‘);
}

بذل الوُسْع في سبيل الله

منح الله -تعالى- كل إنسانٍ طاقاتٍ ومواهبٍ وقدراتٍ يمضي بها في حياته، وإنّ ما يميّز المسلم الحقّ أنّه لا يكتفي بالعبادات الظاهرة وأداء الفرائض وحسب؛ بل يبحث عن أساليبٍ ووسائل ينصر بها دينه، ويرفعه نحو العلياء يوماً بعد يوم، ولهذا فإنّه ينظر في قدراته وإمكاناته التي منحه إيّاه الله تعالى؛ حتى يُسخّرها في خدمة دينه، ونصرة قرآنه، ومن أوامر الله -تعالى- لعباده إعداد العدّة لملاقاة العدوّ في أي لحظةٍ، حيث قال: (وَأَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِباطِ الخَيلِ تُرهِبونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّـهِ وَعَدُوَّكُم وَآخَرينَ مِن دونِهِم لا تَعلَمونَهُمُ اللَّـهُ يَعلَمُهُم)،[١] ولمّا ذكر الله -تعالى- الاستعداد بالقوة، جعل لفظ القوّة نكرة لتشمل كلّ ما يُمكن إعداده لرفع كلمة أمة الإسلام والمسلمين، ولا يقتصر ذلك على قوة السلاح والمواجهة العسكرية.[٢]

والأنبياء -عليهم السلام- كانوا قدوةً للمسلمين في كيفية استخدام الطاقات والمواهب لخدمة الدين وإعلاء كلمته، فنبي الله داود -عليه السلام- لمّا أعطاه الله القدرة على تليين الحديد التي استعملها في صناعة الأسلحة والدروع، وتصميم الملابس المُعدّة للحروب رغبةً منه في الجهاد في سبيل الله، وأمّا نبي الله سليمان -عليه السلام- فسخّر قدرته بالتحدّث إلى الطيور بإرسال الهدهد إلى الأقوام من حوله يدعوهم إلى التوحيد والإيمان بالله تعالى، ولمّا سُخّرت له العفاريت والجنّ أمرهم أن يصنعوا له صرحاً ممرّداً من قوارير بهرت أعين ملكة الكفر حتى أسلمت مع سليمان لله تعالى، وأمّا ما ذكر الله عن ذي القرنين الرجل الذي سخّر قدراته العظيمة في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، فقد مكّنه الله من التجوال عبر القارات، حتى بلغ مغارب الأرض ومشارقها وهو يدعو الناس إلى الإيمان بالله، قال الله -تعالى- واصفاً دعوته للأمم من حوله: (قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا*وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا)،[٣] وغيرها من الأمثلة الكثيرة من الأنبياء والصالحين ممّن سخروا جهدهم وطاقتهم في سبيل رفع كلمة دينهم ودعوتهم، فاستحقّوا الأجر والفضل من الله سبحانه.[٢]