فيوض الحس الصوفي على جدار رافع الناصري

الصياغات والرؤى إن تعامل رافع الناصري مع الجدار منصّب وفق رؤى ترتبط برؤى سابقة، أي متصلة معرفيا ورؤيوياً بالموروث القديم، بما تحمله لوحاته من أنساق دالّة على الاستفادة من المنحوتات التي أنتجها عقل الإنسان القديم، ذي الحضارة المتطورة، التي كرّست جهود الفنانين على صياغات نحتية معبّرة، ولها قيمة تعبير لسانية، يقربها من اللغة في التعبير. […]

فيوض الحس الصوفي على جدار رافع الناصري

[wpcc-script type=”09926c807b7cfbe6eb672c07-text/javascript”]

الصياغات والرؤى

إن تعامل رافع الناصري مع الجدار منصّب وفق رؤى ترتبط برؤى سابقة، أي متصلة معرفيا ورؤيوياً بالموروث القديم، بما تحمله لوحاته من أنساق دالّة على الاستفادة من المنحوتات التي أنتجها عقل الإنسان القديم، ذي الحضارة المتطورة، التي كرّست جهود الفنانين على صياغات نحتية معبّرة، ولها قيمة تعبير لسانية، يقربها من اللغة في التعبير. فالمتوفر على جدار لوحاته ينطوي على سردية تشترك في تكوينها كل الممكنات الفنية، والاستعارات المختلفة. ولعل اللغة متمثلة بالحرف، واحدة من تلك التوظيفات التي عملت على الارتقاء بمفردات اللوحة، لاسيّما الحروفية منها، والشكل الذي قربها من اللقية الأثرية بصياغاتها اللونية.


كل هذا وغيره وضع مثل هذا الحراك وفق دائرة العرفانية، أو لنقل روحانية الرؤى والتمثل. فسردياته يكمن فيها سرد الحرف الذي اكتسب عرفانيته، بل قدسيته من خلال خطوط سور القرآن، بل نجد أن ثمة توظيفا فعليا للسوّر القرآنية، وبخطوط أصلية ضمن نسخ القرآن. ما أكسبها جلالاً وقدسية، سواء بهذا التعامل، أو عبر التشكيلات الأخرى كالدوائر والأشكال الهندسية والنقاط والخطوط المتقاطعة. وهي رموز وأشكال أسطورية معبّرة عن ظواهر، ثم الأهلّة وانبثاق الضوء من بين عتمة الألوان، لاسيّما الأسود أو البني الغامق. كذلك اكتسابها مجموعة حركات هارمونية. ولعل ألوانه المحايدة ما يفعّل مثل هذا النمط من هندسة سطح اللوحة على هيئة ونمط هارموني موسيقي. إن اللون الأزرق بدرجاته، يعكس روحانية الرؤية بصفاء الشذري منه، وقدسيتها وعرفانيتها، خاصة حين تكون محتوية رقعة تضم مجموعة حروف، ومقاطع من سور ــ كما سنرى لاحقا ً ــ إن عمل الفنان في ما يخص توظيف المعرفي، لا يركن إلى سكونية جدار اللوحة، واكتفاء مفرداتها ذاتيا، بل إنه يدفعها ضمن ما يوظف من مقاطع شعرية أو قرآنية.

عمل الفنان في ما يخص توظيف المعرفي، لا يركن إلى سكونية جدار اللوحة، واكتفاء مفرداتها ذاتيا، بل إنه يدفعها ضمن ما يوظف من مقاطع شعرية أو قرآنية.

فمثلا: حين يسطر مقطعا ً شعرياً مثل (هزمت بنا الأرض) يحاول أن يترك له صدى مقابل صورة وصوت المقطع غير المسموع، لكنه مُدرك حسيا ً في (بنا الأرض) فهو يقتطع من الأصل، ليتركه صدى لما قال أو ذكر. وهذا بطبيعة الحال يؤسس لحراك هارموني ضمن كل متحركات سطح اللوحة، لاسيّما حين يخترق السياق الذي انطبعت عليه مكوّنات اللوحة بتوظيفات أخرى. فمن بين ما توفر من عيّنات الحروف والنقاط، وسيادة الغامق من الألوان يترك لفرشاته الحرية لتُسقط ما يدور في رؤيته من صراع حيادي بين الأشياء الضاغطة لإنتاج اللوحة. كأن يفتح نقطة ضوء تزداد انفتاحا. وهي سمة تكاد تترك أثرها في كل لوحة، وأرى أن هذا مرّده إلى شفافية الفنان وعمق رؤيته. وهذا ما لاحظناه من الخصائص الذاتية التي طغت على ما أنتجه من صياغة لديوان الشاعر محمود درويش، فتعامله يبدأ من علاقته بما أنتجه الفنان وهو يكشف عما أنجزه من طباعة الألوان لصفحات الديوان، وصولا إلى ما كان يُبديه من إعجاب واستحسان بمنجزه. كذلك ما صرّح به وهو يذكر المرمى الذي دفعه لإنجاز مثل هذا المشروع ، الذي عبّر عنه بشبه جملة (إنه وفاء للصديق) ناهيك عن طبيعة المنجز في تشكله الداخلي، الذي حوّل من خلال أنساق الصفحات وتكويناتها عبارة عن مجموعة أطراس، لم يمحها الزمن، ولا يتمكن أحد من محوها والكتابة على صفحاتها ــ حسب نظرية جينيث ــ بل دفعها إلى أزلية البقاء، لأنه صاغها صياغة فنية ترتبط بمخطوطات التراث التي يتوجب حفظها كما هي. فالناصري بهذا قدّم تحفة نادرة في الصياغات الفنية، ابتدأ من الخط الذي دوّنت عبره أبيات القصيدة الطويلة «زهرة اللوز» أو من خلال ما رافقها من تشكيلات فنية، كان لامتزاج الألوان وألفتها مع بعضها قد حقق دوراً في خلق أنساق لا تبتعد عن فضاء الشعر. إنه رسم الشعر، بل حقق مستويين بذلك (الكلام رسما، والرسم شعراً) وهي صياغة للعبارة القائلة (الرسم شعر صامت، والشعر رسم ناطق) لذا أنتج الفنان وعلى طول تجربته الفنية مزاوجة بين الشعرية والتشكيل الفني للوّحة .

خضعت أعمال العزاوي للمستَجد، وليس للمكوّن العام في الفن في حركة المجموع على صعيد الحركة التشكيلية وحسب، وإنما لحراكه الداخلي.

الصياغات والأنماط

لعل عمل الفنان في صياغة لوحاته، خضع للمستَجد، ليس للمكوّن العام في الفن في حركة المجموع على صعيد الحركة التشكيلية وحسب، وإنما خضع لحراكه الداخلي. ونقصد فيه ما تتوفر عليه ذات الفنان بمواجهة العالم المختلف والمضطرب، لاسيّما ضمن تاريخنا المعاصر من جهة، وعيش الفنان خارج الوطن لزمن ليس بالقصير من جهة أخرى. كل هذا لم ينتج تجربة لونية حادّة أو صارخة، بقدر ما كان محايداً في ألوانه من جانب، وحيادياً أيضا في ما وفّر لها من علاقات. وهذا أيضا صاغ عبره خطوطه وأشكاله الأخرى الموظفة في اللوحة. ومن هذا نقرأ طبيعته المتروكة على مفردات لوحاته من أسس دالّة على ما يمتلكه من رؤى وفكر معرفي، يغلب عليه الحس الأخلاقي في التعامل، الذي يوصله بالحس الشعري، وحصرا ً الحس الصوفي في التعامل مع الألوان والخطوط وبقية الأشكال، خاصة الأهلّة وحركة (الشدّة) العربية وحرف الواو والنون والتاء والأقواس. ويمكن إضافة الأشكال الهندسية على قلتها، إلا بطغيانها ضمن إطار اللوحة. لاسيّما في المرحلة التي استخدم فيها علامات عرفانية وذات بُعد قدسي كما سنرى. إن لوحاته بالتوصيفات العامّة تتجاوب في مكوّناتها الذاتية، وتتحاور مع مكوّنات اللوحات الأخرى. بمعنى ما يظهر من تقارب في الألوان بسبب مصدرها، وطغيان اللون العرفاني (الشذري) بدرجاته، إلا أنه يمنح استقلالية هذه الألوان في كل لوحة، وتخاطرها مع بعضها بين اللوحات جميعها في آن. ولا يخفى على الرائي للوحات الفنان بالإضافة لحيادية ألوانها، التوفر على الأناقة، سواء في اختيار اللون ومشتقاته، أو تقارب الألوان مع بعض، بحيث تشكّل انسجاما هارمونيا، أو لنقل نمطاً شعرياً عبر رؤى متعددة الصياغة والخلق الفكري الحسّي.

٭ كاتب عراقي

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!