«مؤسسة نصر حامد أبو زيد للدراسات الإسلامية» في مؤتمرها الأول في القاهرة: إشكالية النص والواقع وتحويل المتن إلى هامش يحتكره الفقهاء

القاهرة ـ «القدس العربي: لم يزل فكر الراحل «نصر حامد أبو زيد» (1943 ــ 2010) يثير الجدل ويحظى باهتمام الباحثين والمنظمات البحثية، خاصة وان الرجل سلك الدرب الأصعب، وهو محاولة تخليص النصوص الدينية من السُلطة الفقهية ذات التاريخ الأضل في فهم وتأويل النص الديني لخدمة سُلطة سياسية مشوّهة بالأساس. ولعل مؤلفات (الآداب السلطانية) التي أعدّها الفقهاء على مر العصور، حتى لو اتخذت مسميات ومواقف أخرى، تظهر لنا مدى المآسي التي نتجت عنها في حق النص الديني أولاً، وفي حق مَن يعتنقون هذا الدين، حيث أصبحت النصوص قيداً ووعيداً بعذابات لا تنتهي، وبالتالي انتفاء الوجه الآخر للنص، الذي يستطيع معتنقه ان يتفاعل مع الحياة أكثر من خلاله، دون ان يصبح النص عائقاً أمام الحياة، ولا يصلح إلا للأموات. وقد عُقد بالقاهرة على مدار يومين المؤتمر الأول لـ «مؤسسة نصر حامد أبو زيد للدراسات الإسلامية»، والذي جاء بعنوان «التأويلية ونصر أبو زيد»، لمناقشة قضايا التأويلية فى كتابات نصر أبو زيد الأساسية، مثل (فلسفة التأويل)، و (نقد الخطاب الديني). إضافة إلى دراسات عن التأويل وفق منهج أبو زيد نفسه. وذلك من خلال أوراق بحثية لـ (16) باحثا مصريا وعربيا وأجنبيا، منهم على سبيل المثال ... هاني المرعشلي (التأويلية عند نصر حامد أبو زيد/مفاهيم واتجاهات)، جمال عمر (القران وقراءته/تطورالمفاهيم عند نصر أبو زيد)، مجدي عز الدين (المنهج التأويلي عند نصر أبو زيد)، سلمى مبارك (خطاب التحريم والفن عند نصر حامد أبو زيد)، ابتهال يونس (الفن والقرآن/الرسم باللغة)، الشريف منجود (تأويل النص وتشكيل العقل عند نصر أبو زيد/دراسة في هرمنيوطيقا النص الديني)، عبد الباسط سلامة هيكل (الجذور التراثية في تأويلية نصر أبو زيد)، وائل النجمي (آليات الاشتباك في خطاب المساجلة/التفكير في زمن التكفير نموذجاً)، محمد جبريل (المرتكزات الاعتزالية في مشروع أبي زيد التأويلي/قضية خلق القران نموذجاً).

Share your love

«مؤسسة نصر حامد أبو زيد للدراسات الإسلامية» في مؤتمرها الأول في القاهرة: إشكالية النص والواقع وتحويل المتن إلى هامش يحتكره الفقهاء

[wpcc-script type=”95f920df3580925bbe00915a-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي: لم يزل فكر الراحل «نصر حامد أبو زيد» (1943 ــ 2010) يثير الجدل ويحظى باهتمام الباحثين والمنظمات البحثية، خاصة وان الرجل سلك الدرب الأصعب، وهو محاولة تخليص النصوص الدينية من السُلطة الفقهية ذات التاريخ الأضل في فهم وتأويل النص الديني لخدمة سُلطة سياسية مشوّهة بالأساس. ولعل مؤلفات (الآداب السلطانية) التي أعدّها الفقهاء على مر العصور، حتى لو اتخذت مسميات ومواقف أخرى، تظهر لنا مدى المآسي التي نتجت عنها في حق النص الديني أولاً، وفي حق مَن يعتنقون هذا الدين، حيث أصبحت النصوص قيداً ووعيداً بعذابات لا تنتهي، وبالتالي انتفاء الوجه الآخر للنص، الذي يستطيع معتنقه ان يتفاعل مع الحياة أكثر من خلاله، دون ان يصبح النص عائقاً أمام الحياة، ولا يصلح إلا للأموات. وقد عُقد بالقاهرة على مدار يومين المؤتمر الأول لـ «مؤسسة نصر حامد أبو زيد للدراسات الإسلامية»، والذي جاء بعنوان «التأويلية ونصر أبو زيد»، لمناقشة قضايا التأويلية فى كتابات نصر أبو زيد الأساسية، مثل (فلسفة التأويل)، و (نقد الخطاب الديني). إضافة إلى دراسات عن التأويل وفق منهج أبو زيد نفسه. وذلك من خلال أوراق بحثية لـ (16) باحثا مصريا وعربيا وأجنبيا، منهم على سبيل المثال … هاني المرعشلي (التأويلية عند نصر حامد أبو زيد/مفاهيم واتجاهات)، جمال عمر (القران وقراءته/تطورالمفاهيم عند نصر أبو زيد)، مجدي عز الدين (المنهج التأويلي عند نصر أبو زيد)، سلمى مبارك (خطاب التحريم والفن عند نصر حامد أبو زيد)، ابتهال يونس (الفن والقرآن/الرسم باللغة)، الشريف منجود (تأويل النص وتشكيل العقل عند نصر أبو زيد/دراسة في هرمنيوطيقا النص الديني)، عبد الباسط سلامة هيكل (الجذور التراثية في تأويلية نصر أبو زيد)، وائل النجمي (آليات الاشتباك في خطاب المساجلة/التفكير في زمن التكفير نموذجاً)، محمد جبريل (المرتكزات الاعتزالية في مشروع أبي زيد التأويلي/قضية خلق القران نموذجاً).

الجذور التراثية للتأويلية

يرى د.عبد الباسط هيكل، الأستاذ المساعد بجامعة الازهر، من خلال بحثه المعنون بـ (الجذور التراثية في تأويلية نصر أبو زيد) ان كتابات أبو زيد نبهت الكثيرين، خاصة وانها ابتعدت عن الحِس التلفيقي والالتفاف حول المشكلات والقضايا دون مناقشتها وتفنيدها، وبالتالي البحث لها عن حلول. ويحاول الباحث الكشف عن مدى تأثر أبو زيد بالتراث، ومدى جذوره بالنسبة لتأويلية نصر أبو زيد، خاصة وان هناك تراثاً يوحي بذلك، على رأسه المعتزلة وتراثهم النقدي والفكري، إضافة إلى الجرجاني وابن رشد، وابن عربي، الذي قدم عنه أبو زيد مؤلفه (هكذا تكلم ابن عربي)، ومن قبله (فلسفة التأويل)، وبهذا يكون هؤلاء نقطة انطلاق أبو زيد في نقد التراث وإعادة تقييمه.

المعتزلة وفكرهم الناقد

(قضية المجاز عند المعتزلة) هو عنوان رسالة الماجستير لأبي زيد، نظرراً لما لهذه الفرقة من موقف متميز في التراث الفكري الإسلامي، كأول مدرسة عقلانية ظهرت خلال هذا الفكر، وربما حتى الآن لم يجرؤ أحد على تخطي كل القضايا التي ناقشها المعتزلة، والمسألة الشائكة التي تناولتها هذه الفرقة ــ ضمن الكثير من القضايا الأخرى ــ هي قضية خلق القرآن، وهي لم تزل من القضايا التي حاول أبو زيد التعرض إليها، لما تمثله من أزليات النص، دون تفرقة بين النصوص وبعضها. وقد تناول بحث (د. محمد جبريل) هذه القضية، ليبدو انها متعلّق أساس بقضية الحرية في الفكر والسلوك الإسلامي على حد السواء. والنقطة نفسها ونْ كانت من وجهة نظر أخرى يناقشها (د.هاني المرعشلي)، ليستعرض مدى تأثير الأقدمين، وعلى رأسهم (ابن عربي) الذي أثر فى رؤية أبي زيد النقدية للتراث، إضافة إلى الجرجاني والمعتزلة.

الهيمنة وقداسة الهامش

من خلال المنهج الذي اتبعه أبو زيد (التأويل) يرى الباحث السوداني (مجدي عز الدين) ان هذا المنهج وتبعاته يُعد محاولة جادة من أبو زيد هدفت إلى إعادة قراءة التراث الإسلامي في مصادره الأولى، قراءة جديدة ومغايرة ومختلفة سعت إلى الترسيخ لمفاهيم جديدة، على اختلاف عما هو سائد من قراءات تقليدية عملت على إجترار وإعادة إنتاج الماضي الإسلامي كما هو.
خاصة في ظل الوضعية البائسة التي آلت إليها الإسلاميات، هذا المنهج الذي يفتح آفاقاً جديدة أمام النص، وبالتالي يُعيد السُلطة إلى وضعها الطبيعي، فالتأويل النصي يسمح لها بالتحاور مع نصوص أخرى، ومع الواقع وهو الأهم، على العكس من سُلطة الرأي الأوحد في التفسير/الفقهاء، وهي التي من المُفترض ان تكون هامشية لحساب النص، إلا انها تحولت مع الوقت إلى متن، وتم انغلاق النص بفعل هذه الممارسات.

الاشتباك التأويلي

من خلال (الحِجاج) وما بين التأويل والتأويل المضاد، يتعرض الباحث (وائل النجمي) إلى كتاب أبو زيد (التفكير في زمن التكفير)، ليبدأ من فكرة التثبيت المُستقر للنص، ثم يأتي تأويلاً مضاداً لهذه الثابت، لينتج تأويلاً جديداً يدعم المُستقر في مواجهة التغيير، لنتج ما يُسمى بـ (الاشتباك التأويلي) لتبدأ لعبة الحِجاج بين الطرفين، ويرى الباحث ان هذه الحالات التأويلية المختلفة قد حدثت مع أبو زيد، فقد أطلق «التأويل الداعم» في كتب مثل (الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية الوسطية)، (نقد الخطاب الديني)، أو غيرهما، ثم تمت مواجهة لهذه التأويلات، فيقوم أبو زيد بتأليف كتابه (التفكير في زمن التكفير)، وهو الذي يمثل الحالة التي يطلق الباحث عليها (الاشتباك التأويلي) ففي هذا الكتاب كان أبو زيد مشغولاً بمستويين تأويليين..
الأول: مستوى دحض التأويل والحجج التي تمت بها مواجهة أفكاره وأرائه على يد (عبد الصبور شاهين) ومن تابعه في هذا، ومن ثم كانت النقطة الجوهرية هي التصدي للحجج وللرفض التأويلي لمنطلقات التأويل السابق.
وفي سياق يمكن دراسته بوضوح من خلال (نظرية الحِجاج)، تنقل (أبو زيد) بين المستوى الأول ــ ضد حجج رفض تأويله ــ إلى المستوى الثاني: تعزيز أحقية التأويل وتأكيد حق تقديم الرؤية للنصوص التي من وجهة نظر (أبي زيد) ثانوية، يمكن الاختلاف معها ومحاورتها، دون ان تصوب أسهم التكفير وسيوف حد الردة إلى رقبته، ليعيد تقديم (التأويل الداعم)، وإنْ كان بشكل مغاير.

النص والواقع

وينطلق الباحث المصري (الشريف منجود) من بحثه المعنون بـ (تأويل النص وتشكيل العقل عند نصر أبو زيد) من تطبيق أبو زيد علم الهرمينوطيقا ــ رغم قِدمه ــ إلا انه حاول فيه ان يكشف عن معايير جديدة للنهضة تستوعب داخلها التراث بمفاهيمه وقيمه، كما تستوعب الحداثة الأوروبية بعقلها، إضافه إلى تجاوزه التفرقة الاصطلاحية المتأخرة بين التفسير والتأويل، ليعود إلى التوحيد بينهما وهو ما قدمه في (مفهوم النص وفلسفة التأويل وآلياته)، كما ان التأويل ينطلق لديه من البلاغة والمجاز في التراث الأدبي إلى النص الديني، ويعتمد على مستوى المعنى الباطني الذي يقوده إلى مفهوم الدلالة اللغوية. ومن هنا يصبح التأكيد على التفاعل المستمر بين النص والواقع، وان القرآن نزل مستجيبا لحاجات الواقع وحركته المتطورة خلال فترة زادت عن العشرين عاما. ومع تغير حركة الواقع وتطوره ــ بعد انقطاع الوحي ــ تظل العلاقة بين الوحي والواقع علاقة جدلية يتغير فيها معنى النص ويتجدد بتغير معطيات الواقع. هذه فقط نظرة على بعض الأبحاث، التي سيتم طبعها قريباً في كتاب من إصدارات المؤسسة نفسها.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!