ناتالي لوازو* – (أحوال تركية) 14/8/2020

تنتمي تركيا إلى حلف الناتو، وهي عضو في مجلس أوروبا وكانت مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة. ونتيجة لهذه العلاقات، تستفيد أنقرة من تمويل كبير من أوروبا، وتتمتع بمزايا الاتحاد الجمركي مع التكتل والشراكات في التعليم والبحث. كما تدعم أوروبا تركيا مالياً لاستقبالها ملايين اللاجئين السوريين على أراضيها.
يبدو كل هذا مثاليا، أليس كذلك؟
لكنه ليس كذلك حقاً. فمنذ أن أصبح رجب طيب أردوغان رئيساً لتركيا في 2014، ومنذ أن واجه انقلاباً فاشلاً في 2016، تدهورت الأوضاع بسرعة، ونحن نشهد الآن فترة مضطربة.
من المحتمل أن يكون ما حدث في حزيران (يونيو) الحادث الأخير الأكثر لفتاً للانتباه، فأثناء المشاركة في عملية “حارس البحر” التدريبية المشتركة للناتو في البحر المتوسط والتحقيق في أمر سفينة تركية يشتبه في انتهاكها لحظر الأسلحة المفروض على ليبيا، واجهت فرقاطة فرنسية سلوكاً عدائياً صارخاً من تركيا.
نادراً ما تحدث مثل هذه الحوادث الخطيرة بين أعضاء التحالف وعادة ما تكون نتيجة لسوء فهم غير مقصود. لكن تركيا لم تعتذر ولا يُعتقد بأنها تنوي احترام حظر الأسلحة المفروض على ليبيا الذي قرره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي يلتزم الناتو بتطبيقه.
على الرغم من أن هذه الحادثة العسكرية تبقى خطيرة وغير مسبوقة، فإنها لا ينبغي أن تكون مفاجئة. حيث تشن تركيا حرباً بالوكالة في ليبيا من خلال إرسال مقاتلين سوريين ينتمي بعضهم إلى جماعات جهادية، وتنتهك حظر الأسلحة والالتزامات التي تعهدت بها في مؤتمر برلين بشأن وقف التدخل في الصراع الليبي.
وتصعّب تصرفات تركيا التسوية السياسية في ليبيا وتفاقم خطر تقسيم البلاد الذي سيخلّف عواقب وخيمة على جيرانها، تونس ومصر ومنطقة الساحل وأوروبا. لكن أنقرة لا تهتم بذلك.
لا يُخفي مبرر الحكومة التركية لدعم الحكومة الليبية في طرابلس تطلعات أنقرة الاقتصادية والاستراتيجية في الصراع، والتي تتعارض مع المصالح الأمنية الأوروبية مباشرة. فقد سارعت لدعم حكومة طرابلس، وردّت طرابلس بمنح تركيا اتفاقية بحرية تتعارض مع حقوق اليونان، وهي عضو آخر في الناتو، وقبرص.
كما شرعت تركيا في التنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية القبرصية بصفة غير قانونية على الرغم من التحذيرات الدولية والعقوبات من الاتحاد الأوروبي.
كانت العلاقة بين تركيا واليونان معقدة منذ فترة طويلة، لكن التوترات تصاعدت مؤخراً. فبالإضافة إلى انتهاك حقوق اليونان وعدم احترام القانون البحري، تواصل أنقرة الضغط على أثينا بمجموعات المهاجرين الذين يحاولون عبور الحدود إلى اليونان بدعم تركي، إذ تستقبل البلاد ملايين اللاجئين ولكنها تستخدمهم كورقة مساومة مع الاتحاد الأوروبي.
وفي مثل هذه التحديات للحدود المتفق عليها دولياً، يتصرف أردوغان كما لو كان ينتقم من الغرب لما جاء في معاهدة لوزان، التي حددت نهاية الإمبراطورية العثمانية في العام 1923.
لكن، أليست تركيا شجاعة في مواجهة نفوذ روسيا في ليبيا، كما تفعل في سورية؟ ألا تخدم مصالح الناتو بذلك؟ ما الذي يحدث في سورية وماذا يمكن أن نتوقع في ليبيا؟
في العام 2019، قررت تركيا التدخل عسكرياً في شمال شرق سورية من دون موافقة الناتو، لكنها طلبت دعم الحلف وتضامنه بعد ذلك، وهو ما لم تحصل عليه. فهل كان الهدف من التدخل كامناً في معارضة روسيا؟ ليس بالضبط، لأن السبب الرئيسي كان مهاجمة الجنود الأكراد السوريين الذين ساعدوا الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في قتالها المشترك ضد “داعش”.
لكي نكون عادلين في تحليلنا، يجب أن نذكر أن تركيا خاطرت بمواجهة روسيا عندما تدخلت في سورية العام الماضي. وباستثناء ذلك، طوّرت أنقرة قناة خاصة مع موسكو وطهران لمناقشة مستقبل سورية من خلال مجموعة أستانا، كما قررت أن تشتري معدات عسكرية من روسيا.
نعم، اشترى أحد أعضاء الناتو منظومة عسكرية روسية. ثم تفاوضت تركيا وروسيا على نفوذ كل منهما في سورية. فعلى الرغم من النزاعات بينهما، لا تبدو الدولتان ضد فكرة قبول وجود بعضهما في البلاد.
وتسبب اتفاق الرجلين القويين، أردوغان وفلاديمير بوتين، في تصعيد القتال ضد الإرهابيين الجهاديين، مما أضرّ بمصالح الغرب الأمنية. ويجدر الذكر بأن التخطيط لهجمات باريس الإرهابية التي شُنّت في العام 2015 كان في المنطقة نفسها السورية التي يتم التنازع عليها الآن. وقبل التدخل التركي في العام 2019، اعتُبر تنظيم “داعش” مهزوماً. لكن الأمر تغيّر الآن.
هل سيتكرر السيناريو نفسه في ليبيا؟ هذا هو ما تخشاه دول الجوار: تقسيم البلد بين منطقة تسيطر عليها روسيا وأخرى تسيطر عليها تركيا، أي بين دولتين غير عربيتين في حرب أهلية في دولة عربية من دون سبب مشروع، أو دعم من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أو جامعة الدول العربية، أو غيرها من الكيانات الدولية. وقد تعني مثل هذه النتيجة أن تركيا، المنتمية إلى الناتو، تتعاون مع روسيا وتتقاسم غنائم بلد آخر ضعيف مزقته الحرب في الجوار الأوروبي.
لا عجب في أن أوروبا بدأت تفقد صبرها. ويمكنك أن تضيف طبيعة النظام التركي الاستبدادية وأجندته الإسلامية إلى قائمة المخاوف، لكنها تتعارض مع طموح أنقرة في أن تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي. إذ لن يتحقق هذا في المستقبل القريب.
ومع ذلك، يشعر الأوروبيون بدهشة من صمت واشنطن المستمر بشأن تركيا. حيث تمرّ انتهاكات أنقرة لحقوق أعضاء آخرين في الناتو مثل اليونان وفرنسا من دون أن يلاحظها أحد، وكذلك انتهاكاتها لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة والعقبات التي وضعتها في الحرب ضد الإرهاب. كما لم يتجاوز شراء تركيا لنظام دفاع صاروخي روسي الخط الأحمر بالنسبة لإدارة ترامب، وأعلن البنتاغون أنه سيواصل شراء أجزاء تركية الصنع لبناء الطائرات الحربية من طراز “إف-35” إلى العام 2022.
لا خطوط حمراء، فقط أضواء خضراء: هذه هي الطريقة التي تعاملت بها إدارة ترامب مع علاقتها مع أردوغان حتى الآن. ولم يؤد هذا النهج إلا إلى زيادة جرأة نظامه غير الليبرالي وزيادة المخاطر على الشرق الأوسط والبحر المتوسط وحلف الأطلسي. ومع أطراف كتركيا في النزاع، لا يجب تجاهل أي انتهاك.

*تُرجم هذا المقال إلى العربية بإذن من صحيفة “كاثيميريني” اليونانية.
*عضو في البرلمان الأوروبي.