سر السعادة بين الفلسفة وعلم النفس والتمارين البسيطة

لطالما تنوَّعَت أهداف البشر في الحياة عبر العصور واختلفَت حسب الثقافة والعمر والجنس والمستوى التعليمي والاجتماعي والاقتصادي وغيرها، ولكن يبقى هناك غاية مشتركة يسعى إليها الجميع دون استثناء، وهي السعادة. في هذا المقال، سنقدِّم لك شرحاً بسيطاً للآلية التي يشعر بها جسم الإنسان بالسعادة.

Share your love

وسنطرح لك أفكاراً بسيطة وخطواتٍ عملية حسب آخر ما توصَّل إليه الأطباء والعلماء حول العالم، بواقعية علمية وطبية ومنطقية دون التفاؤل الزائد عن الحد الذي يوقعك بالإحباط فيما بعد.

ما هي السعادة كيميائياً؟

السعادة كأي شعور آخر تتحكم به مجموعة من الهرمونات التي تؤثر بطريقة ما في الخلايا العصبية الدماغية؛ مما يولِّد الشعور بالسعادة، وهنا لدينا أهم أربعة هرمونات تتحكم بشعور السعادة:

  1. الدوبامين: وهو هرمون المكافأة؛ حيث يزيد إفرازه عند إنجاز المهام وإكمالها؛ لذلك نستطيع زيادته من خلال العمل الدؤوب وإتقان الأعمال الموكلة إلينا وممارسة النشاطات المختلفة.
  2. السيروتونين: وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم المزاج ونستطيع زيادته من خلال ممارسة اليوغا والتأمل والخروج في الطبيعة والتآلف معها، وتعرُّض الجسم لأشعة الشمس.
  3. الأوكسيتوسين: ويسمى هرمون الحب، ونستطيع زيادة إفرازه من خلال المشاركة الاجتماعية الفعالة ومساعدة الناس وفعل الخير والاشتراك بالأعمال التطوعية والخدمات الإنسانية.
  4. الإندورفين: وهو الهرمون المسكن للألم، والذي يقوم بتخفيف الآلام والأوجاع بمختلف أنواعها.

مفاهيم خاطئة حول السعادة:  

يقول “آرثر شوبنهاور” في كتابه “فن العيش الحكيم”: “إنَّ أكثر الوسائل أماناً كيلا يشعُر الإنسان بالحزن الشديد، هي ألا يتوقع أن يكون في غاية السعادة”، فنحن دوماً نتوقع ونهدف أن تكون سعادتنا كاملةً وعظيمة، ولكن في حقيقة الأمر فإنَّ السعادة نسبية في معظم الحالات.

ويضيف “شوبنهاور”: “إنَّ السعي الملحَّ وراء السعادة يشبه ركض الصياد وراء فريسة خيالية، فينتهي به هذا الركض إلى الوقوع في حفرة، والمعادل المنطقي لهذه الحفرة هو السقوط في الشقاء والتعاسة”.

فنحن دوماً ما نضيع سعادتنا ووقتنا في اللهاث خلف السعادة وننسى الاستمتاع بالأشياء الموجودة بين أيدينا، فنسقط في هاوية الشقاء والعذاب، فالسعادة المستمرة غير ممكنة في الواقع.

 حتى لو تمَّ تلبية جميع احتياجاتنا المالية والمادية والروحية، ستظلُّ السعادة المُستمرة والدائمة هدفاً شبه مستحيل.

نذكر هنا كمثال “عبد الرحمن الثالث” خليفة المسلمين في قرطبة الذي كان واحداً من أكثر الرجال قوةً ونفوذاً ومالاً في زمنه، وحقق منجزات عسكرية وسياسية واقتصادية، بالإضافة إلى استمتاعه بجميع الملذات المادية والحسية الممكنة بحريَّة كاملة، وعندما اقتربَت نهايته وأراد أن يحسب الأيام التي أحس فيها بالسعادة الحقيقية طوال حياته اكتشف أنَّ عددها كان 14 يوماً فقط.

والسعادة كما يعرِّفها لنا الكاتب البرازيلي “فينسيوس دي موراييس”، هي “مثل الريشة التي تطير في الهواء، تطير في الضوء، ولكن ليس لفترة طويلة”.

فالسعادة المستمرة من المستحيل أن تكون واقعيةً طبقاً للأسس المنطقية والبيولوجية، كما أنَّ بقاء الإنسان مبتهجاً وسعيداً دائماً يجعل السعادة دون قيمة، فقيمة الأشياء في ندرتها.

شاهد بالفديو: 20 قيمة في الحياة تقودك إلى السعادة والنجاح

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/RxmcUISd8kg?rel=0&hd=0″]

هل نحن مبرمجون تطوُّرياً على السعادة أم الحزن؟

في الحقيقة ومن وجهة نظر العلم، البشر لم يُخلَقوا ليكونوا سعيدين، أو حتى في حالة رضا عن النفس، ولكنَّهم مخلوقون للبقاء والتكاثر مثل جميع الأحياء الأخرى.

فحالة الرضا لا تحفزها الطبيعة في دواخلنا؛ وذلك لأنَّها ستجعلنا هادئين وخاملين على نقيض غريزة التكاثر والبقاء الموجودة في دواخلنا.

وجد العلماء أنَّ لدى البشر فص أمامي في الدماغ يمنحهم مَلَكات تنفيذية وتحليلية هائلة، أكثر من القدرات التي تمكِّنهم أن يكونوا سعيدين، فعلى سبيل المثال: معرفة وتحديد المواقع والقيام بالمهام ترتبط ببعض العمليات العصبية والفكرية داخل الدماغ وهي مفيدة لأي كائن حي ليضمن بقاءه على قيد الحياة، لكنَّ البهجة والسعادة ليس لها أساس دماغي ولا تملك أنسجةً خاصة بها في الدماغ.

يقول بعض العُلماء: إنَّ الاكتئاب له دور أساسي في ديمومة الجنس البشري، ولذلك لم يتم فقدانه في خلال عملية التطور.

فعلى الرغم من المشكلات الواضحة التي يسببها الاكتئاب، فهو يقوم بدور أساسي ومحوري في استمرار الكائن الحي في وقت الشدة من خلال جعل الإنسان يهرب من المواقف الخطرة والمزعجة والمهددة التي لا يستطيع الانتصار فيها والاستفادة منها، كما يمكن أن يكون الاكتئاب طريقاً لحل بعض المشكلات التي نمرُّ بها خلال المواقف المزعجة والصعبة.

تطبيقات عملية تجعلك سعيداً:

1. التحلي بالمرونة النفسية:

وتعني القدرة على تبنِّي مواقف وأفكار جديدة، والنظر إلى المشكلات من زوايا مختلفة؛ مما يؤدي إلى عَدِّ الكثير من التحديات والضغوطات على أنَّها “فرصة” لتطوير القدرات الذاتية وتنميتها في مواجهة المخاطر والصعوبات، ومن ثمَّ الحصول على تكيُّف أفضل.

2. تدوين الكلمات اللطيفة التي وُجِّهَت إلينا وتذكُّرها دوماً:

صحيح أنَّ كل جملة سلبية تُقال لنا ستعكر صفاء مزاجنا، إلا أنَّه من الضروري لنا أن نحاول إفراغ كؤوسنا وأن لا نحتفظ بتلك الأمور السلبية التي نسمعها أو التجارب المؤلمة التي خضناها، فمن الجيد أن نحاول تذكُّر الكلمات اللطيفة التي قالها لنا الأصدقاء يومياً، ومن الجميل تدوينها ومن أي شخص كانت، لنعود إليها ونقوي إيماننا بأنفسنا من جديد عندما تمرُّ بنا رياح اليأس والإحباط، كما يجب علينا أن لا ننتظر من الآخرين تقديم السعادة لنا، فلنحاول أن نتكلم مع أنفسنا بودٍّ وإعجاب وأن نثني عليها وأن نتوقف أيضاً عن تقريع ذواتنا.

3. التصالح مع الذات:

أن نتصالح مع أنفسنا، فهذا سيساعدنا كثيراً على متابعة حياتنا والمضي قدماً، فتصالح مع نفسك، وكن لطيفاً معها و‌‎لا تكن قاسياً عليها بجلدها ومقارنتها مع الآخرين والانتقاص من قيمتها.

4. لا تقاضي ذاتك على ما جرى في الماضي مهما كان سيئاً وحزيناً:

كيلا يسرق منك أيامك الجميلة وأوقاتك الباقية، فإنَّ الأمس قد ذهب والغد لا نعرف شيئاً عنه، وهذه اللحظة هي الهدية والنعمة وهي كل ما نملك.

5. الحديث الإيجابي مع الذات:

وجدَت الدراسات أنَّ الحديث الإيجابي مع النفس باستمرار يمكن أن يرفع المزاج بشكل كبير ويقوي الثقة ويزيد إنتاجية الفرد. في الواقع، يمكن أن يكون الحديث الإيجابي مع النفس، أحد المكونات الرئيسة لحياة سعيدة وناجحة.

يحب أن نوضح أمراً هاماً وهو أنَّنا لا نقترح عليكم فجأةً أن تقوموا بالتفكير الإيجابي والتوكيدات الشخصية، فقد تمَّت تجربة هذه الأمور وأعطَت درجاتٍ متفاوتة من النجاح.

لن نطلب منكم أن تخبروا أنفسكم أنَّكم أُسود كوسيلةٍ لإطلاق سراح طاقاتكم الداخلية، فأولاً أنتم لستم أسوداً وثانياً أنتم لستم أسوداً.

قد ينجح هذا مع بعض الأشخاص، لكن ما سنقترحه عليكم هو تدريب أنفسكم على اصطياد الحديث الداخلي بكفاءة ومساءلة الجوانب السلبية منه وتعريضها للسؤال المنطقي، بدل تركها حرة تأخذنا وفق أهوائها في كل اتجاه، كريشةٍ في مهب الريح.

6. تعلَّم أن تستمتع بمشكلاتك:

المشكلات ليست شيئاً مرعباً وليست لعنات، إنَّما هي مبارياتٌ صعبة وتمرينات حقيقية لرياضة العقل، والرياضي الناجح يتوق دوماً إلى استمرار المباراة، ومن أفضل الطرائق للانتصار على المشكلة، أن تتعامل معها بروح اللعب وبعقل اللاعب الذكي. وتذكَّر دائماً أنَّ كل مشكلة في حياتك تحمل في داخلها درساً وهدية، وإذا نظرتَ إلى مشكلاتك على أنَّها لعنات، فسيصعب عليك إيجاد الحافز والمعنى في حياتك، فهو سبب هام من أسباب السعادة.

7. تدرَّب على الاعتماد على نفسك:

يمكنك أن تكون أكثر سعادةً وبهجة لو أنَّك فضَّلتَ الاستقلال والمسؤولية الذاتية دون الاعتماد على شخص آخر. إنَّك تكفي وحدك ولا حاجة للآخرين أن يساعدوك؛ بل يمكنك أن تعالج مشكلاتك كلها بنفسك تقريباً، فذلك سيمنحك الثقة بالنفس التي تشكل حجر الأساس في بناء السعادة.

8. ابحث عن هدف لحياتك:

يجب عليك أن تبحث عن الأشياء التي تجعلك سعيداً، فكِّر، ما الذي يجعلك سعيداً؟ على سبيل المثال: لن تستطيع أن تعيش حياتك الحقيقية إذا لم تساعد الناس، وإذا خسرتَ التحديات الذهنية، فإنَّ حياتك سوف تذبل. ابدأ أولاً باكتشاف وتجميع الأشياء التي تجعلك سعيداً، ثمَّ افعلها.

9. كن مؤرِّخاً للحظاتك السعيدة:

أنشِئ مجلداً على هاتفك الذكي، واجمع الصور التي التقطتَها مع الأصدقاء والعائلة والتي تذكِّرك باللحظات السعيدة التي قضيتَها، ويمكنك أيضاً كتابة بعض النكات والمواقف المضحكة ضمن الوصف الخاص بالصورة.

10. تخَّلص من دور المتفرج:

لا تعش أيامك وكأنَّك تشاهد شاشة التلفاز، فإنَّك بذلك تشاهد الناس يقومون بالأعمال التي يريدونها، وهؤلاء يعيشون في الناحية الجميلة من حياتهم؛ وذلك لأنَّهم يستمتعون بما يفعلونه، فيجب أن تؤدي دوراً في الحياة، وكن مؤثراً وفاعلاً، تكن سعيداً.

11. غادر الأجواء السلبية دون تردد:

من أهم قواعد السعادة، أن تبتعد عن أي محيط يُعطيك الطاقة السلبية، ولا يعرف قيمتك، وتمسَّك بالأشخاص الذين يتمنون لك الخير ويفرحون لفرحك ويقفون إلى جانبك وقت ضعفك، وقدِّم لهم الابتسامات والمساعدات عندما تستطيع، فهم سيكونون أحد أهم مصادر سعادتك.

12. مارس الرياضة:

تُعَدُّ ممارسة الرياضة ضمانةً حقيقية لمستقبل صحتك، ووقاية وعلاج لكثير من الأمراض العضوية والنفسية، فمارس الرياضة التي تحبها متى استطعتَ وأينما استطعتَ.

ما هي السعادة بالامتنان؟

السعادة بالامتنان هي أسلوب حياة وليست وصفةً جاهزة، فلا يمكننا أن نكون ممتنين ونحن نتسابق وننافس ونحسد ونراقب الناس ونقلدهم، فالامتنان مراقبة وحيدة لانسيابية الحياة ومحاولة مستمرة للتلاؤم والتناغم معها باستسلام كامل.

لا يمكن ليُّ عنق الحياة، فالامتنان هو البهجة العظيمة باللاشيء وكأنَّه كل شيء. هذا الموضوع لا يمكن الوصول إليه بقراءة بضعة سطور، ولكن يمكن اللقاء به وكأنَّه ضيف في إحدى طرق الحياة.

في الختام، ماذا أفهم من هذا المقال؟

  • عندما نؤمن أنَّ السعادة حالة والحزن حالة، وكلاهما يشكل مزيجاً نسميه “الحياة”.
  • وعندما نتقبل عيوبنا وسلبياتنا برحابة صدر، فلا يوجد إنسان كامل، ونتذكر الإيجابيات ونكررها باستمرار.
  • وعندما نعيش اللحظة ونستمتع بها دون أن نستذكر الماضي الحزين ودون أن يتملكنا الخوف من المستقبل.
  • عندما نمارس عملنا بدقة وإتقان وحب وننغمس فيه انغماساً كاملاً وعميقاً.
  • عندما نفهم تلك الأمور ونطبقها على أرض الواقع، فإنَّنا حتماً سنصل إلى الشعور بالسعادة والرضا.

أتمنى في نهاية هذا المقال أن نكون قد قدَّمنا لكم أفكاراً تسهم في بناء حياة سعيدة وهانئة يغلب عليها الرضا والأمل بمستقبل أفضل.

اتركوا لنا ملاحظاتكم عن المقال واكتبوا لنا أموراً أخرى تبث السعادة في نفوسكم.

حظاً موفقاً.

المصادر:

  • كتاب فن العيش الحكيم/آرثر شوبنهاور.
  • مائة طريقة لتحفيز نفسك / ستيف تشاندلر.
  • مقرر الطب النفسي في كليات الطب البشري في الجامعات السورية.
Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!