في معرضي مصطفى عبد الرحيم وأحمد الأبحر «الحَرْف العربي» يرقص ويطوف!

القاهرة ـ «القدس العربي»: للحرف العربي قداسته المُستمدة من القرآن، وبالتالي أصبح يدور في فلكه، ويستمد من النص روحانياته، خاصة أن الحرف دوماً يتخذ في مجال الفن حالة من الشحنة العاطفية والجمالية الدالة على المعنى، حتى إن تخفّى الحرف أو كاد وتجرّد وأصبح فقط ناقلاً لتجربة جمالية تفوق معناه المنطقي، ليصبح دالاً بذاته على حالة تتفوق على وجوده. هذا ما كان يراه الصوفيون في الحرف، كمحاوله لاكتشاف التفسير الأعلى لهذه الطاقة في الحروف، من حيث درجات القوة وما يوحي به كل حرف من حروف الأبجدية العربية.

Share your love

في معرضي مصطفى عبد الرحيم وأحمد الأبحر «الحَرْف العربي» يرقص ويطوف!

[wpcc-script type=”b4dc72e5621f973a3ea68fb6-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: للحرف العربي قداسته المُستمدة من القرآن، وبالتالي أصبح يدور في فلكه، ويستمد من النص روحانياته، خاصة أن الحرف دوماً يتخذ في مجال الفن حالة من الشحنة العاطفية والجمالية الدالة على المعنى، حتى إن تخفّى الحرف أو كاد وتجرّد وأصبح فقط ناقلاً لتجربة جمالية تفوق معناه المنطقي، ليصبح دالاً بذاته على حالة تتفوق على وجوده. هذا ما كان يراه الصوفيون في الحرف، كمحاوله لاكتشاف التفسير الأعلى لهذه الطاقة في الحروف، من حيث درجات القوة وما يوحي به كل حرف من حروف الأبجدية العربية.
أما على مستوى الفن، فقد وجد الفنان في ظِل الإسلام نفسه مُكبّلاً بتحريم التشخيص والتجسيد، فما كان منه إلا الهرب نحو الحرف، محاولة منه لنقل حِسّه الفني والعاطفي في تشكيل الحرف، وجعله يحمل الرؤية ووجهة النظر، وصولاً إلى تجريده من معناه اللفظي، حتى الإيحاء بمعناه الدلالي النفسي.
وما بين القواعد الصارفة لفنون الخط العربي ــ نظراً للقداسة الموسوم بها ــ وما بين المحاولات للخروج عن هذه القواعد ولو بقدر، كمحاولة للتجديد وإضفاء معان جمالية جديدة، كإضافة لفن الخط، وجعله قادراً على استيعاب التقنيات الحديثة في الفن التشكيلي عموماً، نطالع هذا التجديد في المعرضين الحاليين بقاعة (بي. آرت جاليري) بالقاهرة لكل من الفنانين د. مصطفى عبد الرحيم، أستاذ الخط العربي بكلية الفنون التطبيقية، ود.أحمد الأبحر، وكل منهما يحاول عبر أعماله اكتشاف آفاق جديدة لفن الخط، وجعله حالة روحية وصوفية أكثر من مجرد دلالة للحرف في اللغة.

الحَرْف يرقص

أعمال الفنان أحمد الأبحر تحاول الخروج من تقليدية مدارس الخط العربي، وإضفاء لمحات أكثر حداثة، بداية من اللون والخامة والملمس نفسه، إضافة إلى تكوين اللوحة، وكأن الحروف التي تنتفي معانيها المُفردة إلى حد كبير تحت سطوة التجريد، تتيح حالة من الإحساس الصوفي، فقط حالة ــ لا يهم المنطق هنا ــ وهذا ما نلحظة في لوحات تشكّل فيها الحروف ما يُشبه السموات، وتكوينات السُحب، وهذا العلو الغارق في قدسية ما، لها دلالتها في حِس المُتلقي ــ بما أننا نتكلم عن السماء ــ إلا أن الأمر لا يقتصر على ذلك، فالتكوين وطريقة كتابة الحروف، واللون كالأحمر مثلاً ودرجاته، يمثل حالة من المُجاهدة أقرب للبشر العاديين، من مفهوم العامة للصوفيين، والمتمثل فقط وفق الميديا في دراويش تركيا، وحالة الصفاء الروحي من حيث الألوان، وطريقة إضاءة مثل هذه الأعمال، التي فتنت المُستشرقين في بادئ الأمر، وسارت على نهجها الأغلبية من الفنانين. هنا نجد الحرف يدل على عالم حقيقي، حي وواقعي إلى درجة كبيرة، يحاول الوصول إلى حالة الهدوء والصفاء هذه، ولكن عن طريق تجارب حياتية. هناك جحيم لابد من المرور به، ومحاولة الإفلات منه، وهذه التجارب هي الأصدق في حالة كبار الصوفية، الذين وصفوا ولو ملامح هذه الحالة، إضافة إلى الألوان المباشرة الدالة على الجو الصوفي الأخضر والأصفر. إنها حالة رقص بطريقة أخرى، غير الدرويش المعهود صاحب إيماءة الرأس، ودائرة تنورته المتوترة على الدوام.
من ناحية أخرى حاول الأبحر أن يجمع بين الخط والتجسيد، وهنا كان أكثر مباشرة، مما جعله للواقع أقرب، وللمُشاهدات العادية اليومية موثقاً، من حيث الشخوص وجلوسهم أمام مقامات الأولياء، وإن كانت الحروف تمثل إما خلفية اللوحة، أو عبارات
فوق الأعلام الدالة على الفرق الصوفية، فلم تكن في سمو وروحانية التجريد الخالص للحرف، والخالي من التشخيص، الذي أثقل اللوحة، وقيّد دلالتها كثيراً.

الحرف يطوف

من جماليات أعمال الفنان مصطفى عبد الرحيم أنه يلتزم بقواعد تشكيل الحرف العربي، من دون الاستعانة بأدوات أخرى، إلا أنه يخطو فوق المعنى الدلالي للحرف، حتى مستوى الإيحاء بحالة قصوى لطاقة الحروف وتشكيلها معاً، وهو أمر بالغ الصعوبة، ويتطلب حِرفية شديدة، هنا … الحرف يبدو أنه في رحلة يريد أن يقطعها ويُتمّها ــ نحن ننقل عن لغة التشكيل إلى لغة الكلام ــ إلا أنها كلما توشِك على الانتهاء، تبدأ من جديد، رحلة طواف مُستمرة لا تستقر، هنا تشكيل الحروف يبدأ في مفارقة دلالاته اللفظية، ويستقر فقط عند حالة الإيحاء، أو الإغواء إن شئنا الدقة. إغواء صوفي، ومحاولة الدخول إلى هذا العالم وسط الحروف المُتشابكة، والمختلفة التكوين.. من حرف يميل إلى آخر يكاد ينكسر، وأخير ينحني، كل ذلك في نسق بنائي للهندسة والمنطق الرياضي أقرب. ومن خلال الخط وتشكيلاته تتولد تشكيلات أخرى، كالدائرة على سبيل المثال ــ الحالة الرمزية الأشهر للصوفية ــ أو أشكال أخرى ذات تركيب هندسي، من دائرة بالأعلى ومستطيل في نصف اللوحة السُفلي بالكاد يحاول لمسها ولا يستطيع، هذه هي المسافة/اللحظة الفارقة ما بين حالتين، تخلق توترا بصريا ملحوظا، ما بين حالة الاستقرار وحالة الطواف في الأعلى. ويبدو كل ذلك عن طريق تقنيات متنوعة للخطوط، خاصة الخط الكوفي ــ سواء الفاطمي أو المملوكي أو المربع ــ وهو ما يستعرض من خلاله عبد الرحيم موهبته وحِرفيته المتميزة.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!