جولة في معارض متنوعة: الفن التشكيلي والحِس النقدي لقضايا الشارع المصري

القاهرة ـ «القدس العربي»: المُتابع للحركة التشكيلية الان في مصر ــ بخلاف المعارض التي تستعيد كلاسيكيات المصريين التشكيليين ــ نجد ان الحِس الانتقادي لقضايا وأحلام وهواجس الشارع المصري هي التي تتصدر المشهد، بخلاف بعض الفنانين الذين يمتلكون ويطبقون حسّهم النقدي من خلال رؤيتهم المُتجسدة في أعمالهم. وقد تعرضنا في موضوع سابق إلى أعمال فنان الكاريكاتور (طوغان) على سبيل المثال لا الحصر. ربما للمناخ المضطرب الذي تعيشه مصر الان، وهو أمر بالطبع يؤثر في الفنان، ويجعله يُنتج فناً يدور في إطار زمنه، وهو الأمر الذي تتجلى فائدته بجعل هذا الفن قريباً من الناس بدرجة أكبر، لانه يعبّر عنهم وعن قضاياهم، دون نسيان الجانب الجمالي والاحترافي لمسألة الخلق الفني، من حيث النِسب والمساحات اللونية، والتشكيل الفراغي لعالم اللوحة. إضافة إلى التنوع في المدارس الفنية وأساليبها، سواء تمثلت في فن الكاريكاتور أو اللوحات الزيتية.

Share your love

جولة في معارض متنوعة: الفن التشكيلي والحِس النقدي لقضايا الشارع المصري

[wpcc-script type=”57d950ac8d348ee7353f71dc-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: المُتابع للحركة التشكيلية الان في مصر ــ بخلاف المعارض التي تستعيد كلاسيكيات المصريين التشكيليين ــ نجد ان الحِس الانتقادي لقضايا وأحلام وهواجس الشارع المصري هي التي تتصدر المشهد، بخلاف بعض الفنانين الذين يمتلكون ويطبقون حسّهم النقدي من خلال رؤيتهم المُتجسدة في أعمالهم. وقد تعرضنا في موضوع سابق إلى أعمال فنان الكاريكاتور (طوغان) على سبيل المثال لا الحصر. ربما للمناخ المضطرب الذي تعيشه مصر الان، وهو أمر بالطبع يؤثر في الفنان، ويجعله يُنتج فناً يدور في إطار زمنه، وهو الأمر الذي تتجلى فائدته بجعل هذا الفن قريباً من الناس بدرجة أكبر، لانه يعبّر عنهم وعن قضاياهم، دون نسيان الجانب الجمالي والاحترافي لمسألة الخلق الفني، من حيث النِسب والمساحات اللونية، والتشكيل الفراغي لعالم اللوحة. إضافة إلى التنوع في المدارس الفنية وأساليبها، سواء تمثلت في فن الكاريكاتور أو اللوحات الزيتية.
ومن خلال عدة معارض متنوعة نحاول تلمّس هذا الحس الانتقادي، سواء في صورة مباشرة، كما في معرض فنان الكاريكاتور «باسم يسري»، أو ي صورة موحية كما في معرض (حكايات الشارع) لكل من «فتحي علي» و»رضا خليل»، وصولاً إلى معرض (اسكتش ملوّن) لعدة فنانين تناولوا الأمر بطريقة تميل إلى الرمزية أكثر، وإنْ تمثلت في بيئات ووجوه محتلفة تعبّر عن حال هؤلاء في حالة فنية شديدة الاحترافية.

اضطراب الواقع المصري

من خلال معرض فنان الكاريكاتور (باسم يسري) والمُقام بجاليري مشربية، يبدو الحِس الانتقادي في أعلى أشكاله، لما لطابع هذا الفن الذي في أساسه قائم على المُبالغة في التفاصيل، حتى يبدو الأمر أكثر حِدة وتأثيرا على المُتلقي، إلا ان الواقع يبدو من خلال اللوحات أكثر مُبالغة من الفن الذي حاول الوصول إليه في لقطات خفيفة الظِل، تعكس مدى البؤس الذي يفتت أحلام المصريين، حالة كبيرة من الهذيان، وعالم منفصل عما يحيطة، سواء من خلال اللقطات العامة التي تحوي عدة أشخاص، وصولاً إلى لقطة قريبة لشخص وحيد، يبدو منفصلاً تماماً عن واقعه، لان الأخير تخلى عنه في البداية، فالشخص يصحو من نومه وبكل هدوء يطلب من أمه ــ بدل الإفطار ــ شريط الترامادول، حتى يستطيع بدء يومه في هذا العالم، مروراً بآخر ينتظر الأوامر بلحظة تفجير المكان الذي يجلس به وسط الناس، وهو يسأل في هاتفه بعصبية شديدة، والجميع يستمع إلى ما يقول، إضافة للنقاش السوفسطائي الأجوف في عالم مثقفي (وسط البلد) بين مثقف ومثقفة، حيث يستعرض بعباراته المُبهمة عضلات عقله المثقف، حتى يفوز بمواعدة الفتاة، لانه يعرف ان نهاية النقاش لابد وان تنتهي في غرفة شبه مُظلمة، تتوقف فيها اللغة لصالح الفعل.
وصولاً لأقصى مراحل الديمقراطية الموهومة في رجل عسكري يطلب من مواطن الذهاب في سرعة والاتيان له بالعصا، حتى يقوم بتأديبه! واقع يتفوق على عالم المصحات النفسية، والجميع رغم الصخب الذي ينم عن أفعالهم في عزلة مميته عن واقعهم، وعن أنفسهم في المقام الأول.

لحظات مسروقة

وعلى النقيض من الصخب المَرَضي السابق، تأتي أعمال كل من (فتحي علي) و(رضا خليل) في معرضهما المشترك، الذي جاء بعنوان (حكايات الشارع)، والذي أقيم في جاليري (آرت كورنر)، لتبدو التفاصيل غاية الحميمية بين الشخصيات وعالمها، وان كانت تظهر وكانها مُختلَسة من الواقع، سواء من خلال لوحات من زمن مضى، أو لوحات آنية بعبّر عن حالة الجو العام الذي يعيشه المصريون، كاللوحة التي تصوّر في تكوين مٌلفت مشادة بين البعض داخل أتوبيس عام، من حركة الأجساد وتعبيرات الوجوه، وهي لقطة تطالعنا يومياً أكثر من وجوهنا التي تطالعنا في المرآة. ومنه إلى رحلة أسرة مصرية عادية إلى حديقة الحيوان، رجل وزوجته وأطفاله، أمام قفص القرَدَة الشهير، إضافة إلى آخرين من فئات أقل، يبدو استمتاعهم بالمشهد، لم ينس الفنان في ذكاء ان يُظهر تفاصيل جسد المرأة، رغم ملابسها المُحتشمة، من حيث طريقة وقوفها، وهي تميل لتُلقي إلى القفص بعض ما يفضله سُكانه من القرَدَة، وهي تفاصيل تحاول المرأة إظهارها، مهما تكلّفت في الابتعاد عن شبهة الجسد المتهمة بها على الدوام ــ لاحظ انها تتصدر اللوحة من حيث حجمها وألوان ملابسها، مُقارنة بالمرأة التي يلفها السواد، والتي تقف في الخلف ــ وفي حِس فكاهي نجد محاولة الربط بين الغذاء الأبدي للمصريين (الفول) وكأنه منذ القِدم، ومنذ تشييد حضارتهم، وذلك من خلال المقابلة ما بين تشكيل معاصر للأدوات ــ عربة الفول ــ وبين البائع والزبائن، فالعربة كما نعرفها الآن، بينما الأشخاص وكأنهم يأتون من معبد فرعوني قديم، هاربين من إحدى جدارياته، فالرجل ــ البائع ــ أشبه بحاكم أو إله، والمشترون يقفون أمامه في خشوع، وكأنه يأتي إليهم بطعام من السماء. وصولاً في آخر المطاف إلى حالة العزلة ــ الحالة العامة التي يُعانيها الجميع ــ لشاب وحيد لا تزيّن حوائط غرفته سوى صور الفنانات، شاب تخطى بكثير سِن المراهقة، ولم يعد له سوى آلهة خياله المضطرب، خاصة وانه وكيفما اتفق يُبدي غرامه بهذه الأجساد وتكويناتها وملابسها المثيرة، تعبيراً عن حالته، اجتماعياً وروحياً، ومن قبل ومن بعد اقتصادياً، يبدو ذلك في ديكور الحجرة، وان ظهر منه الجزء المعبّر عن الحالة العامة التي يحيا في ظِلها، ليبدو في حلم يقظة طويل لا يريد الاستيقاظ منه أبدا، وهو هنا يُشابه ولو بدرجة ما الشاب الذي يستيقظ طالباً من أمه شريط الترامادول، كما في سبق وأشرنا.

الإيحاء بحيوات أخرى

ويأتي المعرض الجماعي المعنون بـ(اسكتش ملوّن) والذي أقيم في جاليري (دروب) لعدة فنانين من أجيال محتلفة منهم … إيهاب لطفي، مصطفى رحمة، رندا إسماعيل، سمير فؤاد، وجيه يسّى، هناء هاشم، ومصطفى سليم، ليُظهر مدى المهارة الاحترافية العالية لهؤلاء الفنانين في خلق الاسكتشات الفنية، من خلال أساليب مختلفة من الكلاسيكية حتى التجريد، مع انعكاس للبيئة التي تحيط باللقطة وأصحابها من الشخوص، مع استخدام تقنيات عديدة من الألوان الزيتية، الزيتية والمائية والباستيل.
فالبيئة النوبية على سبيل المثال والمساحات والمساحات الشاسعة التي تتحرك فيها الشخوص، والتي تبدو في قمة تجريدها، فقط ملامح، ليبدو مدى تشابه الشخصيات، وكأنهم في مزج متناغم وتكوين اللوحة ككل، كما في أعمال الفنان (إيهاب لطفي)، بخلاف وجوه الأطفال وابتسامتهم، رغم حالتهم الاقتصادية، يبدو ذلك في ملابسهم، هذه المفارقة التي تؤكدها الفنانة (هناء هاشم) فالطفولة لم تزل تعيش بعيداً عن تعقيدات تجهلها. وما يميّز هذا الشكل الفني الفني ــ الاسكتش ــ انه يعتمد على حِرفية الفنان، الذي يقوم بخلق عالمه من خلال الأسلوب العفوي في التعبير، وهو ما يحتاج إلى قدرة فنية عالية، وقدر كبير من التمرّس في مدارس وآفاق الفن التشكيلي، فالعالم هنا يعبّر بالجزء عن الكُل، ويوحي بحالة هؤلاء أكثر من التصريح بها في شكل مباشر، مما يجعل المُتلقي يحاول استكشاف أو تخيّل حياة هؤلاء من خلال ملمح ولو بسيط يدل عليهم في تكوين فني مُتزن إلى حد كبير.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!