انتعاش مهنة منسية.. "جيوب" اللبنانيين يرقّعها الخياطون (تقرير)

انتعاش مهنة منسية.. “جيوب” اللبنانيين يرقّعها الخياطون (تقرير)

انتعاش مهنة منسية.. "جيوب" اللبنانيين يرقّعها الخياطون (تقرير)

Lebanon

بيروت/ ستيفاني راضي/ الأناضول

-خياط: الناس وصلت إلى مرحلة تصلح فيها ملابسها الداخلية
-إقبال الزبائن على الخياطين زاد بنسبة 50 بالمئة
– دخل الفرد في لبنان انخفض من 7660 دولاراً إلى 2745 دولاراً في السنة

غيّرت الأزمة الاقتصاديّة نمط حياة اللبنانيّين الّذين باتت أولوياتهم تقتصر على شراء المواد الأساسيّة، كالطعام والشراب والدواء – حال توفره – فقط، بعيدا من الكماليّات.

فمنذ سنة ونصف السنة، ضربت لبنان أزمة اقتصاديّة طاحنة تسبّبت بانهيار الليرة أمام الدولار الأميركي، ما أدّى إلى فقدان الشعب قدرته الشرائيّة.

وفي خضم الأزمة المعيشيّة، ازدهرت بعض المهن القديمة، أبرزها الخياطة، الّتي كان قد سرقها العصر المتطوّر. فبدل شراء ملابس جديدة، بات اللبناني يهرع إلى الخيّاط لتصليح ملابس قديمة يملكها في خزانته.

هذا ما أكّده، وسيم شمص، الّذي يملك محلًا للخياطة في منطقة الشياح (غرب العاصمة بيروت)، منذ نحو 20 عاماً.

وقال وسيم لـ “الأناضول” إنه “بعد بدء الأزمة الاقتصاديّة في لبنان، ازداد الطلب على مهنة الخياطة”.

وأضاف: “لاحظنا فرقًا وارتفاعًا بنسبة إقبال الزبائن إلينا، وذلك منذ بدأ الدولار يتخطّى سعره 3000 ليرة” في ربيع 2020.

وكانت قيمة الليرة مقابل الدولار مستقرّة طوال أكثر من ربع قرن عند حدود 1510، إلّا أنّها اهتزّت للمرّة الأولى في ديسمبر/ كانون الأوّل 2019، وبدأت تتدهور تدريجيًّا حتّى وصلت إلى حدود 23000 ليرة في تموز/ يوليو الماضي.

وبات 90 بالمئة من الزبائن يفضّل تصليح قطع موجودة لديهم في الخزائن، بدل الذهاب إلى متاجر الألبسة، وهذا كنّا لا نراه قبل الأزمة، بحسب شمص.

كلام شمص توافق مع ما قاله إيلي عاقوري، صاحب معمل خياطة في كفرشيما (شرق بيروت)، الّذي لاحظ منذ سنة تقريبًا ارتفاعًا بنسبة الإقبال على إصلاح الألبسة القديمة.

عاقوري الّذي ورث المهنة عن والده، وبدأ العمل بها مع أخوته، منذ العام 1991، كشف لـ”الأناضول” أن “الناس وصلت إلى مرحلة تصلح فيها ملابسها الداخليّة و”ترقّعها” بقطع قماش”.

وأشار إلى أنّ “إقبال الزبائن زاد كثيرًا في الفترة الأخيرة، بنسبة فاقت الـ 50 بالمئة، وكمعدّل يومي، صار يأتي إلى المتجر نحو 10 أو 15 زبونًا إضافيًّا عن السابق.

**أسعار تصليح الألبسة

مع بدء انهيار الليرة، ارتفعت أسعار كلّ المواد الّتي يتمّ استيرادها إلى لبنان، وخصوصا الملابس.

وبمقارنة بين الأسعار القديمة والجديدة، أصبح سعر بنطلون الجينز، الذي كان يتراوح بين 50 ألف ليرة و70 ألفًا قبل، يفوق عتبة الـ 200 ألف ليرة اليوم. وكذلك بالنسبة إلى الفساتين العاديّة. أمّا بالنسبة إلى قمصان “التيشيرت” البسيطة، فقد كان سعرها يتراوح بين 15 ألفًا و35 ألف ليرة، فيما أصبح سعرها أكثر من 100 ألف ليرة.

بسبب الأسعار المرتفعة للملابس الجديدة، بات يفضّل الكثير من اللبنانيّين تصليح القديمة منها، كتضييقها أو توسيعها أو ترقيعها، بأسعار مقبولة لدى الخيّاط.

وروت إحدى المواطنات (من الطبقة المتوسّطة) لـ “الأناضول، فضّلت عدم الكشف عن اسمها، أنّها لم تشترِ أيّ قطعة ألبسة جديدة من نحو سنة ونصف السنة.

وأشارت إلى أنّ أسعار الملابس ارتفعت بشكل كبير، لذا تفضّل شراء المواد الغذائيّة بدل صرف أموالها على الملابس.

وكشفت أنّها قرّرت تجديد ملابس قديمة تملكها في خزانتها لدى الخيّاط، كون الكلفة أقل بكثير من شراء ملابس جديدة.

وهنا، قال الخياطان شمص وعاقوري أنّ كلفة تقصير البنطلون كانت تبلغ 3000 ليرة (قبل الأزمة)، فيما باتت اليوم تقدّر بـ 10 آلاف ليرة. وتعد هذه الكلفة مقبولة قياسا بمستوى ارتفاع الأسعار بين مطلع عام 2020 وصيف 2021.

وأضاف العاقوري، وهو صاحب متجر للملابس أيضًا، أن “أرخص فستان في السوق يبدأ سعره من 250 ألفًا. لذا تلجأ النساء إلى إصلاح فساتينهن القديمة لديهن بكلفة لا تتعدّى الـ 20 ألف ليرة فقط”.

وعن هذا الموضوع، قال شمص إنّ الناس تفضّل تجديد “ستيل” بنطلون قديم بـ 15 ألفًا، بدل شراء آخر بسعر خيالي.

** سلع بالدولار

شكا الخيّاطان من ارتفاع كلفة المواد الّتي تستعمل في مهنتهما، كالخيطان والسحّابات وغيرها من الأكسسوارات، بسبب فرق سعر صرف الدولار، إذ إن أسعار السلع الّتي يشترونها بالدولار.

وقارن شمص بين سعر علبة الخيطان قبل الأزمة الاقتصادية وبعدها، قائلًا: “كنّا نشتري العلبة بـ 12 دولارا، أي 18 ألف ليرة، أمّا اليوم فبات يُحسب سعرها بحسب السوق الموازية، ويصل إلى 290 ألفًا. وهذا عوضا عن ارتفاع كلفة المولد الكهربائي في المتجر”.

لم تتوقّف معاناة الخيّاطين عند حدّ ارتفاع كلفة البضائع، وإنّما شملت فقدان بعضها من الأسواق.

وعن هذا الموضوع، قال عاقوري إنّ “الأسواق اللبنانيّة باتت تفتقد السحّاب الأصلي الخاصّ بالبناطيل أو الفساتين، فنضطرّ إلى مصارحة الزبائن بالأمر”.

وفي مارس/ آذار 2021، نشر “بنك عودة” (خاص) تقريرًا، كشف فيه أنّ الدخل السنوي للفرد في لبنان انخفض من 7660 دولارًا في عام 2019 (المرتبة 85 في العالم من أصل 192 دولة)، إلى 2745 دولارًا في عام 2020 (المرتبة 135، مع تراجع لبنان 50 مرتبة عالميًّا من حيث الظروف الاجتماعيّة والاقتصاديّة في سنة واحدة).

بناءً على ما تقدّم، يمكن القول إنّ اللبنانيّين ودّعوا حياة الرفاهيّة، واتّجهوا نحو حياة أقل بذخًا تتناسب مع قدرتهم الشرائيّة المتواضعة.

Source: Aa.com.tr/ar
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!