وفي أعقاب خروج القوات الفرنسية ووقف التدريبات الأوروبية في نهاية 2022؛ وتلميح الأمم المتحدة بسحب القوات الدولية البالغ قوامها نحو 12 ألفا؛ وتعثر تنفيذ اتفاقية السلام الموقعة في 2015؛ حذر مراقبون من “فراغ أمني قد يؤدي إلى توسيع المأساة الإنسانية التي تعيشها البلاد”.

 وبالتزامن مع تصاعد الهجمات الإرهابية في مالي خلال الأسابيع الأخيرة؛ ألمحت الأمم المتحدة إلى احتمالية خروج قوات حفظ السلام “مينوسما” التابعة لها، وفقا لما تضمنه تقرير موجه لمجلس الأمن الدولي.

وأشار التقرير إلى أن تلك القوات “غير قابلة للاستمرار” من دون زيادة التعداد الحالي، بمقدار 3 آلاف فرد.

أوضاع مأساوية

شهدت الأشهر الثلاثة الماضية تزايدا كبيرا في وتيرة الهجمات الإرهابية خصوصا في شمال البلاد؛ مما أدى إلى مقتل أكثر من 40 شخصا ونزوح نحو 45 ألفا، وإغلاق المزيد من المدارس.

وبحسب تصريحات للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، فإن عدد النازحين بلغ خلال السنوات الماضية أكثر من 442 ألفا، فيما أغلقت أكثر من 1950 مدرسة، مما أدى إلى انقطاع نحو 587 ألف طفل عن الدراسة.

وبعد هدوء استمر بضعة أشهر، كثف تنظيما القاعدة وداعش من هجماتهما في وسط مالي، وبالقرب من المناطق المأهولة بالسكان في منطقتي غاو وميناكا شمالي البلاد.

ووفقا لمراقبين دوليين، فقد تسببت الهجمات وحوادث العنف المتواصلة خلال الأسابيع الماضية في زعزعة الأمن، وسط انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.

ويعاني المدنيون في العديد من مناطق مالي، من أوضاع أمنية خطيرة، بسبب الهجمات المستمرة التي تشنها ميليشيات محلية، إضافة إلى المعارك المحتدمة بين الجماعات المتشددة في وسط وشمال البلاد، والتي تهدف إلى كسب المزيد من النفوذ.

ويواصل مسلحو جماعة “نصرة الإسلام” والمجموعات الموالية لتنظيمي القاعدة وداعش في الصحراء الكبرى، شن هجمات تسببت في سقوط عشرات الضحايا المدنيين.

شكوك حول الوجود الدولي

في حين انسحبت القوات الفرنسية في نهاية 2022 من مالي؛ رسمت الأمم المتحدة شكوكا حول أمكانية استمرار قوات حفظ السلام الدولية، التي ظلت تعمل هناك منذ العام 2013.

وعملت قوة “مينوسما” للمساعدة على فرض الاستقرار في بلد يعاني من انتشار الحركات المتشددة، وحماية المدنيين، والمساهمة في جهود السلام والدفاع عن حقوق الإنسان؛ إلا أن الوضع الأمني استمر بالتدهور رغم وجود تلك القوات.

وفي إشارة للصعوبات اللوجستية والعملياتية التي تواجهها القوات الدولية؛ قال غوتيريش في وثيقة رُفعت إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي، إن قوة “مينوسما هي عملية حفظ سلام حيث لا سلام لحفظه”.

ومع تمديد تفويضها في 2019 في وسط البلاد الذي يشهد أعمال عنف، قال غوتيريتش إن البعثة التي باتت محرومة من دعم عمليات أطراف دولية خصوصا بعد انسحاب القوات الفرنسية في 2022؛ “قامت بما في وسعها القيام به؛ لكنها بلغت حدود قدراتها”.

كما رأى أن “مينوسما” في “وضع حرج أصبحت فيه عاجزة عن تلبية توقعات الماليين وبعض الأطراف الإقليمية، وعرضة لانتقادات متواصلة”.

وترى الأمم المتحدة أن الوضع الحالي في مالي “لا يساعد على استمرار البعثة”؛ واقترحت 3 خيارات؛ تقوم على:

دعم القوة الحالية وتزويدها بالوسائل التي تجعلها قادرة على تنفيذ مهمتها، مع رفع عددها

  • سحب الوحدات العسكرية وتحويل مهمة البعثة إلى مهمة سياسية فقط
  • المحافظة على الاكتفاء بالعدد الحالي، مع تغيير التفويض من خلال إغلاق بعض المعسكرات أو خفض الانتشار في وسط مالي.

ويفسر الخبير المتخصص في قضايا الإرهاب والأمن في غرب إفريقيا، باباحمد ماء العينين، المخاوف الدولية؛ بالقول إن “طبيعة الهجمات الإرهابية في المنطقة تشكل تحديا كبيرا لأي قوات دولية أو إقليمية”.

وأوضح لموقع “سكاي نيوز عربية”: “بعد تدخل القوات المشتركة التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والأمني بين دول غرب إفريقيا (إكواس) في مالي، شنت الجماعات المسلحة العديد من العمليات الانتحارية ضدها في كل من كيدال و غاوا و تنبكتو؛ وهو نفس المصير الذي واجهته القوات الفرنسية؛ مما أدى إلى وقوع خسائر كبيرة في أوساط تلك القوات”.

خلافات كبيرة

 تفاقمت خلال الأشهر الماضية الخلافات بين المجلس العسكري الحاكم في مالي ودول الاتحاد الأوروبي، لا سيما فرنسا وألمانيا؛ وذلك بالتزامن مع تزايد الاتهامات التي تشير إلى تقارب وثيق بين حكام مالي الجدد ومقاتلين روس على مدار العامين الماضيين.

لكن حكومة مالي تنفي بشدة تلك الاتهامات؛ فيما نفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقب اجتماعه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في فبراير 2022، وجود أي صلة بين الكرملين وعناصر فاغنر المنتشرة في مالي.

ودفعت تلك الخلافات دول التكتل إلى إنهاء عمليات التدريب الأمني في مالي في منتصف 2022، كما أعلنت ألمانيا وبريطانيا البدء في سحب قواتها اعتبارا من منتصف 2023.

لكن في ظل التوقعات المتزايدة باستمرار العنف في مالي خلال 2023؛ دعا خبراء في مجال الأمن الاتحاد الأوروبي إلى إعادة أطر التعاون الامني والانخراط بشكل أكبر هناك.

ونقلت تقارير إعلامية عن جوناثان جيفارد؛ الخبير في شؤون بلدان غرب أفريقيا والزميل البارز في معهد مونتين للأبحاث؛ القول بأن الانسحاب الفرنسي من مالي “كان له أثر كببر في جهود محاربة الإرهاب هناك”.

لكن جيفارد أشار إلى “تأثير أقل لانسحاب القوات الألمانية والبريطانية، التي كانت جزءا من العمليات الأممية والأوروبية، وكانت مشاركتها تنحصر في التدريب العسكري ولم تكن لها مهام قتالية”.

إلا أن الخبير الأمني المالي أمادو دومبيا؛ لا يتفق مع ما ذهب إليه جيفارد؛ إذ يقول لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن انسحاب القوات الدولية “يمكن أن يساعد الماليين على حل مشاكلهم بأنفسهم”.

ويرى أن الانسحاب الفرنسي “لم يترك أي أثر يذكر في المنطقة”، معربا عن اعتقاده بـ”إمكانية تولي القوات المالية مسؤولية حماية البلاد بنفسها إذا ما طبق اتفاق السلام الموقع في مايو 2015، الذي ينص على دمج الحركات المسلحة في الجيش المالي”.

تعثر جهود السلام

في الجانب الآخر؛ تتعثر جهود السلام بين الحكومة المالية ومسؤولين في الحركة الأزوادية، التي ظلت تطالب منذ ستينيات القرن الماضي بحكم ذاتي.

وعلى الرغم من توقيع اتفاق مبدئي للسلام بين الجانبين في مايو 2015؛ فإن أيا من بنود ذلك الاتفاق “لم تنفذ حتى الآن بسبب التطورات الجيوسياسبة المتلاحقة التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الثماني الماضية”.

وتزايدت أهمية الحركات الأزوادية خلال السنوات الماضية، حيث نشطت بقوة في التصدي للجماعات الإرهابية في شمال مالي، وخاضت عدة معارك أدت إلى تقليص نفوذ حركة داعش وحركات إرهابية أخرى اتخذت من الأراضي المالية نقطة انطلاق إلى غرب وشمال إفريقيا.