عمل الرسول عندما كان يعيش مع عمه
Share your love
}
عمل الرسول عندما كان يعيش مع عمه
اشتغال الرسول برعي الغنم
كان عمّ النبي- صلّى الله عليه وسلّم- أبو طالب فقيراً، ممّا دفع سيّدنا محمّداً للعمل؛ كي يعتمد على نفسه، ويساعد عمّه، فاشتغل برعي الأغنام، تلك المهنة التي تتناسب مع عمره، والتي كانت مهنة الأنبياء من قبله، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا رَعَى الغَنَمَ، فقالَ أصْحابُهُ: وأَنْتَ؟ فقالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أرْعاها علَى قَرارِيطَ لأهْلِ مَكَّةَ).[١][٢] وقد اقتضت حكمة الله -تعالى- أن يعمل الأنبياء برعي الأغنام قبل بعثتهم لحِكمٍ عدة، وفيما يأتي بيان ذلك:
- التدرّب على تحمّل مسؤولية رعي الأغنام، والتي تُؤهّلهم لقيادة الأُمم مستقبلاً.[٣]
- تحقّق الصبر والرِّفق لديهم؛ لأنّ الراعي يصبر في رعي الأغنام على جمْعها بعد تفرّقها في المراعي، ونقلها من مكانٍ إلى آخر، وحمايتها من الاعتداء عليها، والتعامل معها حسب طبيعتها، مما يدرّبه على الصبر على أمّته، وحسن التعامل مع رعيّته، كلّ بما يتناسب معه ويليق به، فيكون من الأنسب لو تحمّل مسؤولية الأغنام ثمّ تدرّج منها ليكون نبيّاً يرعى أمّته.[٣][٤]
- ضعْف الأغنام أكثر من الإبل والبقر، وسهولة تفرّقها، وصعوبة التحكّم بها، وعدم القدرة على ربطها كما هو الحال في الإبل والبقر؛ لذلك خصّ الأغنام دون غيرها من المواشي ليرعاها الأنبياء.[٣][٥]
- تحقيق الكسْب المادي من عمل اليد الذي يساعد على الاعتماد على الذات، وهو أشرف أنواع الكسْب، إذ قال رسول الله: (ما أكَلَ أحَدٌ طَعامًا قَطُّ، خَيْرًا مِن أنْ يَأْكُلَ مِن عَمَلِ يَدِهِ، وإنَّ نَبِيَّ اللَّهِ داوُدَ عليه السَّلامُ، كانَ يَأْكُلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ).[٦][٣]
- اتّصاف الأنبياء بالتواضع، والامتنان لله -عزّ وجلّ- قبل البعثة وبعدها، فالرعي عملٌ مليءٌ بالتعب والمشقّة، ويكون تحت أشعة الشّمس وفي البرد، فهو عملٌ يدفع صاحبه إلى التواضع، فينعكس ذلك على تعامله مع الرعيّة على اختلاف أجناسهم وطبقاتهم.[٧]
- كسْب المعرفة المتعلّقة بالتعامل مع الناس ومجالستهم، وتبادل أطراف الحديث معهم، فالرُّعاة يجلسون مع بعضهم في أوقات راحتهم ويتسامرون فيما بينهم، فيكون دافعاً للنبيّ بعد البعثة أن يجلس مع النّاس ويدعوهم بالطريقة التي تتناسب مع كلٍّ منهم.[٧]
- الشجاعة، فالراعي يتحمّل مسؤولية حماية أغنامه في كل وقت، وبذلك يكون شجاعاً في الدعوة؛ كي يتصدّى للمعارضين الذين يقفون في وجه دعوته.[٧]
- إتاحة الفرصة للراعي للتأمّل والتفكّر في خلق الله والمظاهر الكونية التي أبدع الله في خلقها وأحكم وجودها.[٨]
- التعامل مع الرّعاة البسطاء الضعفاء، حيث إن الراعي يتعامل مع أقرانه من الرّعاة بالوُدّ والشفقة بعيداً عن تكبّر أهل الجاهلية.[٩]
‘);
}
عمل الرسول بالتجارة
عَمِل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالتجارة برفقة عمّه أبي طالب، واشتغل بالتجارة لخديجة -رضي الله عنها- داخل مكة وخارجها،[١٠] وشاءت إرادة الله أن يشتغل الأنبياء بالمِهن التي يشتغل بها باقي البشر، وعَمِل رسول الله بالتّجارة قبل البعثة،[١١] ثم جاء الإسلام وشرع التجارة، ودلّ على مشروعيّتها بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والإجماع، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)،[١٢] كما عمل بالتّجارة معظم الصحابة ومنهم العشرة المبشرين بالجنة، وتُعدّ من أفضل أنواع الكسب.[١٣]
أحداث حصلت للرسول أثناء رحلته مع عمه
خرج رسول الله مع عمّه أبي طالب في تجارةٍ إلى الشام، فلمّا وصلوا إلى مكانٍ يسكن فيه بحيرا الرّاهب، خرج إليهم على خلاف عادته، وأخذ يتفقّد القوم حتى دخل بينهم، فلمّا وصل إلى رسول الله أخذ بيده وقال: “هذا سيّد العالمين، هذا رسول ربّ العالمين”، فسأله سادة قريش كيف عرف ذلك، فأخبرهم عن الغمامة التي تظلّه ولا تفارقه منذ أن رآهم، وأنّ ذلك مكتوبٌ عندهم في كتبهم، وأنّه يعرف محمّداً من خاتم النبوّة الذي في كتفه، ثم ذهب وصنع لهم طعاماً، وطلب بحيرا الراهب من عمّه أبي طالب أن لا يرسله إلى الرّوم حتى لا يقتلوه، وحذّره من اليهود،[١٤][١٥] وبينما هو يطلب ذلك إذ أقبل رجالٌ من النصارى؛ ليصدّوا محمّداً، فدافع عنه بحيرا الراهب وصدّهم،[١٦] وناشد عمَّه حتى يرجعه، فردّه إلى مكة، وهذا دليلٌ على أنّ سيدنا محمداً كان قد ورد ذكره في الكتب السابقة، ممّا دفع بحيرا الراهب أن يعرف ما يتميّز به -صلّى الله عليه وسلم-.[١٤]
وقد رافق رسولَ الله في رحلته إلى الشام في يومٍ من الأيام غلام خديجة بنت خويلد مَيْسرة، فلمّا عاد أخبر خديجة بما رآه من تظليل الغمام له، وصدقه، وأمانته،[١٧] فلمّا طلب منه رجلٌ أن يحلف باللّات والعزّى لأغراض التجارة؛ رفض محمّدٌ ذلك وأخبره أنّه معرِضٌ عنهما، فوافق الرجل وأتمّ البيع، وكسب النبيّ أرباحاً كثيرة مباركة، وقد أخبر راهبٌ مَيسرة أن هذا الرجل قد ورد ذكره في الكتب السابقة، وأنه نبيُّ آخر الزمان، ولمّا وصل النبيّ إلى خديجة رأت الغمامة التي تظلّه، فسألت مَيسرة عن أمره، فحدّثها عمّا واجهه في الرحلة،[١٨] وبسبب أمانته وحسن أخلاقه طلبت السيّدة خديجة منه الزواج، فوافق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، وتزوّجها.[١٧]
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2262، صحيح.
- ↑مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، صفحة 12، جزء 1. بتصرّف.
- ^أبتثموسى العازمي (2011)، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة الأولى)، الكويت: المكتبة العامرية، صفحة 114-115، جزء 1. بتصرّف.
- ↑محمد بن علان (2004)، دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (الطبعة الرابعة)، بيروت: دار المعرفة، صفحة 44، جزء 5. بتصرّف.
- ↑أحمد غلوش (2003)، السيرة النبوية والدعوة إلى الله في العهد المكي (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 219-220. بتصرّف.
- ↑رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المقدام بن معدي كرب، الصفحة أو الرقم: 2072، صحيح.
- ^أبتأحمد غلوش (2003)، السيرة النبوية والدعوة إلى الله في العهد المكي (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 218. بتصرّف.
- ↑أحمد غلوش (2003)، السيرة النبوية والدعوة إلى الله في العهد المكي (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 219. بتصرّف.
- ↑سعد المرصفي (2009)، الجامع الصحيح للسيرة النبوية (الطبعة الأولى)، الكويت: مكتبة ابن كثير، صفحة 483، جزء 2. بتصرّف.
- ↑محمد المنجد (2009)، الإسلام سؤال وجواب ، صفحة 117، جزء 9. بتصرّف.
- ↑عمر الأشقر (1989)، الرسل والرسالات (الطبعة الرابعة)، الكويت: مكتبة الفلاح، صفحة 76. بتصرّف.
- ↑سورة النساء، آية: 29.
- ↑سعيد بن مسفر، دروس للشيخ سعيد بن مسفر، صفحة 17، جزء 60. بتصرّف.
- ^أبمحمد المنجد، دروس للشيخ محمد المنجد، صفحة 15-16، جزء 255. بتصرّف.
- ↑نور الدين الحلبي (1427)، السيرة الحلبية = إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 173، جزء 1. بتصرّف.
- ↑بَحرق اليمني (1419)، حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار (الطبعة الأولى)، جدة: دار المنهاج، صفحة 101. بتصرّف.
- ^أببَحرق اليمني (1419)، حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار (الطبعة الأولى)، جدة: دار المنهاج، صفحة 101-102. بتصرّف.
- ↑عبد العزيز بن إبراهيم (1993)، المختصر الكبير في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم (الطبعة الأولى)، عمان: دار البشير، صفحة 30. بتصرّف.