إبراهيم جابر إبراهيم 

ما نتحدث عنه دائما هو فكرتنا عن الأشياء، وليست الأشياء ذاتها.

نتحدث عن الوطن كما نحب أن نراه، وعن الثورة كما يجب أن تحدث، وعن المرأة كما نرسمها، حتى أننا نتحدث عنا كما نظننا؛ وليس كما نحن.

فكرتنا عن الشيء غالبا ما تفوقه وزنا، وتكون لامعة بالطبع، وجذابة، لكنها مختلفة حد أنها أحيانا تصير “شيئا” آخر.

ورغم أن هذه الأفكار/ الصور/ الأوهام/ الذرائع هي من صناعتنا، لكننا نستخدمها لاحقا للمحاسبة الصارمة التي نقيمها للأشياء “الأصل”، ساخطين ومتذمرين، بل ومتفاجئين أيضا؛ أن الأشياء لم تشبه الصور التي رسمناها!

ويصير هذا ظلما فادحا لأشياء وأشخاص وأفكار وضعناها قسرا في قوالب ليست لها.

فيفاجأ العاشق بامرأة لا تشبه قصيدته، ربما تكون أكثر جمالا، لكنها إذ لم تطابق فكرته عنها يراها أكثر نقصانا، ويفاجأ الشعب بحرية ليست كتلك التي في قصائد “أحمد شوقي”، وأن الثورة ليست كما شاهدها في الأفلام أو قرأها في الروايات،..

ويفاجأ كذلك أنه بعد أن تنجز المظاهرات أعمالها على الناس أن تعود ليوم عمل عادي!

يفاجأ بعض الناس حين يكتشفون أن الثورة ليست تخلصا من المسؤوليات بقدر ما هي زيادة في هذه المسؤوليات، وليست تخلصا من الواقع بقدر ما هي مشروع التصاق أكبر بِه!

ويظن هذا البعض أن الحرية هي نقض الحال لا تصويبه، غير منتبهين أن ما كان ينقصهم ليس صناعة المثل العليا، فهي متوفرة وبكثرة، ولكن وضعها على الأرض وتنفيذها هو الذي ينهض الناس لأجله في ثوراتهم.

ليس المطلوب إذاً، وليس الحلم، هو قتل الأفكار والتمثيل بجثثها، بل إخراجها من مخازن اللغو، وجعلها بمثابة القانون بدلا عن صيغتها الراهنة كشعار.

المطلوب أن نقف أمام الأفكار وجها لوجه، حاملين أفكارنا عنها، فهي لم تتعرض قبل ذلك لأن تكون واقعا يمشي على الأرض، ونحن بقينا دائما نرسمها دون أن نعرف مقاساتها الحقيقية!

زمن الثورات هو زمن البراهين، ومطابقة الفكرة الأصل مع صورتها، وما يفيض عن الصورة هو زائد عن حاجة الناس، يلزم للشعر والأغنيات.

أما ما ينقص عن الصورة، فهو حاجتهم؛ تلك التي دائما ما يموت الناس لأجلها!
..
وما يصاب به الناس أحيانا هو أن يضيعوا الأصل وأن يقتاتوا في حياتهم على الصور؛ الصور التي ما داموا يرسمونها من الخيال؛ مجانا وبلا أي كلفة، فهم يبالغون في طوباويتها وتزويقها، ووضعها في شكل بديع فلا يأتيها النقص من بين يديها ولا من خلفها، ..

لكنهم حين يعثرون على الأصول، أصول الصور التي رسموها، يقعون في جحيم من المقارنات التي تحطم الأصل والصورة معاً.
..
ربما كان خطأ فادحا أن نتورط في رسم أشياء لا نعرفها.

ثمة أجيال سابقة رسمت صورا للحرية، وللثورة، تشبه من حيث الطرافة والحلم ولدا قرويا في مدرسة طينية يرسم “شاطئ الريفيرا” في الصيف!

المقال السابق للكاتب

فزت بمليون دولار!

[wpcc-iframe class=”wp-embedded-content” sandbox=”allow-scripts” security=”restricted” style=”position: absolute; clip: rect(1px, 1px, 1px, 1px);” title=”“فزت بمليون دولار!” — جريدة الغد” src=”https://alghad.com/%d9%81%d8%b2%d8%aa-%d8%a8%d9%85%d9%84%d9%8a%d9%88%d9%86-%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a7%d8%b1/embed/#?secret=Fcr27oiNbD” data-secret=”Fcr27oiNbD” width=”600″ height=”338″ frameborder=”0″ marginwidth=”0″ marginheight=”0″ scrolling=”no”]

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا