ويشكل المغرب بمعابره الشمالية على البحر المتوسط والغربية على الواجهة الأطلسية، محطة عبور مثالية للمهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء نحو القارة العجوز، لكنه سرعان ما يتحول إلى سد منيع يقف بينهم وبين حلمهم بالفردوس الأوروبي، حسبما يعتقدون.

وأمام صعوبة اختراقهم للسد، قرر عدد من المهاجرين الأفارقة الاستقرار في المغرب، ومحاولة الاندماج في المجتمع المحلي. في المقابل لازال آخرون ينتظرون فرصتهم لسلك الطريق نحو أوروبا، فيما فقد كثيرون حياتهم غرقا وهم يحاولون الوصول إلى الضفة الأخرى للمتوسط على متن قوارب للموت.

وأعد المغرب مع تزايد أعداد المهاجرين فوق ترابه، استراتجية وطنية للهجرة واللجوء، ركزت في المرحلة الأولى سنة 2014 ومرحلة ثانية عام 2016 على تسوية وضعيتهم غير النظامية وخولت لهم الحصول على بطائق للإقامة مكنتهم من العيش والعمل في المملكة بشكل قانوني.

آلاف الكيلومترات نحو نهاية مجهولة

ففي رحلته المحفوفة بالمخاطر إلى أوروبا، انطلق ادريس كيمانكة قبل عام مضى من بلده بوركينا فاسو، مشيا على الأقدام نحو شمال القارة الأفريقية، عبر مالي ثم موريتانيا وصولا إلى المغرب.

“الوصول إلى المغرب لم يكن سهلا، استغرق شهرين كاملين، تعرضت خلالهما مع رفقاء آخرين من بلدي، وواجهت مصاعب عدة. إلى جانب المجهود البدني كان الشعور بالأمان غائبا طوال الرحلة الشاقة التي خضناها في سبيل الوصول إلى وجهة غامضة”، يحكي إدريس لـ”سكاي نيوز عربية” عن معانته في الطريق نحو المغرب.

يضيف إدريس ذو الـ 17 ربيعا، الذي يعرض سلعا بسيطة للبيع على الأرض، وسط مركز مدينة الدار البيضاء: “كنت أعتقد أنه بمجرد وصولي إلى المغرب، ستكون الطريق نحو أوروبا معبدة، غير أن ما حصل كان عكس ذلك”.

وتابع: “كل ما أجنيه يوميا من دريهمات من عملي، يكفيني فقط للعيش وتسديد مصاريف الغرفة التي أستأجرها رفقة 4 أشخاص آخرين، فيما يتطلب الوصول إلى أوروبا ادخار مال إضافي من أجل دفعه لوسطاء الهجرة، ومع ذلك يظل حلمي الكبير هو أن تطأ قدمي أرض أوروبا”.

وإدريس نموذج لعدد كبير من الهاجرين، الذي يجولون شوارع المدن الكبرى بالمغرب، ويسعون وراء قوت يومهم بطرق مختلفة، أغلبهم شباب وأعدادهم تتزايد يوما بعد يوم.

ويجوب ممادو حي “درب السلطان” بالدار البيضاء، حاملا في يده مكنسة تساعده في عملية تنظيف الطريق، وفور انتهائه يقدم له السكان الذين اعتادوا وجوده في حيهم الشعبي، مساعدات رمزية قد تكون مادية أو عينية.

ولا تختلف قصة وصول ممادو القادم من مالي عن قصة ادريس كثيرا، حيث يقول لـ”سكاي نيوز عربية”: ” قبل وصولي إلى المغرب مررت بمالي والجزائر مشيا على الأقدام في رحلة دامت شهرا، وعند بلوغي المغرب، اتجهت شمالا نحو طنجة بحثا عن فرصة للهجرة”.

“قبل الانتقال إلى الدار البيضاء قصدت مدينة طنجة، وكنت هناك أقرب إلى الحلم ولا تفصلني عن إسبانيا سوى كيلومترات قليلة، وبعد ثلاث محاولات هجرة فاشلة لم أفلح في بلوغ الضفة الأخرى”.

ويستطرد ممادو: “اليوم في الدار البيضاء، أبحث عن عمل مستقر يمكنني من العيش هنا بطريقة أفضل ومن توفير مال أستطيع من خلاله مساعدة عائلتي التي تعاني الفقر في بلدي”.

أفريقيا مصغرة في المغرب

روائح الأكل و التوابل السنغالية تفوح في المكان، لا تسمع إلا موسيقى من غينيا أو مالي، ولا تباع داخله سوى المنتجات الغذائية والتجميلة المستوردة من بوركينا فاسو أو ساحل العاج. فهنا السوق الأفريقي وسط الدار البيضاء، أو أفريقيا المصغرة. حيث لا مؤشر يوحي بأنك في المغرب.

وداخل هذا السوق تتراص عشرات المحلات التجارية الصغيرة، استأجرها مهاجرون أفارقة اختاروا الاستقرار في المغرب.

ويقول موسى أبيدي (34 عاما)  “وصلت المغرب قادما من السينغال قبل 7 سنوات، على أمل الالتحاق بأوروبا، حلم  لم يتحقق إلى حدود اليوم. في الدارالبيضاء زاولت مهنا مختلفة إلى أن انتهى بي المطاف بائعا للحقائب والأحذية النسائية داخل السوق الأفريقي. أعمل هنا لأعيش فقط”.

ويضيف موسى:”أنا مرتاح نسبيا في المغرب، واندمجت تدريجيا مع الحياة هنا، هدفي اليوم هو تطوير عملي، وليس لي طموح آخر سوى جمع المال لأوفر حياة أفضل لي ولعائلتي في السنغال”.

المحلات التجارية داخل هذا السوق شاهدة على قصص إنسانية كثيرة، لشباب هربوا من صعوبة الحياة والعيش في بلدانهم الأصلية، باحثين عن حياة أفضل.

طبق ديغين

بجاور موسى تستأجر ديغين فاي السنغالية، محلا لا يتجاوز المترين حولته إلى مطعم صغير تقدم فيه أطباقا سنغالية تقليدية لمن اشتد بهم الحنين إلى بلدهم وتخفف عنهم وطأة الغربة.

حلت ديغين (40 عاما) قبل 8 سنوات بالدارالبيضاء، عبر الحدود البرية للمغرب مع موريتانيا. تقول لـ”سكاي نيوز عربية” وهي منهمكة في تحضير أطباقها السينغالية: “أشتغل كل أيام الأسبوع دون توقف، على أمل أن أحسن مستوى معيشتي وأدخر مالا يمكنني من العودة إلى بلدي”.

تقول ديغين وهي الأم لثلاث أطفال أصغرهم يبلغ 11 عاما: “أعيش في وضعية قانونية في المغرب ولا أجد صعوبات كبيرة في الاندماج وسط المغاربة، مشاكلي الوحيدة مرتبطة بالجانب المادي، لأن كل ما أجنية أرسله لأطفالي في السنغال، وكل أمنيتي هي الالتحاق بهم والاستقرار بجانبهم وفتح مطعم هناك”.

استراتجية مغربية للهجرة واللجوء

وأمام تدفق وتزايد أعداد المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء في المغرب وتشديد المراقبة على حدود دول شينغن، اعتمد المغرب استراتجية خاصة بالهجرة واللجوء، كان الهدف منها إدماج المهاجرين في المغرب عبر مراحل عن طريق تسوية وضعيتهم القانونية ومساعدة الراغبين منهم في العودة إلى بلدانهم.

وقد تمكن المغرب في المرحلة الأولى سنة 2014 من تطبيق هذه الاستراتجية و تسوية وضعية ما يقارب 23 ألف مهاجر أفريقي في وضعية غير شرعية، واستفادوا من من برامج في التعليم والصحة و الشغل.

وفي سنة 2016، أطلقت المرحلة الثانية من العملية، وهي استكمال للسياسة التي يعتمدها المغرب في هذا المجال، حيث تمت تسوية وضعية 50 ألف مهاجر في المرحلتين. كما تمكن ثلاثة آلاف شخص من الرجوع إلى بلدانهم الأصلية في إطار العودة الطوعية، حسب تقرير صادر عن وزارة الخارجية المغربية سنة 2018

وبالرغم من الجهود التي يبدلها المغرب من أجل إدماج المهاجرين الأفارقة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المغرب، إلا أن العديد منهم لم يتمكنوات من الاندماج بالشكل الصحيح.

وقال علي الشعباني الأستاذ الباحث في علم الاجتماع لـ “سكاي نيوز عربية”: “هناك بعض المهاجرين اللذين استعصى عليهم الاندماج بالطريقة المطلوبة، خاصة المنحدرين من بلدان ناطقة بالإنجليزية كما أن هناك فئة عريضة من النساء خاصة اللواتي يتواجدن في المغرب رفقة أطفال صغار، غالبا ما يلجأن إلى التسول لضمان قوتهن اليومي”.

ويعتبر الشعباني أن “المهاجرين المنحدرين من دول ناطقة باللغة الفرنسية، وكذلك من يتقن الحرف اليدوية ومن لا يشكل العبور نحو أوروبا هاجسا لديه، هو أكثر قدرة على الاندماج بشكل أسرع وبصورة أفضل وسط المجتمع المغربي”.