان عن النقاشات الحادة وأسلوب السيطرة القاسي الذي يلغي معه حريتهم تماما.
وتلفت إلى ضرورة أن تكون المعاملة قائمة على تفهم مشاعر الأبناء والتصرف بحكمة وصبر مع تقلباتهم المزاجية وعنادهم، إضافة إلى إشغالهم ببعض الهوايات التي يحبونها ويميلون إلى ممارستها، بحيث تتناسب مع ظرف العزل الذي يعيشونه.
أما إبراهيم فهو الآخر يشعر بأن كورونا كشف الغطاء عن ثغرات في تربيته لولديه. يقول إنه قبل الجائحة لم يكن أبدا قريبا من ولديه رغم أنهما في فترة صعبة كونهما مراهقين، موضحا أنه كثيرا ما كان يمنعهما من التعبير عن رأيهما، وإشعارهما بالخوف منه باستمرار، إضافة إلى أنه كان حريصا على أن تبقى العلاقة بينهم ضمن الحدود فقط.
ويشير إلى أنه لم يفكر يوما بمصادقتهما والاستماع لاحتياجاتهما ومشاكلهما. لكن بعد قدوم الجائحة، يقول إبراهيم إن الكثير من التغييرات حدثت على الصعيدين النفسي والاجتماعي وكذلك الاقتصادي، الأمر الذي جعله يعيد النظر في شكل علاقته بولديه محاولا بذلك التقرب منهما، وقضاء أكبر وقت ممكن معهما وتعويض كل ما فاته من قبل.
ويبين أنه يشعر بمتعة كبيرة برفقة ولديه الآن، فقد تحولت المعاملة من الصراخ والقمع والتدخل في كل صغيرة وكبيرة إلى هدوء واحترام وإعطاء مساحة من الاستقلالية والتعبير وتحمل المسؤولية. ويؤكد أنه بدأ يستغل ظروف العزل وأوقات الفراغ الطويلة في عمل أنشطة مفيدة ومسلية بمشاركتهما كزراعة حديقة المنزل والقراءة، وأيضا اختبار معلوماتهما العامة من خلال إجراء بعض المسابقات اليومية المحفزة.
المتخصصة النفسية والتربوية مرام بني مصطفى، تبين أن المراهقة هي في حد ذاتها مرحلة حرجة وصعبة تمتاز بالصراعات الداخلية وتصادم المراهق مع محيطه، وذلك لأنها تشهد تغيرات كبيرة من حيث النمو الجسدي والعقلي والنفسي، كما أنها فترة انتقالية يسيطر عليها الاندفاع والعصبية والتعرف على الذات والرغبة في اكتشاف كل شيء، ففيها تختلط المشاعر ويصبح المراهق أكثر تمردا ينفعل بسرعة ويميل أحيانا للعنف في حال لم يتم تفهم تصرفاته والتعامل معه بصبر ولطف.
وتلفت إلى ضرورة بناء الثقة بين الوالدين والمراهق حتى يستطيع أن يشكل هويته الخاصة، ويكون قادرا على تكوين قناعاته وآرائه الشخصية ويحقق كل ما يطمح إليه.
وتبين بني مصطفى أن جائحة كورونا وما لحقها من إجراءات وعزل ضاعفت حتما من مشاكل المراهقين وتسببت في الكثير من الضغوطات المتعبة كإغلاق المدارس والنوادي وتحويل التعلم عن بعد، والعقبات المرافقة له والانقطاع عن الأصدقاء وأوقات الفراغ الطويلة التي يلجؤون إلى ملئها بالألعاب الإلكترونية والإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يجعل المراهقين عرضة للتنمر والتحرش الإلكتروني فينتج عن ذلك كله شعورهم الدائم بالحزن والاكتئاب والوحدة.
وتؤكد أن مسؤولية الأهل في هذه الفترة تتلخص في قدرتهم على احتواء ابنهم المراهق واحترام خصوصيته وتوجيهه بمحبة بعيدا عن أسلوب التسلط والأمر، وكذلك إشراكه في تحمل مسؤولية أشقائه الصغار ومنحه الفرصة للتعبير عن رأيه دون قمع.
الى ذلك، تخصيص أوقات عائلية يسودها المرح والتفاهم والمناقشات الهادفة والتقليل قدر الإمكان من استخدام الأجهزة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي وتعويد المراهق على القراءة باستمرار، وأيضا إعطاؤه الفرصة لاكتشاف هواياته وتنميتها وتشجيعه على ممارسة التمارين الرياضية يوميا وإشعاره بقيمة الأكل مع العائلة وتقدير كل اللحظات المشتركة، لأن الأسرة في هذا الوقت الصعب أحوج ما تكون للسكينة والأمان العاطفي لتتمكن من تجاوز المحنة بصلابة، وهذا يتحقق بإيجاد بيئة سعيدة قادرة على دعم أبنائها، وخصوصا المراهقين ومساندتهم.