فن اللامبالاة

لقد اهتممت في حياتي بالعديد من الأمور والأشخاص؛ لكنَّني في بعض الأحيان لم أبالي إطلاقاً بأي شيء أو شخص، وهذه اللامبالاة هي التي أحدثت كل الفرق. هذا المقال مأخوذ عن الكاتب الأمريكي "مارك مانسون" (Mark Manson)، والذي يحدثنا فيه عن فن اللامبالاة، والذي هو موضوع كتابه الذي يحمل الاسم نفسه.

Share your love

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب الأمريكي “مارك مانسون” (Mark Manson)، والذي يحدثنا فيه عن فن اللامبالاة، والذي هو موضوع كتابه الذي يحمل الاسم نفسه.

غالباً ما يقول الناس أنَّ مفتاح الثقة بالنفس والنجاح في الحياة هو “اللامبالاة”؛ ففي الواقع، غالباً ما نشير إلى الأشخاص الأكثر قوة وإثارة للإعجاب، والذين نعرفهم من جهة قدرتهم على عدم الاكتراث بأي أمر يحدث خارج إطار تركيزهم أو بالأحرى “اللامبالاة”، مثل شخص يعمل في عطلة نهاية الأسبوع للارتقاء بعمله، أو ذاك الذي لا يكترث بما يُقال عنه ويستمر في خطواته نحو التقدُّم، أولئك الذين يجيدون ببساطة “فن اللامبالاة”.

من المحتمل أنَّك تعرف شخصاً ما في حياتك لا يُظهر اهتماماً بأي شيء ويستمر في تحقيق إنجازات مدهشة، ولعلَّك مررت بفترة في حياتك لم تبالِ فيها وحققت إنجازات مذهلة، لقد فعلتُ ذلك أيضاً عندما تركت وظيفتي في القطاع المالي بعد ستة أسابيع وأخبرت مديري أنَّني سأكتب تدوينات على الإنترنت، والشيء نفسه عندما قررت بيع معظم ممتلكاتي للانتقال إلى أمريكا الجنوبية، هل اكترثت لشيء؟ إطلاقاً، لقد ذهبت وفعلت ما أردت فعله غير مبالٍ بما سيحدث.

النقطة الهامَّة هنا هي أنَّ معظمنا يكافح طوال حياته من خلال الاهتمام بالمواقف التي لا تستحق، نحن نهتم بعامل محطة الوقود “الوقح” الذي أعاد لنا بقية نقودنا على هيئة نقود معدنية، ونهتم عندما يُلغى برنامج يعجبنا على التلفاز، ونهتم عندما لا يسألنا زملاؤنا عمَّا فعلنا في عطلة نهاية الأسبوع، ونهتم عندما يمطر الجو وكان من المفترض أن نذهب للركض في الصباح.

إنَّنا نبعثر اهتمامنا في كل مكان بلا هدف، وهذه هي المشكلة؛ لأنَّنا عندما نبالي بالكثير من الأمور، ونختار أن نهتم بكل شيء، نشعر باستحقاقنا الدائم للشعور بالراحة والسعادة في جميع الأوقات؛ وهكذا تخدعنا الحياة.

في الواقع، تساعدنا القدرة على منح اهتمامنا للمواقف التي تستحق فحسب على جعل الحياة أسهل كثيراً، وعلى جعل الإخفاق أقلَّ إفزاعاً، وجعل الرفض أقل إيلاماً؛ ونتيجة لذلك تصبح الحياة أفضل بكثير بعدم اكتراثنا للأمور التافهة، وتوجيه اهتمامنا بوعي إلى ما يستحق فعلاً. وما لا ندركه هو أنَّ هناك فناً رائعاً يُسمَّى “اللامبالاة”.

لا يولد الناس مهتمين بشيء إطلاقاً؛ لكنَّ الواقع يقول إنَّنا مخلوقون على نحو يجعلنا نولي اهتماماً لأشياء أكثر بكثير ممَّا يجب، فهل رأيت في يوم من الأيام طفلاً يبكي لأنَّ لون قبعته الزرقاء ليس الأزرق الذي يريده بالضبط؟ حقاً، هل هناك أسخف من هذا؟

إنَّ تنمية القدرة على التحكُّم في توجيه اهتمامك هي أساس القوة والاستقامة؛ ويجب علينا أن نصقل قدراتنا على عدم الاكتراث بالأمور السخيفة على مدار سنوات وعقود.

قد يبدو التحكُّم في هذا الأمر أمراً سهلاً؛ ولكنَّه ليس كذلك؛ ففي معظم الأوقات، يهتم معظمنا بتفاهات الحياة البسيطة المليئة بالدراما غير الهامَّة، فنعيش ونموت ونحن منشغلون بالمشتتات والتقلُّبات التي لا قيمة لها. ولكن هذه ليست طريقة جيدة لنعيش بها الحياة.

شاهد بالفيديو: 7 أمور لن تهتمّ لأمرها كثيراً في السنين العشر القادمة

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/mOgH2rxv25Q?rel=0&hd=0″]

لا تعني اللامبالاة أن تكون مختلفاً، بل أن تكون مرتاحاً لكونك مختلفاً:

عندما يتصور معظم الناس حالة عدم المبالاة، يتصورون نوعاً من اللامبالاة المثالية والهادئة تجاه كل شيء، يتصورن هدوءاً يقوى على إخماد كل العواصف.

وهذا خاطئ؛ فليس في عدم الاكتراث شيء يدعو إلى الإعجاب أو الثقة؛ وعادة ما يكون هؤلاء الأشخاص ضعيفين وخائفين وكسولين، كما يتجاهلون كل شيء تجاهُلاً تاماً خوفاً من العالم من حولهم، ومن عواقب خياراتهم، وبالتالي لا ينتجون شيئاً، ويظلون مختبئين دون حراك في حفرة صنعوها لأنفسهم، ويُلهون أنفسهم عن هذا الشيء البائس الذي يتطلب وقتهم وجهدهم، ألا وهو “الحياة”.

منذ فترة، احتالت إحدى صديقات أمي عليها فسلبتها مبلغاً كبيراً من المال، لو لم أكترث لهذا، لمضيت أشرب قهوتي وأتابع حلقة جديدة من مسلسلي المفضَّل؛ ولقلت لها: “يؤسفني ما حدث يا أمي”.

لكنِّي غضبت لما حدث، وقلت: “لا، لن نقبل ذلك يا أمي، وسوف نذهب للمحامي لكي نلاحق تلك المحتالة، لماذا؟ لأنَّني سوف أدمِّر حياتها إذا اضطررت لذلك”.

يوضِّح هذا المثال مسألةً خفية تتعلق باللامبالاة؛ فعندما نقول: “انتبهوا! ذلك الشخص لا يبالي بشيء”، فنحن لا نقول أنَّ هذا الشخص غير مكترث بأي شيء على الإطلاق، فعلى العكس تماماً، نعني بهذا أنَّ هذا الشخص لا يهتم بالشدائد عندما تعترض سبيله إلى أهدافه.

والواقع أنَّ التغلُّب على الصعاب أمر مثير للإعجاب، ويتمثَّل في أولئك الأشخاص الذين لا يبالون بالمشاق أو الإخفاق، والأشخاص الذين يكتفون بالضحك ثم القيام بما تمليه عليهم قناعتهم على أي حال، ويفعلون هذا لمعرفتهم أنَّه الشيء الصحيح، يعرفون أنَّ هذا أهم منهم، ومن مشاعرهم، ومن كبريائهم، ومن اعتزازهم بأنفسهم، إنَّهم يقولون لكل شيء غير هام في الحياة: “فلتذهب إلى الجحيم”، ويحتفظون باهتمامهم بالأمور الهامَّة حقاً، كالأصدقاء، والعائلة، والهدف، وأي شيء يحبونه؛ ونتيجة لذلك يحوزون على اهتمام الآخرين في المقابل.

كي لا تبالي بالصعاب، لا بد أن تبالي أولاً بشيء أكثر أهمية منها:

لقد كتب “إريك هوفر” (Eric Hoffer) ذات مرة: “من المرجح أن يهتم المرء بشؤونه عندما يكون الأمر يستحق الاهتمام، وعندما لا يكون الأمر كذلك، فإنَّه يستبعد شؤونه التي لا قيمة لها من خلال الاهتمام بشؤون الآخرين”.

تخيَّل أنَّك في أحد المتاجر، فرأيت سيدة مسنَّة تصرخ على موظف المحاسبة وتوبُّخه لأنَّه لم يقبل كوبون شراء قيمته 30 سنتاً؛ لماذا قد تهتم هذه السيدة بالأمر؟ إنَّها 30 سنتاً فحسب.

سوف أخبركم عن السبب: لعلَّ تلك السيدة ليس لديها شيء تمضي فيه أيامها أفضل من الجلوس في المنزل وقص هذه الكوبونات، إنَّها عجوز وحيدة، وأولادها حمقى لا يزورونها أبداً، وراتبها التقاعدي منخفض جداً، كما أنَّها لا تستطيع الحركة دون أن يصيبها ألم في أسفل ظهرها، ومن المحتمل أن تموت وهي وحيدة.

ولذا تقص هذه الكوبونات، فهذا كل ما لديها، إنَّها وحيدة مع كوبوناتها تلك. وهذا هو الأمر الوحيد الذي تهتم به؛ فلا شيء آخر يستحق أن يشغل اهتمامها؛ ونتيجة لذلك عندما يرفض موظف المحاسبة ذو الـ 17 عاماً قبول كوبون منها، ستنفجر غاضبةً في وجهه، وستمطره بكل خيبات الأمل التي تشعر بها دفعة واحدة، وستنهال عليه عواصف من كلمات نارية من قبيل: “في أيام شبابي، كان الناس يظهرون مزيداً من الاحترام”.

إذا وجدت نفسك دائماً ما تبدي الكثير من الاهتمام لأشياء ثانوية تسبِّب لك الانزعاج، كصورة جديدة لصديقك السابق على “فيسبوك” (Facebook)، ومدى سرعة ضعف البطاريات سريعاً في جهاز التحكم عن بُعد، وتضييع فرصة شراء عبوتين من معقم اليدين بثمن عبوة واحدة، فمن المحتمل أنَّك تعيش حياة بلا مغزى ليس فيها ما يستحق اهتماماً حقيقياً، وهذه هي مشكلتك الحقيقية، وليس أي شيء آخر.

في الحياة، يجب أن نبدي اهتمامنا بشيءٍ ما؛ فمن الصعب للغاية عدم الاهتمام بأي شيء البتة؛ ولكنَّ السؤال ببساطة هو: كيف ننتقي الأشياء التي نمنحها اهتمامنا؟ والفكرة هي أنَّ علينا الاكتراث بالأمور في حياتنا بحكمة ووعي.

يمكننا الاهتمام بعدد محدود من الأمور، فانتبه إلى أين ومن تمنح اهتمامك:

عندما نكون صغاراً، نمتلك الكثير من الطاقة، ونرى كل شيء جديداً ومثيراً، ويبدو كل شيء هاماً للغاية؛ ونتيجة لذلك نبالي بأشياء كثيرة جداً، فنهتم بكل شيء وكل شخص، ونكترث لما يقوله الناس عنَّا، وما إذا كانت جواربنا تتناسب مع ملابسنا أو لا، حتى أنَّنا نهتم بلون بالونات عيد ميلادنا.

ومع تقدمنا ​​في السن، نكتسب المزيد من الخبرة، ونبدأ في ملاحظة أنَّ معظم هذه الأمور ليس لها تأثير دائم في حياتنا، فلم يعُد الأشخاص الذين كنا نهتم بآرائهم اهتماماً كبيراً موجودين في حياتنا الآن، ويتضح لنا أنَّ حالات الرفض المؤلمة التي تعرضنا لها في وقتٍ ما لم تعُد تؤثر فينا اليوم، كما ندرك أنَّ الناس لا ينتبهون كثيراً إلى تفاصيلنا السطحية، فنميل إلى الاهتمام بأنفسنا وعدم المبالاة بآرائهم.

كما نصبح في جوهرنا أكثر انتقائية فيما يتعلق بالأمور التي نولِيها اهتمامنا؛ وهذا ما يمكننا أن نسمَّيه “النضج”؛ وهو أمر رائع حريُّ بك أن تجرِّبه في وقتٍ ما، النضج هو ما يحدث عندما يتعلم المرء ألَّا يلقي بالاً سوى بما هو جدير بالاهتمام، وكما قال “بانك مورلاند” (Bunk Moreland) في مسلسل “ذا واير” (The Wire) لشريكه المحقق “ماكنولتي” (McNulty): “هذا ما ستحصل عليه عندما تهتم بأمر ليس من شأنك الاهتمام به”.

ثم يبدأ شيء آخر في التغير مع تقدُّمنا في السن ومع بلوغ منتصف العُمر، وهو انخفاض مستوى طاقاتنا، فتترسَّخ شخصياتنا، ونعرف من نحن، وتتلاشى رغبتنا في تغيير الأمور الحتمية في حياتنا.

وعلى نحوٍ غريب، يكون هذا نوعاً من التحرُّر بالنسبةِ إلينا؛ فلا نعود بحاجة إلى الاهتمام بكل شيء، ونتقبَّل الحياة بحلوها ومرها، فيدرك المرء منا أنَّه لن يتوصَّل بنفسه إلى علاج لمرض السرطان، وأنَّه لن يسافر إلى القمر؛ وهذا أمر جيد.

تستمر الحياة، ونصبح أكثر ميلاً إلى توفير اهتمامنا إلى الأمور الجديرة بالاهتمام فعلاً، كعائلاتنا، وأصدقائنا المقربين، وشركائنا في أنشطتنا المفضَّلة، ويصبح هذا كافياً تماماً؛ ويجعلنا تبسيط الأمور هذا سعداء حقاً.

وفي ذلك الحين، تنفد طاقاتنا للاهتمام بالأمور، ونكرِّس الاهتمام القليل المتبقي لجوانب حياتنا والأمور البسيطة والدنيوية التي تزداد صعوبة، مثل أين سنتناول الغداء، ومواعيد الأطباء، وكوبونات الحسومات في المتجر، ومحاولة عدم الانجراف إلى النوم أثناء القيادة، وهذه المخاوف العملية.

ثم في أحد الأيام، نأمل ونحن على فراش الموت أن نُحاط بالأشخاص الذين منحناهم اهتمامنا طوال حياتنا؛ وأولئك القلائل الذين ما زالوا يهتمون بنا.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!