‘);
}

تأسيس مجتمع المسلمين بعد الهجرة

لم تكن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته حدثاً عادياً عابراً، بل كانت حدثاً مؤثراً في العرب والمسلمين بشكلٍ خاصّ، وفي العالم أجمع أيضاً، فقد كانت بناءً لخير أمةٍ أخرجت للناس، وقد أشرف الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه على هذا البناء، واعتمد في ذلك على مقوّمات أساسية، أوّلها بناء المكان الذي سيتربّى فيه المسلمون، ويجتمعون فيه، ويتعلمون فيه أمور دينهم وعقيدتهم، والمكان الذي سيخرج منه المجاهدون حاملين لراية الجهاد، مضحّين بكلّ ما يملكون من أجل دين الإسلام، والمكان الذي سيجتمع فيه المسلمون خمس مرات في اليوم والليلة ليقيموا صلواتهم ويعقدوا جُمَعهُم، وهذا المكان هو المسجد بلا شكّ، فمن المعلوم أنّ أوّل عملٍ قام به الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة هو الشروعُ في بناءِ مسجدٍ للمسلمين، والدافع لهذا الأمر أنّ المسلمين يحتاجون إلى التماسك، والوحدة، والترابط فيما بينهم في تأسيس مجتمعهم الجديد، خصوصاً في تلك المرحلة الخطيرة والعصيبة التي كانت تلحق بهم.[١]

أمّا المُقوّم والأساس الثاني الذي اعتنى الرسول صلى الله عليه وسلم ببنائه وتأسيسه في المجتمع المسلم الجديد فهو التآخي بين المسلمين جميعاً، فقد آخى عليه الصلاة والسلام بين المهاجرين والأنصار، حتى ضرب الأنصار مثالاً عظيماً في الأخوّة، والوحدة، والإيثار، والمؤاخاةُ أمرٌ مهمٌّ جداً، فكما أنّ البيت لا يمكن أن يُبنى ويقوم بحجارة متفرقة، فإنّ الأمّة لا يمكن أن تنهض وتقوى برجالٍ متنازعين ومختلفين فيما بينهم، ومن المهمّ أيضاً أن تكون وحدة أفراد الأمة على عقيدةٍ صحيحةٍ، وفكرٍ واحد، لأنّ الوحدة التي تقوم على أساس العقيدة الخاوية أو الدين المفكّك يكون مصيرها الهلاك بلا شكّ، واستمرّ الرسول صلى الله عليه وسلم في تدشين مقوّمات المجتمع المسلم الجديد، فوضعَ الدستورَ الإسلامي الذي يحكم بين المسلمين وغيرهم، فكان أوّلَ دستورٍ مُنصفٍ عَرَفته البشريّة، وكتب معاهدة اليهود وإقرارهم على دينهم وأموالهم، وشرط عليهم فيه شروطاً واشترط لهم أخرى كذلك، فكان ذلك دستوراً بين المسلمين ومن يعيش معهم في المدينة من أقليات.[١]