وكان آخر تعديل في العقيدة البحرية الروسية في يوليو 2015، وحينها قالت موسكو إنه تم تغييرها لتواكب التطورات المستجدة على الساحتين الروسية والدولية، حيث لم تعد الوثيقة السابقة، والتي تم إقرارها في 27 يونيو 2001 باعتبارها أول عقيدة بحرية في تاريخ روسيا الحديث، كافية أو ملائمة للتعامل مع المتغيرات والمعطيات الجديدة التي تحيط بروسيا في الوقت الراهن.

وتحدد العقيدة البحرية الروسية الجديدة المؤلفة من 55 صفحة، الأهداف الاستراتيجية الواسعة للبحرية الروسية، بما في ذلك طموحاتها “كقوة بحرية عظيمة” تمتد إلى العالم بأسره.

وفي كلمته التي ألقاها في سان بطرسبرغ، عاصمة الإمبراطورية الروسية السابقة، بمناسبة يوم الأسطول الحربي الروسي، أشاد بوتن بالقيصر بطرس الأكبر، لجعله روسيا “قوة بحرية عظمى”.

من 2015 إلى 2022.. ماذا تغير؟

وحول الفرق بين التعديلين، قال المحلل المتخصص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، ليون رادسيوسيني، إن عقيدة 2015 حددت أربعة أبعاد وظيفية لاستراتيجية روسيا البحرية، وهي تعزيز نشاط النقل البحري، والكشف عن الموارد الطبيعية في البحر المفتوح، وتكثيف البحوث العلمية البحرية، والاهتمام بالنشاط العسكري البحري”.

وأضاف رادسيوسيني، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن “البعد العسكري والحديث عن الخصوم لم يحتل المرتبة الأولى بينما كانت تحرك روسيا الجوانب الاقتصادية بالأساس، من خلال تطلعها لتحسين نظام النقـل البحري الخاص بهـا، وزيادة وجودهـا في المياه المفتوحة، وتطلعها كذلك لتطوير البنية التحتية لموانئها، واكتشاف الموارد الطبيعية الجديدة، ولا ينفي هذا الاهتمام بالجانب العسكري ولكن لخدمة الاعتبارات الاقتصادية”.

وأوضح أن “الجوانب الإقليمية للعقيدة البحرية الروسية في 2015 حددت الأولويات الجغرافية التي توليها موسكو مزيدا من الاهتمام بناء على تقديراتها للتهديدات الأمنية في ست مناطق إقليمية رئيسية هي المحيط الأطلسي، والقطب الشمالي، والمحيط الهادي، وبحر قزوين، والمحيط الهندي، والقطب الجنوبي، وإن كانت تعطي أولوية واضحة للمحيط الأطلسي والقطب الشمالي، نظرا لأهميتهما وموقعهما الجيوستراتيجي، وكم التهديدات والفرص المحتملة بهما”.

أما عن التعديلات الجديدة في 2022، فذكر المحلل أن “التغيرات التي شهدها العالم خلال السنوات السبع الماضية فرضت تحديات وتهديدات جديدة زادت حدتها بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وفي ظل الانتقال التدريجي مـن نظام أحادي القطبية إلى النظام متعدد الأقطـاب، والانتقال التدريجي للقوة العالمية من الغرب إلى الشرق”.

وأضاف: “لذلك فإن البعد العسكري احتل المرتبة الأولى، وعلى عكس وثيقة 2015 التي لم تشر لأي أعداء أو خصوم، نصت السياسة الجديدة للبحرية الروسية على أن التهديد الرئيسي لموسكو هو السياسة الاستراتيجية للولايات المتحدة للهيمنة على محيطات العالم، وتحرّك حلف شمال الأطلسي العسكري بالقرب من حدود روسيا وكذلك تعزيز شامل لموقع روسيا الجيوسياسي في البحر الأسود وبحر آزوف، وتوسيع البنية التحتية العسكرية في شبه جزيرة القرم، وبناء حاملات طائرات حديثة”.

وأشار إلى إعلان بوتن أن الصاروخ تسيركون، وهو صاروخ كروز فرط صوتي جديد، سيدخل الخدمة قريبا على متن فرقاطة الأدميرال جورشكوف، مما يعزز إحدى بنود الوثيقة التي تتحدث عن أن “روسيا ربما تستخدم قوتها العسكرية بشكل مناسب للوضع في محيطات العالم في حال استنفاد القوى الناعمة الأخرى، مثل الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية”.

وتابع: “تنظر روسيا للحلف باعتباره تهديدا لأمنها القومي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وقد تأكدت تلك النظرة خلال العقد الأول مـن القرن الواحد والعشرين عندما بدأ حلف الأطلسي فـي ضـم دول الاتحاد السوفياتي السابق، خاصـة دول أوروبا الشرقية كأعضاء جدد في الحلف، مما أثار المخاوف لدى موسكو ودفعها نحو الحرب في أوكرانيا”.

هذا واعتبر ليون رادسيوسيني أنه “من المنطقي أن تعكس الوثيقة المحور الروسي الآسيوي وأهمية المحيط الهادي نتيجة للتطور المستمر في العلاقات الثنائية بين روسيا والصين، وتهدف موسكو من هذه العلاقات إلى موازنة تهديـدات حلف شمال الأطلسي من الغرب، كما تسعى للاحتفاظ بعلاقات ودية مع دولة محورية كالهند”.

وأبرز أن “ما اتفقت عليه آخر وثيقتين فقط هو التوقيت والأسباب، فالأولى جاءت عقب الاستيلاء على القرم والثانية عقب العملية العسكرية في أوكرانيا”.

يشار إلى أنه من أبرز النقاط في العقيدة البحرية الروسية الجديدة: “يعتبر نهج الولايات المتحدة نحو الهيمنة في المحيطات العالمية بمثابة تحد رئيسي للأمن القومي لروسيا الاتحادية”، و”عدم وجود عدد كاف من القواعد ونقاط التمركز خارج حدود روسيا الاتحادية المخصصة لتموين السفن التابعة للقوات البحرية الروسية، يعتبر نقطة خطرة”.

وأضافت أن “مضائق الكوريل والبلطيق والبحر الأسود والجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط مهمة لضمان الأمن القومي لروسيا”، وتتضمن العقيدة البحرية أيضا أهمية وجود نقاط ضمان لوجستية- فنية في البحر الأحمر، إضافة إلى تطوير مرافق الإنتاج لبناء سفن حاملة للطائرات حديثة للقوات البحرية.