وكان الملتقى السياسي الليبي قد انطلق قبل يومين في منتجع “قمرت” قرب العاصمة التونسية، برعاية الأمم المتحدة بهدف إنهاء ما يقرب من عقد من الفوضى وإراقة الدماء عبر الترتيب لإجراء انتخابات.

أو بكلمات أخرى، الخروج باتفاقية بديلة عن تلك التي أبرمت في الصخيرات بالمغرب عام 2015، التي لم تعد صالحة بعدما اعتبرها قائد الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، لاغية وباطلة عام 2017.

وجاء الملتقى بعد الإعلان أواخر الشهر الماضي عن وقف إطلاق شامل للنار في ليبيا بين الجيش الوطني وميليشيات حكومة فايز السراج، لكن ثمة توجس من محاولة تخريب من جانب أنقرة، خاصة بعد تشكيك الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالاتفاق، ما فُسر على نيته التشويش على الاتفاق.

تدخلات غير مقبولة

ويشارك في الملتقى السياسي الحالي 75 شخصية ليبية اختارتها الأمم المتحدة، لتمثيل وجهات النظر السياسية والمصالح الإقليمية والفئات الاجتماعية، لكن هذه الاختيارات قوبلت بانتقادات، خاصة لجهة طغيان عناصر تنظيم الإخوان بين المشاركين، رغم ما اقترفوه بحق ليبيا في الفترة الماضية.

وسبق عقد الملتقى موجة من الغضب والرفض لدى المكونات الليبية بسبب فرض البعثة الدولية على المشاركين في الحوار التوقيع على تعهد بعدم تولي أية مناصب قيادية في المرحلة الجديدة.

ويقول هؤلاء إن هذه سابقة لم تفعلها أي بعثة دولية بالعالم، واستندت البعثة في التعهد إلى أن ذلك يأتي وفقا لما وصفته بـ “رغبة الليبيين”، علما بأن رغبة الليبيين هي عدم تولي أي مسؤول سابق في عهد معمر القذافي أية مناصب جديدة.

وقررت البعثة الدولية لدى ليبيا بصورة منفردة مشاركة 13 من أعضاء البرلمان، و13 من مجلس الدولة الاستشاري، بالإضافة إلى 13 سيدة ليبية، و36 شخصاً مما أطلق عليهم المستقلين.

وقالت ممثلة الأمم المتحدة بالإنابة في افتتاح الملتقى، ستيفاني وليامز، بأنه تم اختيار المشاركين من مختلف المكونات الرئيسية للشعب، بشرط عدم توليهم أية مناصب تنفيذية لاحقاً.

انحياز للإخوان

وأثارت هذه التصرفات الدولية المنفردة حفيظة ومعارضة كثيرين من المكونات الليبية التي قررت الانسحاب وعدم المشاركة في “قمرت”.

وقال هؤلاء إن غالبية المشاركين في الملتقى من أعضاء تنظيم الإخوان الإرهابي أو تنظيمات تابعة لتيارات إرهابية وآخرين داعمين للميليشيات المسلحة.

وانسحب رئيس لجنة المصالحة بالمجلس الأعلى لقبائل ليبيا، زيدان معتوق الزادمة، معترضاً على ما وصفه بوجود شخصيات جدلية، وأخرى إخوانية داعمة للإرهاب، وغيرها ممّن كانت السبب في معاناة الليبيين طيلة الأعوام العشرة الماضية.

وكتب الكاتب والشاعر والناشط السياسي الليبي، عمر التكبالي، على صفحته بموقع “فيسبوك”: “المشاركون في حوار تونس مجموعة من الإخوان والإرهابيين والباقي كومبارس ومصيره الفشل كالصخيرات”.

ورأت الحركة الوطنية الشعبية الليبية على الحوار في بيانها الثلاثاء: “بأن الملتقى ينبئ باستمرار الأزمة، وربما تعقيدها في الفترة القادمة، ولن تكون بأحسن حال مما جلبه حوار الصخيرات من تهميش وخراب وتدمير للبلاد وتهجير وإفقار للشعب”.

الإقصاء والتهميش

وفي السياق ذاته، انتقد المجلس الأعلى لقبائل الطوارق ومجلس حكماء وأعيان الجفرة عدم وجود ممثلين لهم بالملتقى، معتبرين ما حدث إقصاءً وتهميشا لهم، ويتناقض مع تصريحات المبعوثة الدولية بأن الاختيارات ستشمل كل المكونات والمناطق الليبية.

من جانبها، قالت الناشطة الحقوقية والمحامية الليبية، نيفين الباح، لـ”سكاي نيوز عربية”: “بالنسبة للتمثيل بالملتقى فهو تمثيل غير عادل، وهناك حالة من عدم الرضا عن أداء البعثة الدولية، التي اختارت مجموعة من المنتمين لجماعة الإخوان ومدينة مصراتة ومجموعة من المتعاملين معها وهؤلاء يطلق عليهم مستقلين”.

واعتبرت الباح أن هناك عدم حالة في اختيار المشاركين في الملتقى، فإلى جانب غياب بعض المكونات والمناطق، وأيضا لا توجد كوتة للمرأة والشباب والمهجرين، موضحة أن الشباب المشارك بالملتقى هم مجموعة من التابعين للإخوان.

أما المرأة فهناك 5 أو 6 نساء مرتبطات بالبعثة والإخوان، ولا يوجد مستقلون.

وفي نهاية المطاف، والحديث للباح، هناك غياب للاستقلالية الليبية في التمثيل، فالبعثة الدولية هي من اختارت وعلى الليبيين أن يمتثلوا وفقا لمقاييس البعثة.

“الكومبارس”

ويقلل الكاتب والناشط السياسي الليبي، عبد الهادي شماطة، من أهمية المشاركين ودورهم، واصفاً أغلبهم بـ”الكومبارس”.

وقال في حديث إلى “سكاي نيوز عربية”: “إن القضية الليبية باتت قضية دولية وكل دولة ترعى مصالحها، والأمم المتحدة لديها حل وتريد إيجاد صيغة ليبية لإقراره، لذلك هي من اختارت المشاركين في الحوار، وحددت البرنامج مسبقاً”.

وتابع: “بالتالي سيقتصر دور الليبيين على المناورة في التصويت على البرنامج الذي حددته البعثة الدولية وفقا للهامش المسموح لهم”.

ويضيف الباحث السياسي، محمد الأسمر، خطراً أخر في الملتقى، ويكمن في تنظيم الإخوان، الذي منحته البعثة الدولية حجماً أكبر من حجمه الحقيقي في ليبيا.

ويوضح الأسمر لـ”سكاي نيوز عربية” الخطر الإخواني على الملتقى، إذ سيتمكن التنظيم من التأثير على مخرجات الملتقى، خاصة أن المناط به التصويت على الحكومة الجديدة، وتداول الشأن القانوني والدستوري إذا لم يتم التوافق عليه خلال 7 أشهر كما نصت عليه المسودة التي أعلنت في أول أيام الملتقى.

ويشير الباحث السياسي، المستشار رمزي الرميح، إلى خطورة أدوار قطر وتركيا، اللتين تحاولان تعطيل الحل السياسي بإرسال، من وصفهم بـ”الخونة” لحضور الحوار.

لكن الأمر أصبح مكشوفا، وهو ما أطلق عليه الشعب الليبي “حزب الأمر الواقع” وهم عملاء الدوحة وأنقرة الذين يرغبون في استمرار الأوضاع على ماهي عليه، لكن الليبيين، بحسب الرميح، لن يسمحوا للجماعات والميليشيات الإرهابية أن تلعب بمصير ليبيا.

هل سينجح المؤتمر؟

كثير من الليبيين غير متفائلين بملتقى الحوار السياسي في تونس، بسبب آلية اختيار المرشحين ووضع مسودة مسبقة للحوار من جانب البعثة الدولية دون مشاركة الليبيين.

ويتوقعون أنه لن يفضي إلى شيء سوى أن البعثة زادت من تمكين جماعة الإخوان الإرهابية، وفي المقابل دخول البلاد في مرحلة جديدة من التشتت.

فمن جانبه، رفض عبد الهادي شماطة فكرة تشكيل مجلس رئاسي جديد وحكومة جديدة وفترة انتقالية أخرى لمدة 18 شهراً، معتبرا أن الحل هو الاتفاق على إجراء استفتاء على الدستور ثم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لأن الدخول في مرحلة انتقالية سيأخذنا لمرحلة لا تنتهي من الانتقالية.

ومن جانبها، ترى المحامية نيفين الباح أن تغيير الوضع الليبي مرهون بالتغيير من الداخل، وأن مصلحة ليبيا وأمنها واستقرارها لن يتحقق إلا بمساعدة دول الجوار.

وتأخذ مثالا على ذلك الدور المصري في الاتفاق العسكري، والذي نتج عنه اجتماعات غدامس وسرت، وكذلك في الجانب الاقتصادي والذي أفضى لإعادة إنتاج النفط.

أما الحوار السياسي، والحديث للباح، فإن ملتقى حوار تونس سيكون مصيره مثل الصخيرات واجتماع بوزنيقة، الذي وصفته بالاجتماع السري لأن لا أحدا يعلم عنه شيئاً.

مخاوف مقابل التفاؤل

ويعرب المحلل السياسي محمد الأسمر عن مخاوفه من حوار تونس قائلا ” هناك العديد من الاتفاقيات المبرمة بشأن ليبيا ومنها اتفاق الصخيرات بالمغرب والذي وقع في ديسمبر من العام 2015، لكنه لم ينجح لعدم قيام المجتمع الدولي متمثلا في الأمم المتحدة في متابعة تنفيذ الاتفاق.

ورغم المخاوف، إلا أن الأسمر يرى أنه مؤتمر مختلف عن غيره، فقد تم التهيئة له من خلال العديد من الحوارات، ويرتكز الحوار الحالي على 3 محاور وهي: إنتاج حكومة تنفيذية مؤقتة وتوافقية، وكذلك وضع المعايير لاختيار ذوي المناصب العليا، والتفاهم بشأن القواعد القانونية والدستورية لإجراء العملية الانتخابية.

أما المستشار الرميح فيعبر عن نظرة متفائلة إزاء الملتقى، خاصة بعد دخول مصر بكل ثقلها، عندما وضعت خطاً أحمر بالنسبة للناحية العسكرية، وعلى المستوى السياسي تبنيها لمبادرة رئيس مجلس النواب الليبي، وكذلك الاجتماعات الأمنية والعسكرية المعروفة باسم ( 5 + 5 ).

وتعزز ذلك مع إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي في سابقة دولية لم تحدث من قبل بأن الأمن القومي المصري يمتد إلى دولة ليبيا، وكذلك تنبيه العالم إلى أن سقوط ليبيا في يد الإرهاب تمثل خطراً على أوروبا.