وتريد الحكومة الجزائرية “بعث” الحركية الاقتصادية بعد عام من الركود، خاصة مع التحسن الملحوظ للوضع الصحي في البلاد، وهذا من خلال زيادة الإنتاج والحفاظ على الوظائف، مما يترتب عليه من محافظة على القدرة الشرائية للمواطن.

ومع بداية 2021، خص الرئيس عبد المجيد تبون ممثلين عن كونفدراليات أرباب العمل، بأول لقاء لبحث القضايا المتعلقة بإنعاش الاقتصاد الوطني، حسب ما أفاد به بيان لرئاسة الجمهورية.

تحديات الاقتصاد الجزائري

وبالنسبة للجزائر، فإن الخروج من اقتصاد المحروقات أصبح ضرورة ملحة، إذ أن مستقبل اقتصادها الوطني يكمن في بناء صناعة تنافسية، وفلاحة متنوعة، وقطاع خدماتي متطور، يكون بديلا حقيقيا للنفط.

وحسب الخبير الاقتصادي هارون عمر، فإنه كانت لجائحة كورنا “آثار مدمرة على الاقتصاد الجزائري، خاصة بعد تراجع أسعار المحروقات وضعف الطلب عليها”.

ويرى عمر في تصريح لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن أهم تحدي خلال المرحلة المقبلة هو “البحث عن موارد جديدة للاقتصاد الجزائري، غير الموارد الريعية التي تراجعت إلى حدود 18 مليار دولار، بعد أن كانت تراوح 30 مليار دولار، من خلال سياسة مالية مبتكرة”.

كما دعا إلى “مراجعة سياسة الدعم الاجتماعي المنتهجة، دون إغفال ضرورة المسارعة في تحسين مناخ الأعمال، الذي تحتل فيه الجزائر المرتبة 157 وفق تقرير (دويينغ بيزنس)، مع مراجعة جذرية للمنظومة البنكية والضريبية والجمركية، ليبقى التحدي الأكبر هو رقمنة الاقتصاد الجزائري”.

كورونا.. النفط والدينار

شكل تذبذب أسعار النفط في الأسواق العالمية خلال السنة الماضية، تحديا آخر للجزائر التي تنشط داخل منظمة “أوبك”، خاصة أن التراجع جاء بسبب فيروس كورونا الذي عمق الأزمة، التي أدت إلى هبوط مستمر لقيمة الدينار الجزائري أمام العملات الصعبة.

وبهذا الشأن، يرى هارون أن هناك “مساع حثيثة من قبل الجزائر لتنويع مداخيلها، خاصة تلك التي تأتي من تطوير الصناعة المنجمية مع محاولة تطوير عمليات تكرير النفط، لتقليص فاتورة الواردات التي تراجعت 8 مليارات دولار هذه السنة”.

وأضاف: “مع محاولة العمل على ترقية الصناعات المحلية لإحلالها محل المنتجات المستوردة، والمراهنة في المرحلة المقبلة على عوائد تحول الجزائر إلى بوابة لإفريقيا من خلال ميناء الحمدانية، الذي يعتبر الأكبر في شمال إفريقيا والطريق السيار شمال جنوب الذي يصل إلى قلب إفريقيا”.

وبخصوص واقع الدينار الجزائري الذي يعرف تراجعا لقيمته في الآونة الأخيرة، يرى الخبير الاقتصادي أن ارتفاع سعر الصرف سيكون “أمرا تلقائيا” في حالة تعافي الاقتصاد الوطني.

وأكد أن الجزائر تعول على “تعافي أسواق النفط في السنة الجديدة بعد توفر لقاح كورونا، مما سيوفر احتياطي صرف يدعم مكانة الدينار الجزائري محليا ودوليا”.

وللإشارة، فإن مداخيل الجزائر من تصدير المحروقات تراجعت نهاية السنة المنقضية بـ8 بالمائة، حيث أنه في عام 2020 بلغت صادرات المحروقات 22 مليار دولار، في حين بلغت خلال سنة 2019، 33 مليار دولار.

دور الشركاء الاقتصاديين

وتريد الجزائر خلال الفترة المقبلة الانطلاق في تصدير المواد المصنعة محليا، لبلوغ الهدف المسطر لـ2021، وتحقيق زيادة تتراوح ما بين 2 و3 مليار دولار، وبلوغ 4 مليار دولار صادرات خارج المحروقات، مع ضرورة إعطاء أهمية خاصة للتصدير نحو الدول الإفريقية، واستحداث ممثليات عن البنوك والمصارف الجزائرية.

ووفق المستشار المدرب في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات الناشئة، عز الدين شيباني، فإن خطة الإنعاش الاقتصادي 2020-2024 اتسمت السنة الأولى منها بـ”وضع القواعد الأساسية لبناء المقاربة الجديدة للرئيس تبون من رقمنة القطاعات العمومية وتحسين مناخ الاستثمار، ووضع تسهيلات الاستثمارات الأجنبية المباشرة من إلغاء قاعدة 51/49 خارج المحروقات”.

وأضاف شيباني لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن الخطة تميزت كذلك بـ”إنشاء مناطق التبادل الحر في جنوب الجزائر، لتسهيل التبادل نحو إفريقيا وإعطاء الدفع لإنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة، واستحداث هيئات جديدة تتكفل بتمويلها من خلال صناديق مساهمة”.

وكانت 2020 سنة إصدار القوانين المنظمة للنشاط الاقتصادي، في حين تعتبر السنة الجديدة، سنة التطبيق، بحسب شيباني الذي أكد أن “2021 ستكون سنة انطلاق تجسيد المشاريع”.

فيما يرى هارون أن العامل الأساسي الذي يجب أن يكون خلال هذه المرحلة هو “زرع المزيد من الثقة في الاقتصاد الوطني، وطمأنة المستثمرين المحليين والأجانب على وجود استقرار سياسي وضمانات من أعلى المستويات ومحاربة البيروقراطية، ومراجعة ميكانيزمات الحصول على العقار الصناعي لتوطين الصناعات محليا، للرفع من صادرات الجزائر خارج المحروقات بـ 235 بالمئة مقارنة بما هي عليه الآن”.