دعاء الاستخارة وصلاتها وكيفية معرفة نتائجها

كان أهلُ الجاهلية قديماً إذا أرادوا أن يهمُّوا بأمرٍ ما من سفَر أو تِجارة أو عرس أو غير ذلك، يَستقسِمون بالأزلام. لكن عندما جاء الإسلام، نسف ما قبله، وشرَّع الاستخارة الشرعية عوضاً عن الاستقسام بالأزلام. ستجدون أعزاءنا القرَّاء في السطور التالية دعاء الاستخارة، وكيفية أداء صلاتها، ومعرفة نتيجتها.

لكن عندما جاء الإسلام، نسف ما قبله، وشرَّع الاستخارة الشرعية عوضاً عن الاستقسام بالأزلام، وذلك بغية اللجوء إلى الله تعالى في كلِّ الأمور التي يُريد أن يُقْدِم المستخير عليها، سواءً كان مُتردداً فيها أم حاسماً؛ إذ لا تقتصر الاستخارة على الأمور التي يتردد فيها الشخص كما يظنُّ بعض الناس؛ ذلك لأنَّها طلب التوفيق من الله، حيث يتوكَّل المسلمُ على ربِّه، ويدعوه أن يهديه وييسِّر له ما هَمَّ به إن كان فيه خير، أو يصرفه عنه إن كان فيه شر، وييسِّر له الخير حيثما كان؛ إذ لا يَعْلَم بذلك إلَّا الله.

ستجدون أعزاءنا القرَّاء في السطور التالية دعاء الاستخارة، وكيفية أداء صلاتها.

كيفية صلاة الاستخارة:

يجب أن تُقرَن صلاة الاستخارة بِنيَّة الاستخارة التي ينبغي أن تُصاحب المصلي قبل البدء بالصلاة إلى أن ينتهي منها، حيث يصلِّي المستخير ركعتين بِنية الاستخارة، ولو صلَّى صلاة نفْل ونوى بها الاستخارة أجْزأ، كمَن صلَّى ركعتين بِنية تحية المسجد والاستخارة؛ وقد قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في “القواعد والأصول الجامعة”: “مَن دخل المسجد وقت حضور الراتِبة، فصلَّى ركعتين ينوي بهما الراتبة وتحيَّة المسجد حصَل له فضلهما، وكذلك لو اجتمعتْ معهما أو مع أحدهما سُنَّة الوضوء، أو صلاة الاستخارة، أو غيرها مِن ذوات الأسباب”.

وبذلك تكون صلاة الاستخارة في غير صلاة الفريضة، إذ لا يصح الاستخارة -مثلاً- في ركعتي الفجر؛ وفي المقابل، تصح الاستخارة في ركعتي تحية المسجد والسنن الرواتب.

في حال وجود مانع من الصلاة، مثل أنْ تكون المرأة في فترة الحيض، مع حاجتها إلى الاستخارة قبل زوال المانع؛ فيمكنها أن تستخير بالدعاء فقط؛ فقد قال النووي (رحمه الله): “ولو تعذَّرت عليه الصلاة، استخار بالدعاء”.

دعاء الاستخارة:

عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يُعلِّمنا الاستخارة في الأمور كلِّها كما يعلِّمنا السورة من القرآن، ويقول: (إذا همَّ أحدكم بالأمْر، فليَركع ركعتين من غير الفريضة، ثمَّ ليقل: اللهمَّ إنِّي أستخيرُكَ بِعِلْمِكَ، وأستقدِرُكَ بِقُدْرَتِك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنَّك تَقْدِرُ ولا أَقْدِر، وتَعْلَمُ ولا أَعْلَم، وأنت عَلَّامُ الغُيُوْب. اللهمَّ، إن كُنْتَ تعلَم أنَّ هذا الأمر (ويُسمِّي حاجته) خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري –أو قال: عاجل أمري وآجله- فَأَقْدِرْهُ لَي، ويَسِّرْهُ لي، ثمَّ بارك لي فيه؛ وإن كُنْتَ تعلم أنَّ هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري –أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاصرِفْهُ عَنِّي واصرِفْنِي عَنْهُ، وأَقْدِر لِيَ الخير حيثُ كان، ثمَّ أرضِنِي به)؛ [متفقٌ عليه].

قال ابن القيِّم (رحمه الله): “فتضمَّن هذا الدعاءُ الإقرارَ بوجودِه سبحانه، والإقرارَ بصفاتِ كماله -مِن كمال العلم والقدرة والإرادة- والإقرار بربوبيته، وتفويض الأمر إليه، والاستعانة به، والتوكُّل عليه، والخروج مِن عُهْدة نَفسه، والتبرِّي مِن الحَوْل والقوة إلَّا به، واعتراف العبدِ بعجْزِه عن عِلْمِهِ بمصلحة نفسه وقدْرتِه عليها وإرادته لها، وأنَّ ذلك كلَّه بيدِ وليِّه وفاطره وإلهه الحق”.

متى يُقَال دعاء الاستخارة؟

قال جمهور العلماء أنَّ دعاء الاستخارة لا يُقدَّم على صلاة الاستخارة، بل يُصلِّي المُستَخِير ثمَّ يدعو به بعد الانتهاء من الصلاة بالتسليم، وإنْ دعا قبل السلام صحَّ ذلك؛ وقد رأى ابن تيمية أنَّ الدعاء قبل السلام أفضل؛ إذ يقول (رحمه الله): “يجوز الدعاء في صلاة الاستخارة وغيرها قبل السلام وبعده، والدعاء قبل السلام أفضل، لأنَّه قبل السلام لم ينصرف، وهو أكثر دعاء النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)”.

ولكن ذهب الجمهور إلى أنَّ الدعاء بعد السلام أفضل، وهذا ما رجَّحه الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- عندما قال ما لفظُه: والدعاء يكون بعد السلام كما دلَّ عليه قوله “فليصلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفريضة، ثمَّ ليَقُل”، وهذا صريح في الترتيب أنَّ الدعاء يكون بعد صلاة الركعتين؛ وأمَّا الدعاء في غير الاستخارة، فالأفضل لمن أراد أن يدعو الله عزَّ وجلّ بشيءٍ أن يدعوه قبل أن يُسَلِّم.

وبذلك فإنَّ الدعاء بعد السلام في الاستخارة أفضل، ولو دعا المستخير قبل السلام جاز، وأمَّا الجمع بين قول الدعاء قبل السلام وبعده فلم يُصرَّح باستحبابه من قِبَل أهل العلم، والأوْلَى الاقتصار على ما دلَّ عليه ظاهر الحديث.

معرفة نتيجة صلاة الاستخارة:

يعتقد الكثير من الأشخاص أنَّ المستخير في حال أقدم على الاستخارة في أَمْرٍ ما، فعليه الانتظار حتَّى يرى مناماً، فيفعل أو لا يفعل ذلك بناءً على هذه الرؤية التي يراها، وذلك لا أصل له؛ إذ قد لا يرى الشخص شيئاً البتة؛ لكنَّ العلماء قالوا: “ينبغي له أن يُفرِّغ قلبه من جميع الخواطر حتَّى لا يكون مائلاً إلى أمرٍ من الأمور، ثمَّ يفعل ما بدا له، سواءً انشرحت نفسه أم لا؛ إذ إنَّ فيه الخير ما دام مُستَخِيراً، حتَّى وإنْ لم تنشرح نفسُه له، وليس في الحديث تعليق الفعل على انشراح الصدر”.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: “والمُعتَمَد أنَّه لا يفعل ما ينشرحُ به صدره ممَّا له فيه هوىً قويٌّ قبل الاستخارة”؛ كما ويَرَى بعض العلماء أن يُقْدِم على ما انشرح صدره له بشرط ألَّا يكون له فيه هوىً قبل الاستخارة.

الخلاصة:

من السنَّة أن تستخير الله تعالى في أيِّ أمرٍ تُريد الإقدام عليه، سواءً كان زواجاً أم سفراً أم أيَّ أمرٍ يتعلَّق بعملك وغيرها من الأمور؛ وذلك من خلال البدء بالصلاة، والتي تكمن الحكمة في تقديمها على دعاء الاستخارة في حصول الجمع بين خيري الدنيا والآخرة؛ إذ تحتاج إلى قرع باب المَلِك، ولا شيء لذلك أنجع ولا أنجح من الصلاة، لما فيها من تعظيم الله والثناء عليه، والافتقار إليه مالاً وحالاً؛ ومن ثمَّ تقرأ دعاء الاستخارة، فما يُكتَبُ لك بعدها هو الخيرُ، وليس بالضرورة أن تكون حالُ السَّرَّاء بعد الاستخارة دائماً، فقد يتعسَّر الزواج أو تخسر الصفقة؛ لكنْ لتكن ثقتك بالله أنَّ هذا هو الخير لك. يقول تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [سورة البقرة: الآية 216].

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!