ويأتي التقرير في إطار اتفاق بين الجزائر وفرنسا المعلن بالتزامن مع الذكرى الستين لنهاية الحرب (1962-2022)، وهو المقترح الذي أعلن عن تعين كل طرف اسم خبير في التاريخ لإعداد تقرير دقيق ومنصف حول ما أنجز حول ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر.

وقد اختار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون المؤرخ الجزائري عبد المجيد شيخي، الذي يشغل منصب مستشار رئاسي، للعمل مع باريس على الملفات المتعلقة بالذاكرة الوطنية واسترجاع الأرشيف الوطني، بينما اختارت فرنسا المؤرخ بنجامين ستورا لهذا الغرض.

مقترحات ستورا الأساسية

وقد أوصى ستورا في تقريره، بتشكيل لجنة “الذاكرة والحقيقة” تضطلع بتعزيز مبادرات الذاكرة المشتركة بين فرنسا والجزائر، على أن تتكون من مثقفين وأطباء وباحثين وشخصيات معروفة بنشاطها الجمعوي.

وبناء على قائمة الـ 22 مقترحا، التي قدمها المؤرخ الفرنسي، نلمس أهم الملفات التي يمكن تصنيفها في خانة “المثيرة لحفيظة” الجزائريين، وأبرزها مقترح التفاوض مع الجزائر لمنح “الحركى” حق التنقل لهم وعائلاتهم بين البلدين.

والحركي مصطلح يعني العميل أو الخائن، ويطلق على الجزائريين الذين حاربوا في صفوف الجيش الفرنسي ضد ثورة التحرير في بلادهم من 1954 إلى 1962 .

ومن أبرز المقترحات المثيرة لغضب الشارع الجزائري، هي مقترحات ترسيم يوم 25 سبتمبر يوما لتكريم “الحركي” وغيرهم من أعضاء التشكيلات المساعدة في الحرب، مع إعطاء مساحة أكبر لتاريخ فرنسا في الجزائر في المناهج الدراسية، مع تنصيب لجنة للبحث في عمليات اغتيال الفرنسيين بعد الاستقلال.

عدا ذلك فإن المتخصصين في الجزائر ينظرون إلى باقي المقترحات باعتبارها قابلة للتفاوض والنقاش من الجهة الجزائرية، حيث اقترح ستورا ترميم مقابر الأوروبيين واليهود بالجزائر، وتسمية الشوارع باسم شخصيات فرنسية، وتنظيم عملية جمع شهادات الذين تضرروا بشدة من هذه الحرب لإثبات المزيد من الحقائق وتحقيق مصالحة الذكريات.

كما اقترح نصب تمثال للأمير عبد القادر في فرنسا، وإنشاء لجنة المؤرخين الفرنسيين الجزائريين تكون مسؤوليتها تحديد مصير مدفع بابا مرزوق، ودعا بلاده للاعتراف باغتيال المحامي الجزائري علي بومنجل، وطالب بإصدار دليل المفقودين سواء الجزائريين والأوروبيين الذين فقدوا أثناء الحرب، وشدد على مواصلة العمل المشترك حول خارطة التجارب النووية الفرنسية في الجزائر، وعاد للحديث عن ملف الرفات والجمام المحفوظة في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي بفرنسا.

تجنب الحديث عن الإبادة الجماعية

وقد جاءت باقي المقترحات في إطار تشجيع العمل الأكاديمي المتشارك على غرار جرد المحفوظات والأرشيف الذي أخذته فرنسا، أو تركته في الجزائر، على أن ستستعيد الجزائر بعض المحفوظات الأصلية، وإنشاء دار نشر كبيرة فرنسية جزائرية تساهم في مهام الذاكرة وترجمة الأعمال التاريخية والأدبية من الفرنسية إلى العربية وحتى الأمازيغية.

وترى المحامية فاطمة بن براهم التي اشتغلت على ملف الذاكرة وهي عضوة في لجنة البحث في الملفات المشتركة، أن ما قم به المؤرخ الفرنسي عمل يندرج في إطار المقترحات التي تعكس وجهة نظر فرنسا وحدها من هذا الملف.

وقالت بن براهم لـ”سكاي نيوز عربية”: “حتى وإن لم تأتي المقترحات بعد التشاور مع الجانب الجزائري، إلا أن هذه خطوة إلى الأمام في انتظار مقترحات الجزائر التي يجب أن تركز على النقائص في مقترحات ستورا” وأكدت المحامية الجزائرية أن مقترحات الجانب الفرنسي تجنبت الإشارة إلى لم مجازر 8 مايو 1945 والاغتصابات الجماعية والإبادة الجماعية وغيرها من الملفات التي تحرج فرنسا وتفضح بشاعة القادة الفرنسيين التاريخين”.

وترى المحامية أن ملف الذاكرة هو ملف قانوني بالدرجة الأولى وليس تاريخي، وأشارت إلى أن مقترحات ستورا شملت 5 نقاط أساسية تنظر إليها الجزائر بكثير من الاهتمام، وهي مسألة الأرشيف والتجارب النووية، واسترجاع مدفع بابا مرزوق، وقضية المفقودين وخارطة النفايات النووية.

وأما عن ملف الحركي الذي طرحه المؤرخ الفرنسي على طاولة النقاش والذي تنظر إليه فرنسا بكثير من الاهتمام، فترى فيه المحامية الجزائرية قضية مفصولة بحكم القانون كما قالت: “قضية عودة الحركي لا تخيف الجزائر فهي مفصولة بحكم القانون حيث إن هؤلاء الحركى اختاروا فرنسا على البقاء في الجزائر”.

الجزائر تنتظر الإعتذار

من جهته، قال الباحث الجزائري المتخصص في التاريخ جمال يحياوي لـ”سكاي نيوز عربية”: “ينبغي الإشارة إلى أن العمل الذي قام به ستورا جاء دون تنسيق ودون لقاء وتفاوض بين الطرفين، وما تم طرحه اليوم هو محاولة لجس النبض ومحاولة للتشويش على المقترح الجزائري قبل صدوره”.

وأشار إلى أن الطرف الفرنسي استبق الأحداث وحاول تقديم قراءته الأحادية بعيدا عن الطرف الجزائري وقال: “هذه قضية شائكة وفرنسا تحاول ربح الوقت والمساومة وهو سياسي فرنسي متعارف عليه منذ سنوات”.

وأكد الباحث الجزائري أن قضية الحركة والمفقودين حساسة جدا، وقال: “الحركي أو المتعاونين مع السلطات الفرنسية الذين ارتكبوا مجازر في حق الجزائريين اعتبرتهم الجزائر خونة وفرنسا تحاول اللعب على الوتر الحساس، وتقترح عودة هؤلاء الحركى وهي تطلب بأن تعفوا الجزائر عن هؤلاء الحركي الذين خانوا أوطانهم وارتكبوا جرائم في حق أبناء شعبهم”.

وتنتظر الجزائر من باريس أن تقدم لها فرنسا جميع الوثائق والملفات الخاصة بأرشيف الفترة الاستعمارية (1830-1962)، وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد تحدث في وقت سابق على أن الجزائر تنتظر من فرنسا أن تقدم للجزائر اعتذارا عن ماضيها الاستعماري كخطوة مهمة لدعم العلاقات الاقتصادية والثقافية الثنائية.