يتسبب فيروس كورونا الجديد المعروف بكوفيد-19 (بالإنجليزية: Covid-19) بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة (بالإنجليزية: Severe Acute Respiratory Syndrome  or SARS) التي لها أثر كبير على المرضى المصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية، وقد تتسبب العدوى بفيروس كوفيد-19 بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بتطوير مضاعفات تتعلق بالقلب والأوعية الدموية مثل الإصابة بالتهاب عضلة القلب (بالإنجليزية: Myocarditis).

يعد المرضى المصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية معرضين بشكل أكبر لخطر الإصابة بالعدوى الشديدة لفيروس كوفيد-19 والوفاة، وقد ارتبطت الآثار الجانبية للعلاجات التي لا تزال تحت التجارب لعدوى فيروس كوفيد-19 في التسبب بمشاكل القلب والأوعية الدموية.

قد يؤدي توفير الرعاية الطبية لمرضى القلب والأوعية الدموية إلى تعريض العاملين في مجال الرعاية الصحية لخطر الإصابة بعدوى فيروس كوفيد-19 أو نقلها للآخرين.

طريقة وصول فيروس كوفيد-19 إلى القلب

يستهدف فيروس كوفيد-19 الجهاز التنفسي في المقام الأول، ويتمكن الفيروس من الدخول إلى الخلايا من خلال استخدام حسكاته المشابه للأشواك والتي تسمى ببروتينات الحسكة (بالإنجليزية: S-spike) في الارتباط بمستقبلات خاصة تسمى بمستقبلات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 (بالإنجليزية: Angiotensin-converting Enzyme 2  or ACE 2) التي يعتبرها الفيروس مدخلاً للخلية لكي يتمكن من استنساخ ملايين النسخ من نفسه.

يوجد نوعين من مستقبلات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 في خلايا الرئة، ولكن يمكن أن توجد هذه المستقبلات في أنواع أخرى من الخلايا غير الخلايا الرئوية مثل: خلايا البطانة الغشائية للأوعية الدموية، مما يعني أن الفيروس يمكن أن يصيب أعضاء أخرى من الجسم غير الجهاز التنفسي مثل القلب.

يطلق فيروس كوفيد-19 في إفرازات الجهاز التنفسي، ويمكن لأي شخص أن يصاب بالعدوى من خلال ملامسة الأغشية المخاطية الموجودة في العينين، أو الأنف، أو الفم لأي شيء ملوث بإفرازات الجهاز التنفسي التي تحمل الفيروس، وهناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن الفيروس ينتقل عن طريق الهواء، مما دفع العديد من البلدان إلى اتباع نظام حظر التجول لاحتواء العدوى ومنع انتشارها.

تشير الكثير من الأدلة إلى أن إصابة القلب بالفيروس تعد أمر شائع لدى المرضى المصابين بعدوى فيروس كوفيد-19، خاصة المرضى الذين يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية الذين يتلقون الرعاية داخل المستشفيات.

اقرأ أيضاً: كيف تحمي نفسك من أمراض القلب؟

تأثير فيروس كوفيد-19 على القلب

تتسبب العدوى الفيروسية بمختلف أنواعها في استجابة التهابية جهازية، وتختلف درجة الالتهاب تبعاً لاختلاف نوع الفيروس، ويبدو أن فيروس كوفيد-19 يتسبب باستجابة التهابية كبيرة تسمى بعاصفة السيتوكين (بالإنجليزية: Cytokine Storm)، وتنطوي عملية تطور عاصفة السيتوكين على إفراط الجسم في إنتاج السيتوكينات (مواد كيميائية توجه الجهاز المناعي إلى مهاجمة الفيروس)، مما قد يتسبب في رد فعل مناعي كبير يمكن أن يؤدي إلى مهاجمة الجهاز المناعي للخلايا السليمة في الجسم، مما يسبب الالتهاب الشديد وانخفاض ضغط الدم (بالإنجليزية: Hypotension)، وزيادة القابلية لحدوث الجلطات، ويمكن أن يؤثر هذا الالتهاب على القلب بالطرق التالية:

  • يعد الالتهاب من عوامل الخطر الكبيرة التي يمكن أن تتسبب في عدم استقرار وتمزق لويحات (الرواسب الدهنية) الشرايين التاجية (الشرايين التي تغذي عضلة القلب بالدم)، مما قد يتسبب في تطوير النوع الأول من انسداد عضلة القلب(بالإنجليزية: Acute Myocardial Infraction or AMI).
  • يمكن أن تتسبب العدوى الفيروسية وخاصة عدوى الفيروسات التاجية المعروفة بفيروسات الكورونا في فرط تخثر الدم الذي يعد من العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بانسداد عضلة القلب، مما يعني أن المرضى الذين يعانون من عدوى فيروس كوفيد-19 يعدون أكثر عرضة لخطر تطوير انسداد عضلة القلب الناجم عن انسداد الشريان التاجي مع ارتفاع في القطعة ST في مخطط كهرباء القلب ECG (بالإنجليزية: Electrocardiogram).
  • ارتفاع في القطعة ST في مخطط كهرباء القلب دون وجود انسداد في عضلة القلب ناجم عن انسداد الشريان التاجي.
  • التهاب عضلة القلب مع ارتفاع مستويات التربونين (إنزيم قلبي يفرز عند تعرض عضلة القلب للتلف)، وارتفاع في القطعة ST في مخطط كهرباء القلب مما يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بقصور القلب (بالإنجليزية: Heart Failure) و الصدمة قلبية المنشأ (بالإنجليزية: Cardiogenic Shock).

أعراض تطور أمراض القلب والأوعية الدموية لدى مرضى كوفيد-19

في الوقت الحاضر لا توجد أي تقارير تشير إلى ظهور أعراض أمراض القلب والأوعية الدموية بشكل خاص لدى المرضى المصابين بعدوى فيروس كوفيد-19، وغالباً ما يعاني من المرضى من أعراض الالتهابات الفيروسية للمجاري التنفسية العلوية مثل التهاب الحلق، والحمى، والسعال الجاف، كما يمكن أن تظهر أعراض هضمية لدى بعض المرضى مثل الغثيان، أو القيء، أو الاسهال، وقد يعاني بعض المرضى في حالات نادرة من الصداع والارتباك.

يمكن أن تظهر الأعراض المعروفة للعدوى بشكل كبير لدى كبار السن والأشخاص المصابين بضعف الجهاز المناعي، كما تمت ملاحظة أن التغيير في حاسة الذوق أو فقدان حاسة الشم يمكن أن تكون من الأعراض المبكرة لعدوى فيروس كوفيد-19. تتطور أعراض أمراض القلب والأوعية الدموية لدى المرضى في مراحل متقدمة من المرض، وعادة ما تظهر لدى المرضى الذين يتلقون الرعاية نتيجة للعدوى بفيروس كوفيد-19 في المستشفى.

تختلف أعراض أمراض القلب والأوعية الدموية حسب الحالة المحددة التي يعاني منها المريض، وفي بعض الحالات قد لا تتسبب أمراض القلب والأوعية الدموية في إطلاق أية أعراض في البداية خاصة لدى المرضى الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم والسكري، ويمكن أن تشمل الأعراض الشائعة لأمراض القلب والأوعية الدموية على ما يلي:

  • الشعور بألم أو ضغط في الصدر مما قد تشير إلى الإصابة بالذبحة الصدرية (بالإنجليزية: Angina).
  • الشعور بالألم أو الانزعاج في الذراعين، أو الكتف الأيسر، أو المرفقين، أو الظهر.
  • الشعور بالألم أو الخدر في الفك.
  • ضيق النفس (بالإنجليزية: Dyspnea).
  • الغثيان.
  • التعب والدوخة.
  • العرق البارد.

اقرأ أيضاً: احتشاء القلب : ما هي ؟ و كيف تعالج ؟؟- الجلطة القلبية

عوامل تزيد من خطر تطور أمراض القلب والأوعية الدموية لدى مرضى كوفيد-19

تشمل العوامل التي تزيد من خطر تطور أمراض القلب والأوعية الدموية لدى المرضى المصابين بعدوى كوفيد-19 على ما يلي:

  • أن يكون المريض ذكر.
  • التقدم في السن.
  • مرض السكري (بالإنجليزية: Diabetes Mellitus).
  • ارتفاع ضغط الدم (بالإنجليزية: Hypertension).
  • السمنة.
  • الالتهاب الرئوي المزمن (بالإنجليزية: Chronic Pneumonitis).
  • فرط تخثر الدم أو أهبة التخثر (بالإنجليزية: Thrombophilia).
  • الالتهابات الجهازية المزمنة.

دور الأدوية المستخدمة في علاج عدوى كوفيد-19 في الإصابة بأمراض القلب

لا يوجد علاج أو لقاح مضاد لعدوى فيروس كوفيد-19، ولا تزال معظم الأدوية في مراحل التجارب السريرية لاختبار سلامتها ومفعولها في علاج العدوى، وقد أثبتت التجارب بأن معظم الأدوية التي جربت لعلاج عدوى فيروس كوفيد-19 طورت آثار جانبية خطرة على القلب والأوعية الدموية، وتشمل هذه الأدوية ما يلي:

  • الكلوروكين (بالإنجليزية: Chloroquine) أو الهيدروكسي كلوروكوين (بالإنجليزية: Hydroxychloroquine) مع الأزيثروميسين (بالإنجليزية: Azithromycine)

تم دمج الأزيثروميسين مع منتجات الكلوروكين لتحسين أعراض عدوى كوفيد-19، ويعد الأزيثروميسين من الماكروليد (نوع من المضادات الحيوية)، ويعرف عن هذا النوع من المضادات الحيوية في التسبب بفترة QT الطويلة (أحد مشاكل كهرباء القلب)، كما يتسبب دمج الأزيثروميسين من الهيدروكسي كلوروكوين في تطوير فترة QT الطويلة (بالإنجليزية: prolonged QT interval)، بالإضافة إلى تسرع القلب البطيني متعدد الأشكال (بالإنجليزية: Torsade De Pointes) والمعروف أيضاً بضفيرة النتوءات.

يتفاعل فيروس كوفيد-19 مع نظام يعرف بالرنين أنجيوتنسين- ألدوستيرون (بالإنجليزية: Renin–Angiotensin–Aldosterone System or RAAS )، مما يؤدي إلى نقص البوتاسيوم في الدم الذي يزيد من قابلية الإصابة بمشاكل عدم انتظام ضربات القلب المختلفة، لذا يجب مراقبة نظم القلب لدى المرضى عند استخدام الأدوية مثل الأزيثروميسين والكلوروكين.

  • اللوبينافير (بالإنجليزية: Lopinavir) أو الريتونافير (بالإنجليزية: Ritonavir)

تصنف هذه الأدوية من عائلات مثبطات البروتياز، وتستخدم لعلاج عدوى فيروس العوز المناعي البشري/ الإيدز، وقد أثبتت التجارب بأن هذه الأدوية تتسبب في حدوث فترة QT الطويلة وإطالة PR (أحد مشاكل كهرباء القلب) مما يؤدي إلى الإصابة بالإحصار القلبي (بالإنجليزية: Atrioventricular Blocks or AVB) الذي يمنع تدفق كهرباء القلب بشكل سليم عبر أجزاء القلب، كما تتسبب هذه الأدوية بزيادة خطر الإصابة بالنزيف، ولم تظهر النتائج الحديثة أي فائدة لاستخدام هذه الأدوية في علاج عدوى فيروس كوفيد-،19، ولكن ما زالت بعض الدول تستخدمها كجزء من بروتوكول العلاج.

  • أدوية الميثيل بريدنيزولون (بالإنجليزية: Methylprednisolone)

تتسبب أدوية الميثيل بريدنيزولون في احتباس السوائل واضطرابات الكهارل في الجسم، وارتفاع ضغط الدم، وبشكل عام يجب تجنب استخدام الكورتيكوستيرويدات للمرضى الذين يعانون من عدوى فيروس كوفيد-19 بسبب الضرر المحتمل لهذه الأدوية وزيادتها لشراسة العدوى الفيروسية.

  • الإنترفيرون (بالإنجليزية: Interferon)

يمكن أن يتسبب استخدام دواء الإنترفيون في تسمم خلايا عضلة القلب واضطرابات في أنسجة القلب الموصلة.

  • الريميديسيفير (بالإنجليزية: Remdesivir)

تتم دراسة آثار العلاج بدواء ريميديسيفير على المرضى المصابين بعدوى فيروس كوفيد-19، ولا توجد حتى الآن معلومات محددة عن آثاره السلبية، ولكن في تجربة لعلاج مريض مصاب بالإيبولا تسبب الدواء للمريض بهبوط ضغط الدم وبطء القلب.

  • التوسيليزوماب (بالإنجليزية: Tocilizumab)

إن التوسيليزوماب هو دواء مضاد للأجسام المضادة انترلوكين 6 (بالإنجليزية: IL-6R Antibody) التي تعد نوع من السيتوكينات التي تتسبب في رد الفعل الالتهابي كبير عند الإفراط في إنتاجها في الجسم نتيجة لمهاجمة عدوى فيروس كوفيد-19 (عاصفة السيتوكين)، مما يساهم في تطور الإصابة بمتلازمة الضائقة التنفسية الحادة والوفاة في بعض الأحيان، كما أنه من المعروف بأن هذا الدواء يزيد من مستويات الكوليسترول التي تؤثر على القلب.

أقرأ أيضاً: عيوب القلب الخلقية

علاج أمراض القلب الناجمة عن عدوى كوفيد-19

اقترح الأطباء الصينين استخدام الأدوية الحالة للخثرات لعلاج المرضى الذين يعانون من ارتفاع في القطعة ST في مخطط كهرباء القلب (بالإنجليزية: ECG) لتجنيب العاملين في القسطرة القلبية التعرض لعدوى فيروس كوفيد-19، مع أنه لا ينصح بعلاج المرضى الذين يعانون من ارتفاع قطعة ST بالأدوية الحالة للخثرات، وقد برر الأطباء الصينيون هذه الطريقة للعلاج بأن التقارير الخاصة بالمرضى الذين يعانون من ارتفاع في القطعة ST في مخطط كهرباء القلب لا تظهر لديهم إصابة عند تصوير الأوعية الدموية التاجية، وإنما أظهرت التقارير لاحقاً بأنهم يعانون من التهاب عضلة القلب.

يعد التدخل التاجي الأساسي عن طريق الجلد (بالإنجليزية: Primary Percutaneous Coronary Intervention or PPCI)، وهي جراحة تستخدم لعلاج تضييق الشرايين التاجية، معيار الرعاية المعتمد لمرضى الذين يعانون من النوع الأول من انسداد عضلة القلب، ويمكن استخدام الأدوية الحالة للخثرات في حال عدم التمكن من إجراء التدخل التاجي عن طريق الجلد، ولكن لدى بعض المرضى قد تفشل الأدوية الحالة للخثرات في تحليل الخثرة لذا يلجأ الأطباء إلى التدخل التاجي عن طريق الجلد لإنقاذ المريض على الرغم من وجود خطر إصابة المريض بالنزيف.

عند الافتراض بأن المريض يعاني من انسداد عضلة القلب نتيجة لارتفاع قطعة ST في مخطط كهرباء القلب وتتم معالجته بالأدوية الحالة للخثرات، وتظهر النتائج فيما بعد بأن المريض يعاني من التهاب عضلة القلب فإن المريض في هذه الحالة سيعاني من الآثار السلبية للأدوية الحالة للخثرات، دون أن يحصل على أي فائدة في علاج الحالة القلبية الناجمة عن العدوى، بالإضافة إلى ذلك سيستمر ارتفاع القطعة ST في مخطط كهرباء القلب بعد تلقي الأدوية الحالة للخثرات، لذلك سيحتاج هؤلاء المرضى إلى التدخل التاجي عن طريق الجلد لإنقاذهم حتى قبل التأكد من إصابتهم بالتهاب عضلة القلب.

اقرأ أيضاً: الصدفية تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب