عزيزة علي

عمان- بدعم من وزارة الثقافة، صدر عن دار هبة ناشرون وموزعون، مجموعة قصصية بعنوان “جدرانك قدري”، للقاصة الأردنية خلود المومني، وهي المجموعة القصصية الثانية لها، بعد “همس القوارير”.
تضم المجموعة، زهاء خمسة وخمسين نصا بين طويل وومضة قصيرة جدا، وزعتها المومني في مجموعتها بعناوين فرعية، مثل: “حكايات العائلة، وهمس القوارير، وحكايا السيدة (س)، ومن قصص كلِّ النساء، وقصص الرجال، وحدث ذات مرَّة”.
تتناول المجموعة البنية الاجتماعية للأسرة العربية، وخصوصا صورة المرأة في المجتمع العربية؛ حيث تقوم أغلب القصص على ثنائية المرأة والرجل، والأعباء التي تقع على كاهلها من مسؤولية تجاه أسرتها. ونظرة المجتمع للمرأة التي تتجاهلها أو تستخف بقدراتها وإهمال أنوثتها من أقرب الناس لها.
كتب مقدمة للمجموعة الناقد وأمين سر رابطة الكتاب الأردنيين سابق محمد المشايخ، الذي يرى أن المجموعة هي دعوة الى عودة الأسرة العربية بكل ما فيها من حميمية والتئام شمل وتقارب وتواد وتعاطف، بعد أن مرت هذه الأسر بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية، غيرت الكثير من المفاهيم، وأحدثت انقلابا في العلاقات حتى غدت في معظم الأحيان مفككة.
تلج المومني كما يعتقد المشايخ الى البيوت، وتقوم بفتحها وتسليط الضوء على أسرارها، لاطلاع قرائها على ما يجري فيها، وتقدم خلاصة تجاربها، وما وصلت إليه من خبرة ومعرفة تجعل من تلك البيوت المشتعلة بالفرقة والحقد والكراهية، جزاء من مدينتها الفاضلة التي تنعم بالأمن والسلام والاستقرار.
تجاوزت القاصة في هذه المجموعة، بحسب المشايخ، الهم الخاص الى العام، من خلال تقديم وتأخير في الأسس التقليدية لفن القصة، مثلا إدراجها مقدمة القصة في نهايتها “كما في قصتها رأس”؛ حيث تفكك القصة إلى فصول ولوحات تعكس وجهات نظر الشخصيات “كما في قصتها أنا وعبير”، التي اتكأت فيها المومني على بعض الحيوانات، لتكون جزءا من شخصيات بعض قصصها.
ويشير المشايخ الى أن القاصة تحكمت في طول القصة وقصرها، فهي تحدد متى تكون قصيرة ومتى تكون قصيرة جدا، لذا لم يكن التكثيف غايتها، ولم يكن همها أن تكون قصتها من كلمة أو سطر أو عدة أسطر، بقدر ما كان يهمها أن تنجح في إيصال رسالتها لقرائها.
ويلفت المشايخ الى مفارقة يرى أنها تعد من أهم عناصر قصص المومني، وهي اتكاؤها على فعلية الجملية، ولكنها قد تتجاوزها الى الجمل الاسمية، لأنها هي التي تتحكم بالسرد، صعودا وهبوطا، سرعة وتوقفا، كما امتازت قصصها بالعديد من التقنيات: كالسخرية، والتشويق، والإدهاش، وابتعدت عن التسجيلية والمباشرة والتجريب، ولم تلجأ إلى الفنتازيا.
ويوضح المشايخ أن القاصة لجأت في مجموعتها إلى الـ”ميتاقص”، وهو القص الذي يجعل من نفسه موضوع حكاية؛ إذ يختار القاص شخصيات قصته وظيفة أخرى مضافة لوظيفتهم الأصلية، فهم ساردون ضمنيون، مثلما هم أبطال ضمنيون داخل اللعبة السردية وخارجها، فتترك القصة تفكر في ذاتها بعدما وضعت مخططا افتراضيا لكتابتها، مثلا كما جاء في قصة “رد”: تقول المؤلفة “سأكتب عنه في روايتي المقبلة، سأكشف كذبه، ضعفه، مضايقات أمه، عجزه عن حمايتي من أسرته، بخله، لسانه، السليط كلها ستكون في روايتي”.
تبرز قصص المومني تقنيات على غرار التشخيص والتجسيد الذي لا يحجب الهدف الإنساني السامي الذي تتضمنه كل قصصها، وقد جاء في قصتها القصيرة جدا “الجريدة”، كما تقول “لملمت الجريدة صفحاتها، نزفت حروفها، تمنت لو امتلكت القدرة على قذف نفسها في المدفأة”.
كما طغى على قصصها الأسلوب السهل الممتنع: التلوين الأسلوبي، وبرز فيها الطابع الحكائي، واتضحت فيها الوحدة العضوية، وظهر السرد فيها قوي البنية، ممتلئا بالصور المتحركة، مسكونا بالحيوية، والطاقة التعبيرية، وفي كل قصصها الطويلة والقصيرة، برزت الشخصيات السلبية التي لم تكن تتمسك بحالتها، بل سرعان ما كانت تنمو وتتطور وتتغير للأفضل.
وكان فضاء الزمان والمكان في هذه المجموعة القصصية ساطعا دالا ومعبرا، مرتبطا بالبيئة المحلية، وبالموروث المادي وغير المادي، كما تداخل فيها السرد والحوار والوصف، الى جانب المونولوجات الداخلية والتداعيات.