عش بفلسفة إجتماعية محددة

 

بيد ان الناس ليسوا جميعا على نفس الدرجة من القدرة الانتقائية , فثمة اشخاص يميلون الى التقبل الاعمى بحيث تنحصر قدرتهم الانتقائية في نطاق ضيق , , كما أن من بين الاشخاص من لايتمكنون من النهوض بالعملية التفاعلية الخيرية , فعقولهم كالمعدة التي لا تستطيع ان تهضم الطعام , فيظل كما هو الى ان يطرده الجسم على حاله , ومن المؤكد أن أولئك الاشخاص الذين يفتقرون الى القدرة الانتقائية شذاذ بالقياس الى طبيعة الانسان , فالأنسان كما فطر وبحسب منطق جبلته الحقيقية كائن انتقائي , وما يخضع له المرء من تربية هو الذي يمكن ان يحافظ عل تلك الطبيعة الانتقائية او يمكن أن يفسدها , ونأسف إذ نقرر أن التربية – شأنها شأن جوانب الحضارة الكثيرة المتباينة – قد ضلت طريقها , فكما أن الحضارة قد ضلت طريقها وهي تفتن في أعداد الطعام الشهي إذ استبدلت بالطعام المفيد طعاما ضارا على الرغم من لذة طعمه , كذا فأن التربية قد أفسدت في الغالب النزعة الانتقائية التي ولد بها جميع الاطفال لانها من صميم الطبيعة الانسانية , وأحلت محلها بعد افسادها نزعة اخرى هي النزعة التقليدية الامتصاصية.
لقد كان الخليق بالتربية أن تبدأ من حيث طبيعة الانسان , ولكن بدلا من ذلك بدأت من حيث لاينبغي أن تبدأ , بالتحفيظ وحمل الصغار – بل والكبار – على التقبيل والامتصاص غير المتبصر لما يحيط بهم ويفرض عليهم ويحتك بشخصياتهم.
ولو أن التربية أرادت تصحيح مسارها , إذن لأخذت بخط جديد ومنهج جديد وتضرب في إثرهما هما خط الانتقاء منذ نعومة الاظفار, وبذا فإنها تهئ الناشئة لان ينموا على فلسفة عقلية واجتماعية تقوم اساسا على الانتقاء من بين العناصر والمقومات العقلية والاجتماعية العديدة التي تحيط بهم . ولعل الخطأ الشائع في القول بل الجاثم على افئدة الكثير من الكبار يتمثل في الاعتقاد في أن ما يتعلق بالفكر والسلوك والعلاقات الاجتماعية إنما يخضع لما تخضع له الرياضيات أو قل الحساب من حيث القول بالصح والخطأ , فالمسألة الحسابية لاتحتمل اجابتين كلتاهما صحيحة , بل لابد من ايراد اجابة واحدة هي الاجابة الصحيحة وعداها يكون خاطئا , وعلى نفس النحو يعتقد معظم الناس أن هناك اجابة واحدة فكرية واجابة واحدة سلوكية واجابة واحدة اجتماعية يمكن ان توصف بالصحة , وماعداها من اجابات يكون خاطئا , والواقع أن تطبيق الفكر الرياضي الحسابي على الفكر والسلوك والاجتماع قديم قدم فيثاغورس وسقراط وافلاطون , والخليق بالاعتقاد هو ان الفكر والسلوك والاجتماع والسبل الانسانية بصفة عامة لاتخضع لما تخضع له المسائل الحسابية , بل تخضع لمعيارين آخرين هما معيار الجمال من جهة ومعيار المناسبة من جهة اخرى , ففي مسائل الفكر والسلوك والاخلاق يجب أن نبحث عن الجميل والمناسب لاعن الصحيح والخطأ , على اننا نميز بين الفكر وبين العقل , فالعقل يخضع للحساب والمنطق , بينما لايخضع الفكر للحساب والمنطق , فالفلسفات على تباينها فكر , ولكن نظريات العلم الوضعي عقل , ومن هنا فأننا لانقول ان الفلسفة المثالية خاطئة , وان الفلسفة الوجودية صائبة كما نفعل بأزاء قضية كقضية دوران الارض حول نفسها فنحن لانتناول تاريخ العلم –اي علم – بالدراسة بنفس الاتجاه الذي نتلبس به ونحن بأزاء دراسة تاريخ الفلسفة في اي عصر من عصور التاريخ , فنكن التقدير للفلسفات المتباينة وتفيد من دراسة فلسفة واحدة مثل طاليس وديموقريطس , بينما لانفعل ذلك بأزاء الآراء العلمية التي ثبت بطلانها , فما ناخذ به من العلم هو آخر ما انتهى اليه العلماء من آراء ونظريات ملقين وراء ظهورنا جميع الآراء والنظريات القديمة التي دحظت , فطالما أن الفكر والسلوك والعلاقات تتسم بالنسبية , فأن علينا إذن أننمارس حقنا في الانتقاء , فلنا الحق في ان نقيم لنا فلسفة بأزاء الحياة والمجتمع والوجود من العديد من المتغيرات التي تقع في حوزتنا , وكذا لنا الحق في ان ننتقي من العناصر السلوكية ما يتناسب مع ما جبلنا عليه من مزاج , بل وفي ضوء القيم لاجتماعية التي يختص بها مجتمعنا ويعتز بها , ولنا الحق كذلك في أن نحيا وفق فلسفة اجتماعية ننشئها لأنفسنا إنشاء من بين المقومات والعلاقات الاجتماعية العديدة التي نقع عليها من حولنا .
فأذا كانت جبلتك انطوائية – وقد سبق لنا ان بينا أن الانطوائية والانبساطية ليستا اتجاهين مكتسبين وليست احداهما افضل من الاخرى – فعليك اذن أن تشكل لنفسك فلسفة اجتماعية محددة تناسب ما جبلت عليه من انطوائية , واذا كنت انبساطيا اذن حدد لنفسك الفلسفة الاجتماعية التي تناسب ما خلقت عليه من انبساطية .
على اننا نود في هذه العجالة أن نقدم الى مجموعة من المبادئ التي يجب أن تتظمنها فلسفتك الاجتماعية مهما كانت ملامحها متباينة عن باقي الفلسفات الاجتماعية الاخرى التي يأخذ بها غيرك من اشخاص يقعون في نفس الاطار الاجتماعي الذي نحيا فيه .
اولا – يجب ان تكون فلسفتك الاجتماعة التي تحيا وفق ملامحها متسقة غير متضاربة بعضها ببعض .
ثانيا – يجب ان تكون فلسفتك الاجتماعية مفيدة لك ولغيرك .
ثالثا – اجعل فلسفتك الاجتماعية بناءة بمعنى ان تكون فلسفة مشجعة على اقامة علاقات اجتماعية جديدة وان تكون انت القطب المؤثر والمنشئ لتلك العلاقات الاجتماعية .
ويحسن بنا ان نعرض لبعض الفلسفات الاجتماعية التي يمكن ان تنتقي لنفسك واحدة منها , او ان تبتدع لنفسك فلسفة اجتماعية جديدة تماما غير ما نسرده عليك هنا :
اولا – فلسفة الزعامة او القيادة : فصاحب هذه الفلسفة يصر على ان يكون زعيما او قائدا لمجموعة من الافراد , فهو ينشئ جمعية او ناديا أو يلتحق بجمعية او بناد يسعى بمهاراته الاجتماعية نحو القبض على اعنة الجمعية او النادي واصحاب هذه الفلسفة يمكن ان يصل بعضهم الى مراتب القيادة السياسية العليا .
ثانيا –الفلسفة الاقتصادية : وأصحاب هذه الفلسفة يركزون على الجوانب الاقتصادية في الحياة , انهم يخططون لمشروعات اقتصادية واستثمارية بحيث تزداد أرصدتهم المالية التي يعمدون الى اعادة استثمارها.ومن اصحاب هذه الفلسفة يظهر الراسماليون واصحاب الصناعات وارباب التجارة.
ثالثا – فلسفة التأثير العقلي أو الوجداني: وأصحاب هذه الفلسفة يعمدون الى اللسان أو القلم أو الريشة أو الازميل سيؤثرون بها في الاخرين , واصحاب هذه الفلسفة يظهر منهم الشعراء والقاصون والكتاب والموسيقيون والمطربون والممثلون والمعلمون والفلاسفة والزعماء الدينيون وغيرهم ممن يؤثرون في عقول وقلوب الناس .
رابعا – فلسفة التكافل ورعاية المحتاجين : وهي فلسفة تقوم على رعاية وخدمة وسد حاجات الموزين والفقراء والجرحى والايتام ولارامل والشيوخ والاسرى والمنكوبين وأصحاب العاهات والاحداث والسجناء ونزلاء المستشفيات النفسية والعقلية وغيرهم من الاشخاص الذين يحتاجون الى العطف والرعاية والمساندة .
خامسا – الفلسفة الفردية الاجتماعية : وهي فلسفة مؤداها أني برعايتي لنفسي فأني قد اكون بذلك قد خدمت المجتمع أحسن خدمة , والفردية هنا قد لاتنصب على الفرد الواحد , بل على الاسرة باعتبارها فردا في مجتمع به اسر اي افراد عديدون , فاهتمام الزوج بزوجته واولاده يعتبر العمود الفقري لهذه الفلسفة الاجتماعية .
          

المصدر: شباب عا نت

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!