في يوم مساندة ضحاياه.. متى تتوقف آلة التعذيب بالسجون العراقية؟

تشهد السجون العراقية منذ عقود طويلة تعذيبا نفسيا وجسديا، ويتفنن السجانون في إذلال المعتقلين وتعنيفهم وسط غياب أبسط الحقوق لهؤلاء الضحايا، وفق ما أكدته تقارير حقوقية وشهادات الضحايا.
FILE - In this Feb. 21, 2009 file photo, guards stand at the entrance of a renovated Abu Ghraib prison, now renamed Baghdad Central Prison and run by Iraqis, in Baghdad, Iraq. A military-style assault by al-Qaida leader Abu Bakr al-Baghdadi’s fighters on two Baghdad-area prisons in July, 2013 freed more than 500 inmates.(AP Photo / Karim Kadim, File)
السجون العراقية تشهد تعذيبا مستشريا وفق منظمات حقوقية محلية ودولية (أسوشيتد برس)

بغداد– تشهد السجون العراقية منذ عقود طويلة تعذيبا نفسيا وجسديا، ويتفنن السجانون في إذلال المعتقلين وتعنيفهم وسط غياب أبسط الحقوق لهؤلاء الضحايا، وفق ما أكدته تقارير حقوقية وشهادات الضحايا.

وكرس الغزو الأميركي للعراق عام 2003 منهج التعذيب في السجون العراقية؛ وكرس معه مسألة الإفلات من العقاب، وهو مسؤول عن جميع ما نتج عن هذه الانتهاكات بحق العراقيين، وفق عمر الفرحان مدير المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب.

وتحيي الأمم المتحدة اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب في 26 يونيو/حزيران من كل عام بهدف مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة.

ويقول الفرحان للجزيرة نت إن “تدابير مكافحة الإرهاب رافقتها العديد من الانتهاكات بحق المدنيين؛ حيث قامت الأجهزة الأمنية والميليشيات باعتقال الكثير من المدنيين تعسفا، ورافق هذا الاعتقال تعذيب المعتقلين بدءا من لحظة الاعتقال وحتى المحاكمة، ورافقت هذه التدابير أيضا عمليات قتل خارج القانون بسبب التعذيب الممنهج ضدهم”.

ويكشف الفرحان أن نسبة النساء والفتيات في السجون العراقية تبلغ نحو 2%، حيث يوجد هناك أكثر من ألف معتقلة في السجون موزعات على 13 معتقلا، في ظل تراجع ملموس في حقوقهن كسجينات، ويتعرضن إلى التعذيب والتحرش، ويواجهن أشكالا مختلفة من الاستغلال.

*** للاستخدام الداخلي فقط *** رصد المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب وفاة 28 معتقلا منذ مطلع 2022 بسبب التعذيب والإهمال الطبي - مواقع التواصل
المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب رصد وفاة 28 معتقلا منذ مطلع 2022 بسبب التعذيب والإهمال الطبي (مواقع التواصل)

ويضيف أن مساحة عمليات التعذيب في السجون العراقية اتسعت مع مرور الوقت، وازدادت خلال فترة ما كان يعرف بالمخبر السري، ورغم أن العراق انضم لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة رقم “30” لسنة 2008، إلا أن القانون لم يُفعّل، ولم يجد طريقه للتنفيذ ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق السجناء.

ورصد المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب -من مطلع عام 2022 إلى تاريخ كتابة التقرير- وفاة أكثر من 28 معتقلا بسبب التعذيب والإهمال الطبي الذي يعد من ممارسات التعذيب في السجون العراقية.

وينوه الفرحان إلى أن المركز ومنظمات أخرى ما تزال تقدم الشكاوى للجنة مناهضة التعذيب، وإذا سنحت الفرصة سيتم تقديم الأدلة إلى المحكمة الجنائية الدولية؛ لكي تقتص من منتهكي القانون الدولي ومرتكبي الجرائم.

صنوف التعذيب

وتتمثل حالات التعذيب بطرق عديدة -وفق الفرحان- ومنها الصفع والشتائم والإذلال والتهديد والصعق بالكهرباء وسوء المعاملة والتغذية والطبابة، ويشمل الضرب على البطن والقدمين والتعليق من السقف، فضلا عن تعرضهم للعنف الجنسي، لا سيما باستخدام الكهرباء على الأعضاء التناسلية أو القوارير الزجاجية أو العصي التي يتم حشرها في داخلهم.

ويشمل التعذيب أيضا عدم الحصول على الرعاية الطبية والماء والشمس بشكل كاف، فضلا عن الاكتظاظ والأمراض التي تنتشر في السجون من دون معالجتها ومنها مرض التدرن والسل والجرب، ومؤخرا فيروس كورونا.

ويشير الفرحان إلى أن الحكومة العراقية تقر بارتكاب انتهاكات في السجون، ومنها التعذيب ضد المعتقلين، وجاء ذلك في أكثر من بيان وتقرير من قبل الجهات المختصة، وعلى الرغم من أنها تقلل من حجم الانتهاكات، فإن الانتهاكات واقعة فعليا بحق المعتقلين.

سلوك ممنهج

ويرى رئيس المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون أن “التعذيب بات سلوكا ممنهجا تتبعه السلطات العراقية، وهذا مؤشر خطير على أن ما يحدث في السجون هو شيء كارثي”.

ويضيف للجزيرة نت أن بعض السجناء الذين تعرضوا للتعذيب في السجون عندما يخرجون لا يتحدثون عما تعرضوا له، وهو ما يشكل خللا كبيرا في الأرقام والإحصائيات.

ويتحدث سعدون عن آثار نفسية كثيرة يعاني منها ضحايا التعذيب، ومنهم من تحدث لديهم مشاكل عقلية، ويعيشون حياتهم وسط صدمات نفسية كبيرة.

ويؤكد رئيس المرصد العراقي لحقوق الإنسان وجود اعتقالات وحالات إعدام لأشخاص انتزعت منهم اعترافات تحت التعذيب، لذا فإن التعذيب يؤدي إلى تغييب العدالة ويسهم في إفلات الجناة الحقيقيين من العقاب.

*** للاستخدام الداخلي فقط *** البياتي أكد أن عقوبة المتهم بجريمة التعذيب متروكة لتقدير القاضي وقد تكون بين 3 أشهر و 15 عاما - الجزيرة نت
البياتي أكد أن عقوبة المتهم بجريمة التعذيب متروكة لتقدير القاضي (الجزيرة نت)

قصص مروعة

ويروي عبد الله خلف (اسم مستعار) -وهو معتقل سابق تعرض للتعذيب خلال فترة اعتقاله الممتدة بين 2008 و2011- قائلا “تعرضنا للتعذيب في السجون، ومات 4 سجناء كانوا معي بنفس المحجر بسبب التعذيب”.

ويضيف للجزيرة نت أن آثار التعذيب ما تزال حتى الآن واضحة على جسده، بسبب التعليق مع الفلقة والضرب، حيث تكسرت لديه 7 أضلاع، وتوجد ضربة برأسه، وكل آثارها موجودة حتى الآن.

ويشير خلف إلى أنه بعد خروجه من السجن قرر مغادرة العراق والهجرة إلى أوروبا للحفاظ على حياته، لكن آثار التعذيب ما تزال ماثلة، ولم يتلق أي تعويضات رغم ظهور براءته.

ويؤكد المعتقل السابق عدم وجود أي دور لمفوضية حقوق الإنسان أو للمنظمات الحقوقية، لإنصافهم، وما تزال التهم ذاتها تواجهه، رغم عدم دخوله العراق منذ عدة سنوات.

جريمة قانونية

بدوره يصف عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق الدكتور علي البياتي أعمال التعذيب بأنها من الجرائم التي تعد ضد الإنسانية، و”وجود التعذيب بكل تأكيد هو إشارة إلى مخالفة السلطة والموظف الحكومي للقانون”.

ويبين في حديثه للجزيرة نت أن القوانين العراقية تطرقت إلى قضية التعذيب وخاصة في المادة 333 من قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969، وأيضا قانون المحكمة الجنائية العليا، ولكن الإشكالية تتمثل بأن تعريف التعذيب في القانونين لا يرقى إلى مستوى التعريف في اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادق عليها العراق عام 2008.

ويشير البياتي إلى عدم وجود مبادئ عامة وسياسة واضحة لمؤسسات الدولة للتعاطي مع قضية التعذيب، فعندما يريد ذوو المعذب التوجه إلى مؤسسات الدولة؛ فبكل تأكيد تكون الإجراءات مبهمة بشأن الجهة المعنية بالنظر لهذا الأمر، فضلا عن غياب حق تعويض المجني عليه في القوانين العراقية، رغم أن التعويض يعد ركنا من أركان العدالة خاصة في الاتفاقية الدولية.

وينوه البياتي إلى أن قضايا التعذيب التي تم التحقيق فيها قليلة، مستشهدا بقضية “متظاهري تشرين” التي تم حسم 8 قضايا منها فقط من أصل 18 ألف شكوى، وهذا دليل على ضعف الجهد المؤسساتي في هذا الموضوع، وفق البياتي.

ويعرب عن اعتقاده بأن على النظام الديمقراطي في العراق احترام الحريات والحقوق، والالتزام بمبادئ الدستور والاتفاقيات الدولية.

وعن حكم المتورطين بجرائم التعذيب، يقول إن عقوبة المتهم بجريمة التعذيب متروكة لتقدير السلطة القضائية وقد تكون بين 3 أشهر و15 عاما وفق رأي القاضي، وهي لا تتناسب مع حجم الجريمة، والتي قد تؤدي إلى إعاقة نفسية أو عقلية أو جسدية للشخص أو لذويه مدى الحياة.

انتهاكات متواصلة

بدورها تقول حنان عبد اللطيف -وهي المديرة الإقليمية لمركز الرافدين الدولي للعدالة وحقوق الإنسان- إنه رغم توقيع العراق على اتفاقية مناهضة التعذيب عام 2011، فإن بغداد لم يوقع على البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية، والذي من أهم مبادئه عمل زيارات منتظمة من قبل هيئات دولية مستقلة لسجون العراق الحكومية والتحقيق في حالات التعذيب والمعاملة اللاإنسانية التي يتعرض لها المعتقلون والكشف عما إذا كان هناك سجون غير حكومية.

وتوضّح في حديثها للجزيرة نت، كيف يتعرض المعتقلون والمغيبون في السجون الحكومية وغير الحكومية إلى التعذيب والمعاملة القاسية اللاإنسانية لإجبارهم على الاعتراف بتهم باطلة لم يرتكبوها، ولعل حادثة المواطن العراقي الذي اتهِم بقتل زوجته وكان محكوما بالإعدام بسبب الاعترافات التي انتزِعت منه تحت التعذيب ثم ظهرت بعد ذلك زوجته وهي على قيد الحياة؛ خير مثال على هذه الانتهاكات.

وتضيف عبد اللطيف “ورغم مطالبتنا للبرلمان العراقي بالانضمام إلى البروتوكول الاختياري وتفعيل قانون مناهضة التعذيب الذي أقره الدستور العراقي، فإن مطالباتنا لا تلقى أصداء من قبل المشرعين العراقيين، وهذا ما يُصعّب عمل المنظمات الأممية في إرسال لجان تحقيقية وتقصي الحقائق إلى السجون العراقية”.

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!