وأعلنت حركة النهضة، يوم السبت، التشكيلة الجديدة لمكتبها التنفيذي المؤلف من 17 عضواً، عقب انعقاد انعقدت الدورة الـ 47 لمجلس الشورى.

وأسفرت النتائج عن سقوط العديد من القيادات المقربة من الغنوشي على رأسهم صهره، وزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام ووزير النقل السابق أنور معروف، ورئيس مجلس الشورى السابق فتحي العيادي ورضا السعيدي، وزير الإقتصاد السابق، إلى جانب كل من رضا إدريس ومحمد القوماني.

في المقابل، صعدت إلى المكتب التنفيذي الجديد قيادات تنتمي للجناح المعارض للغنوشي، والذي يسمى “مجموعة الـ100″، أبرزها وزير الصحة السابق عبد اللطيف المكي، والذي يعتبر قائد المعارضة الداخلية في حركة النهضة، ورضا الباروني، أحد الذين تتهمهم هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي بالانتماء للجهاز السري الخاص للحركة.

وتشهد حركة النهضة منذ أكثر من سنة حراكاً داخلياً معارضاً للغنوشي، خشية أن يرشح نفسه مرة أخرى لرئاسة الحزب.

وينص الفصل 31 من النظام الأساسي المنقح للنهضة، والمتعلق بشروط انتخاب رئيس الحزب على أنه لا يحق لأي عضو أن يتولى رئاسة الحزب لأكثر من دورتين متتاليتين، وأن يتفرغ رئيس الحزب فور انتخابه لمهامه على رأس الحركة. إلا أن الغنوشي جمع بين رئاسة الحركة ورئاسة البرلمان.

من جانبه يرى الباحث والأكاديمي المتخصص في حركات ما يعرف بالإسلام السياسي، عبيد الخليفي، أن معركة المكتب التنفيذي “لن تقف أمام طموحات الغنوشي غير المحدودة في البقاء على رأس الحركة، فحتى وإن كان صحيحا أنه خسر جولة، بعد سقوط الدائرة المقربة، لكنه مازال يملك أوراقاً للمناورة”.

وأضاف الخليفي في حديث مع “سكاي نيوز عربية”: “ما زال راشد الغنوشي محافظا على سيطرته على الحركة؛  تنظيميا ولوجستيا، وما زال غضبه قادرا على تطويع الكثيرين من الهياكل الوسطى مسنودا ببراغماتية الحلقة القيادية الضيقة. وهذا يؤكد أن هذا الرجل في حركته لم يكن يوماً ديمقراطياً.”

ويتابع:”معركة تركيبة المكتب التنفيذي، الذي سيسهر على إعداد المؤتمر القادم للحركة، والمؤتمر القادم  فصل مهم في تفتيت الحركة أو وأد الفتنة بالترضيات الشكلية التي تمنح العطايا السياسية لرؤوس المطامح الشخصية، وبالترضيات الشخصية لزعيم حركة سياسية، لا يتصوّر نفسه خارج معادلة الرئاسة في قرطاج أو مونبليزير (مقر الحركة التنظيمي)”.

نزيف الاستقالات مستمر

في غضون ذلك، قدم القيادي في الحركة وعضو لجنة السّياسات ضمن “مجلس الشّورى”، العربي القاسمي إستقالته بعد إجتماع المجلس.

وقال القاسمي في استقالته:” إن وعود الإصلاح إثر المؤتمر العاشر ذهبت أدراج الرّياح بل وحلّت بدلا عنها كوارث زادت الوضع تعفنا والمناخات توترا والعلاقات فسادا” مشيراً إلى “تجاوزات لمؤسّسات الحركة رهنت قرارها لأطراف حزبية غير مضمونة وانحرفت بها عن سمتها وأهدافها”.

واتهم القاسمي قيادة الحركة بأنها جاءت “بأناس لا علاقة لهم بالحركة، بل وكانوا منافسين لها ومناوئين، ومُكّن لهم في مواقع القرار العليا وأصبحوا أصحاب نفوذ وقرار على حساب مناضلي الحركة الّذين بنوها بعذاباتهم وتضحيّاتهم.”، بحسب قوله.

وأضاف:” لقد أفسدتْ الحركةَ لوبياتٌ مصلحية انتهازية تغلغلت في مواقع القرار فانحرفت به عن غاياته وفرضت الوصاية على آلياته وسخّرته لخدمة غير الوطن فقدّمت وفاضلت الأدنى على الخير والانتهازي على المناضل حتّى لم تعد لي طاقة على تحمّل هذا الغبن والغمط وأصبح لزاما عليّ أن أوقف هذا النّزيف القيمي بما أستطيع أو أتفصّى من أيّ مسؤوليّة عنه”.

وتشهد حركة النهضة منذ نحو سنة العديد من الاستقالات في صفوف قيادات الصف الأول، من التيار المعارض لرئيسها راشد الغنوشي. فقد قدم في مارس الماضي، عبد الحميد الجلاصي، أحد أبرز قيادات الحركة منذ الثمانينيات، استقالته احتجاجا على هيمنة الغنوشي على الحركة.

وفي نوفمبر الماضي، استقال أمينها العام زياد العذاري “رفضا لخيارات الحزب في مسار تشكيل الحكومة”. كما أعلن هشام العريض، ابن القيادي في الحزب ورئيس الحكومة الأسبق علي العريض، وزياد بومخلة، وهما من أبرز القيادات الشبابية، استقالتهما بتاريخ 14 يناير الماضي.

وقبل ذلك، كان مدير مكتب الغنوشي، زبير الشهودي، قد أعلن في سبتمبر 2019 استقالته من الحركة، مطالبا رئيسها بـ”اعتزال السياسة، وإبعاد صهره رفيق عبد السلام و”كل القيادات الذين دلسوا إرادة كبار الناخبين، في إقصاء مباشر لكل المخالفين في الرأي من نساء وشباب وقيادات تاريخية”.

وكان تقرير لمجلة “لوبوان” الفرنسية، قد وصف الطريقة التي يدير بها راشد الغنوشي حركة النهضة بالـ”دائرة الضيقة”، حيث أشار إلى أن الغنوشي قد أحكم قبضته على التنظيم من خلال مجموعة تضم نجله معاذ، وصهره وزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام، و”بارونات” يدينون له بالكثير، مما أدى إلى مزيد من التصدع في الحركة.

وقال التقرير إن إدارة الغنوشي لحركته “في تراجع مستمر”، مشيرا إلى استقالة مستشاره السياسي ومدير مكتبه لسنوات عديدة، لطفي زيتون في يوليو 2019، في احتجاج احتجاج على طريقة إدارة الحركة.

وفي تعليقه على الاستقالة، الجديدة يرى عبيد الخليفي أنها “تواصل لنزيف الاستقالات السابقة ولا جديد فيها من حيث الأسباب، كما لن يكون هناك جديد في مستوى النتائج سوى مزيد تعميق الخلاف وتشكّل تيارين داخل الحركة يتصارعان من أجل دفة القيادة التي لا تحتمل كثيرا من الأسماء”.

وأشار إلى أن مجموعة الـ 100، قاطرة المعارضة داخل الحركة، تبدو هي الأخرى غير متجانسة في طموحاتها رغم وثيقة الحد الأدنى التي اتفقوا حولها، فساعة طرح البديل القيادي ستتلاشى هذه المجموعة، لأن طرفي الصراع داخل النهضة يحملون نفس الأفكار والتصورات، ولا تفرقهم سوى صراعات الزعامة والسلطة.”