‘);
}

فوائد من خُطبة حجّة الوداع

ترسيخ مبدأ المساواة والكرامة الإنسانيّة

قرّر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في خُطبة الوداع مبدأ المساواة بين الناس، دون التفريق بينهم على أيّ أساسٍ؛ سواء اللون، أو العِرْق، أو المكانة الاجتماعية؛ فالكلّ في ميزان الإسلام سواءٌ، لا تفرقة ولا تفاضُل بينهم إلّا بمعيارٍ واحدٍ؛ ألا وهو التقوى، وهو الذي أكّد عليه الله -تعالى- بقَوْله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)؛[١] فالتقوى سبب الفلاح في الدُّنيا والآخرة، وهي سبيل نَيْل الحسنات، والرِّفعة في الدرجات، وهي تتحقّق في القلوب؛ بالاستجابة لأوامر الله -سبحانه-، والانتهاء عمّا نهى عنه، والالتزام بمَنهج الحقّ في الحياة؛ فالمكانة التي ينالها العبد يوم القيامة تكون بقَدْر التقوى المُتحقِّقة في قلبه، وممّا يُؤكّد ذلك قَوْل الله -تعالى-: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ*فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ*وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ)،[٢] فالنَّسب لا يرفع درجة صاحبه، ولا يكون سبباً في دخول الجنّة، أو بلوغ درجاتها، وإنّما تقوى الله هي التي تنفعه.[٣]

كما ورد عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (مَنْ بطَّأَ بهِ عملُهُ لمْ يُسرِعْ بهِ نسبُهُ)؛[٤] أي أنّ النَّسَب لا يُحقِّق للعبد المنزلة التي سعى إليها فلم يَنَلها، بل ينال العبد المنزلة الرفيعة بما قدّمه من أعمالٍ، ممّا يؤكّد على أهميّة التقوى، والإيمان، والعمل الصالح في بلوغ ما يسعى إليه العبد من نَيْل رضى الله -سبحانه-، ودخول جنّته،[٣] وقد ترجم النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وصحابته -رضي الله عنهم- مبدأ المساواة بين الناس واقعاً عمليّاً في حياتهم؛ فقد نَسَب النبيّ سلمان الفارسيّ إلى أهل بيته وآله الكرام، إذ قال: (سَلمانُ مِنَّا أَهلَ البيتِ)،[٥] كما عبّر عمر الفاروق -رضي لله عنه- عن تلك المعاني العظيمة في المساواة بين الخَلْق؛ إذ كان يقول قاصداً عِتْق أبي بكرٍ الصدِّيق لبلال بن رباح: “سيّدُنا أعتقَ سيّدَنا”.[٦]