في البيتِ النّحويّ

كتبتُ هذه القصّة في صباح موصليّ حزين، في يونيو/حزيران، في بيتٍ شريف النّسب، متين البناء، صوّتَ صاحبه مع بنيه الثلاثة عام 1925 أن يبقَوا مع دولة العراق المدنية، ويمكن للقارئ الآن أنْ يلاحظ البيت بخصائصه الإنشائية المحليّة، في زقاق عريض، نظيف، مازال يفضي إلى الجانب الأيمن من دجلة حتّى اليوم، ويمكنك أنْ تحدد بدقةٍ موقع […]

في البيتِ النّحويّ

[wpcc-script type=”0a5b3e4c2e38c781b2f6b983-text/javascript”]

كتبتُ هذه القصّة في صباح موصليّ حزين، في يونيو/حزيران، في بيتٍ شريف النّسب، متين البناء، صوّتَ صاحبه مع بنيه الثلاثة عام 1925 أن يبقَوا مع دولة العراق المدنية، ويمكن للقارئ الآن أنْ يلاحظ البيت بخصائصه الإنشائية المحليّة، في زقاق عريض، نظيف، مازال يفضي إلى الجانب الأيمن من دجلة حتّى اليوم، ويمكنك أنْ تحدد بدقةٍ موقع البيت، مقابل خان الحاج جرجيس، بمدخلٍ من الرّخام الموصليّ، وباب من السّاج المتشقق قليلًا، فما عاد يلمع كما هو عند تركيبه، يعلوه عقد جصيّ مدبب ذو ملمس صقيل، وكأنّ الأمطار تخشى المساس به، وقد اختفت عتبةُ البيت اليوم؛ لارتفاع أرضيّة الزّقاق؛ وبهدوء تام تستطيع أنْ تحدّق بالتفاصيل المعمارية البسيطة، قبل أنْ تدخل البيت، حيث استلقى الفتى الأشقر، الوسيم، عثمان، على الحصير، متألمًا من شظية أصابت وجهه، وربما عينه اليمنى، فقد كان يستعير كتابًا من دار علم الموصل، من خزانة أبي القاسم، جعفر بن محمد الموصليّ، الشّافعيّ (ت323 هـ) حين داهم الغزاة الموصل، ولا يعرف كيف استطاع الرجوع إلى البيت بسرعة، بل لا يعرف كيف جاء متّى الكحّال ليطبب عينه! قال لأمّه برجاء: «أريد الدّواة والقرطاس يا أمّي، لست حصرمًا بعد اليوم .. «ونظر إلى متّى الكحّال مستفسرًا عن صحة عينه، فقال متّى: «يمكنك أنْ تكتب الآن، هذا قدرك»، «بل هذه قدرتي الكتابية « قال عثمان ذلك، ليس مخاطبًا متّى الكحّال، بل مخاطبًا نفسه، وأضاف: «سأتصرفُ وأرتجلُ ما لم يسبقني أحدٌ به، هذه طبيعتي».
خلال ثلاث سنوات من عزلته في البيت النّحويّ الشّريف، كتبَ (أجوبةُ المسائلِ العراقيّة) في كرّاستين؛ وربما بعض الرسائل الأخرى، لكنّ هذا الكتاب فقد مع ما فقد من مؤلفاتِ أبي الفتح؛ لأنّني حين دخلتُ الموصل في صيف عام 2017، لم أجد الكتاب في خزانة جامعة الموصل، ولم أستطع أنْ أهتديَ إلى البيتِ النّحويّ الشّريف؛ بسبب تراكم الأنقاض، واختفاء الواجهات المعمارية لبيوت الموصل القديمة، ولدقائقَ معدودة ظننتُ أنّ أبي الفتح الموصليّ نفسه قد اختفى، لولا أنّ الأديب الفاضل، الأستاذ عالي عثمان، أخذ بيدي، فانتشلني من دوار خفيف، قائلًا لي: «لقد قرأنا قصّتك في البيتِ النّحويّ، ونستطيعُ الآن أنْ نكتبَ معًا (أجوبةُ المسائلِ العراقيّة).

٭ قاص عراقي

كلمات مفتاحية

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!