قصص عن الذكاء العاطفي: قصة طالب جامعي مع إحدى الشركات

في هذا المقال قصة عن الذكاء العاطفي تبين لك أهمية الذكاء العاطفي في العمل وأثره على الأداء المهني، إليك قصة الطالب الجامعي في إحدى الشركات وكيف وظف ذكاءه في ريادة الأعمال.

كان نابليون قائداً عبقرياً يتمتع بدهاء عسكري وذكاء تنظيمي قلَّ نظيرهما، بيد أنَّه افتقد إلى نوع محدد من الذكاء تسبب في هزيمته، ألا وهو: “الذكاء العاطفي”؛ فقد كان نابليون شخصاً مغروراً ومتعجرفاً إلى أبعد الحدود، وهاتان سمتان تعدَّان من أكبر المسامير في نعش ذلك النوع من الذكاء.

وإذا جمعنا بين العجرفة والذكاء العاطفي والقيادة والنجاح، توفَّر بين أيدينا بضعة عناصر تتحدث عنها سطور مقالتنا الآتية، والتي تختلف عن بقية المقالات التي تعودتم أن تقرؤوها في موقعنا “النجاح نت”؛ إذ نقدم إليكم قصة صُحفية تروي أحداثاً حقيقية جذبت اهتمام روَّاد التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة والعالم أجمع؛ لذا تابعوا معنا قراءة هذا المقال “الصحفي” بامتياز، لنتعلم سوياً درساً يبيِّن أهمية الجمع بين الذكاء العاطفي وريادة الأعمال.

“كريسبي كريم” ترتكب خطأً كاد أن يضربها في مقتل… والذكاء العاطفي يتدخل لينقذ الموقف:

ما هو المبلغ الذي قد يدفعه محبو شركة “كريسبي كريم” (Krispy Kreme) لقاء علبة من حلوى الدونات؟

لقد توصَّل طالب جامعي من ولاية مينيسوتا يُدعَى “جايسون غونزاليس” (Jason Gonzalez) في وقت سابق إلى إجابة عن هذا السؤال، وذلك حينما عثر مصادفة على فرصة عمل غير متوقعة؛ فقد كان سكان منطقة “المدينتان التوأم” -إحدى مناطق ولاية مينيسوتا الأمريكية- يتوقون إلى إيجاد طريقة تمكِّنهم من شراء كعك الدونات الخاص بشركة “كريسبي كريم” (Krispy Kreme)؛ وذلك بسبب عدم توفر متاجر لهذه الشركة في هذه البقعة الجغرافية.

لقد كان هؤلاء الناس يرغبون في ذلك لدرجة جعلتهم لا يمانعون دفع نحو ضعف الثمن الاعتيادي لعلبة تحتوي على 12 قطعة منها؛ لذا بدأ غونزاليس قيادة سيارته لمدة 8 ساعات ذهاباً وإياباً كل أسبوع إلى مدينة كلايف في ولاية أيوا القريبة ليلبي حاجتهم تلك، ويتمكن من تغطية نفقات دراسته الجامعية؛ فراحَ يشتري نحو مئة علبة من تلك العلب ليعيد بيعها في طريق عودته.

لعلَّك قد ظننت أنَّ شركة “كريسبي كريم” سوف تُشيد بروح غونزاليس الريادية في مجالِ إدارة الأعمال، وتشكره على جعلهم يبيعون 1200 قطعة إضافية من حلوى الدونات كل أسبوع لزبائن من خارج منطقة عملهم المعتادة؟ حسناً هذا ما قد تظنه – وهو ما فكر فيه غونزاليس أيضاً – لكن ما حدث كان عكس هذا تماماً؛ فقد تواصلت معه هذه الشركة، وطالبته بالتَّوقف عمَّا يقوم به.

ما تلا ذلك أضحى درساً في حُسنِ توظيف الذكاء العاطفي في خدمة ريادة الأعمال والالتفات إلى احتياجات العملاء، وصفعةً على وجه تلك الشركة، نبَّهتها إلى غلطةٍ فادحة كادت أن ترتكبها بحق نفسها.

كان هذا الموجز، وإليكم التفاصيل..

الخلفية الدرامية للأحداث:

بدأت القصة في وقت سابق من هذا العام، وذلك حين سافر غونزاليس -البالغ من العمر 21 عاماً، والذي يدرس المحاسبة في جامعة ولاية ميتروبوليتان- برفقة فريق كرة القدم للصغار الذي يدربه للمشاركة في إحدى البطولات؛ وحينما رأى متجراً لشركة “كريسبي كريم” (Krispy Kreme)، نشر رسالة على الفيسبوك يسأل فيها عمَّا إذا كان أي شخص يرغب في أن يبتاع له بعضاً من الدونات التي تنتجها هذه الشركة.

“أنا لا أكذب حين أقول أنَّني تلقَّيت ما يربو عن 300 من الردود التي يطالبني أصحابها بأن أبتاع لهم بعض الدونات”؛ هكذا أخبر غونزاليس “ديانا وينغر”، مراسلة صحيفة “Twin Cities Pioneer Press”، والتي كانت أول من غطت هذه القصة.

وبهذا أوجد غونزاليس لنفسه فرصة عمل رائعة، حيث كان يتلقى الطلبات عبر صفحة أنشأها على الفيسبوك وأسماها “كريسبي كريم عبر مينيسوتا”، ثمَّ يرسل بريداً إلكترونياً إلى مدير فرع الشركة في مدينة كلايف بولاية أيوا للتأكيد على أن تكون طلبيته التي تضم نحو 100 علبة جاهزة عند وصوله، ويستيقظ بعد ذلك قبل الساعة 2 صباحاً ليبدأ القيادة لمدة أربع ساعات -نحو 402 كيلومتر- إلى مدينة كلايف، حيث يملأ سيارته الفورد فوكس بمئة علبة من الدونات.

يتوقف غونزاليس في رحلة العودة إلى منطقة “المدينتان التوأم” في ثماني محطات معظمها في مواقف سيارات، ويضع بعد إيقاف سيارته علبة دونات على سقفها كإشارة تدل على أنَّه بات جاهزاً لبدء عملية البيع، فيصطف رتل من الزبائن خلال دقائق.

كان غونزاليس -الذي أضحى يُعرَف باسم “فتى الدونات”- يبيع بضاعته بسعر يتراوح بين 17 إلى 20 دولاراً لكل علبة، مع أنَّ السعر الأصلي يقارب 8 دولارات للعلبة الواحدة، وهو ما يجعله يربح بين 9 إلى 12 دولاراً، مع الأخذ في الحسبان تكاليف وقود سيارته وصيانتها، دون أن ننسى “تعبه هو شخصياً”.

مع كل هذه الدعاية الإيجابية لشركة “كريسبي كريم” (Krispy Kreme)، ظنَّ الجميع أنَّها ستروِّج لهذه القصة وتدعم شاباً أحبَّ علامتهم التجارية وساعد على الترويج لها ضمن مناطق لا تنشط فيها؛ لذا كان الأمر صادماً حينما فعلت كريسبي كريم (Krispy Kreme) خلاف ذلك؛ فبعد مُضيِّ أقل من أسبوع على نشر صحيفة “Twin Cities Pioneer Press” القصة، أخبر غونزاليس “ديانا وينغر” أنَّ “أحد كبار المديرين” هاتفه وأمره “بالكفِّ والتوقف” عمَّا يقوم به.

رد غاية في الروعة:

كان بمقدور جايسون أن يسمح لعواطفه بأن تتحكم به، ويُصاب بالإحباط، ويقول عن مسؤولي هذه الشركة بأنَّهم “ثلة من الحمقى”، ويُشهِّر بهم وبشركتهم، أو يلجأ إلى المحاكم ويقاضيهم؛ فهو أولاً وأخيراً، كان يدفع ثمن علب الدونات التي يشتريها؛ لذا لا دخل لهم بما يفعل بها بعدئذ؛ لكنَّه بدلاً من ذلك ردَّ “بذكاءٍ عاطفي” قلَّ نظيره، حيث قال في مقطع فيديو نشره على الفيسبوك:

“لم يكن في نيتي قطُّ أن أجعل شركة كريسبي كريم تبدو وكأنَّها “الشخصية الشريرة” في هذا السيناريو؛ فصحيح أنَّه لمن المحزن أن أجد نفسي مضطراً إلى التوقف عمَّا أقوم به، لكن طالما أنَّهم يريدون منِّي أن أقوم بذلك، فسأنفِّذ لهم رغبتهم؛ ذلك لأنَّه إذا أُغلِقت نافذة أمل في وجهي، فستُفتَح نافذة جديدة، وأنا أنتظر لأرى ما ستكشف الأحداث عنه؛ ومن يدري؟ لعلَّ في الأمر خيراً لي؛ لكن أيَّاً كان الحال، فسأقبل به؛ لأنِّيَ شخص ينظر دوماً إلى النصف الممتلئ من الكأس”.

ياله من رد رائع يصدر عن فتى يبلغ من العمر 21 عاماً!

ما حدث بعدئذ هو أنَّ مختلف المحطات الإخبارية في جميع أرجاء الولايات المتحدة قد نشرت قصة جايسون وعنونتها: “شركة كبيرة سيئة تسحق آمال وأحلام فتى جامعي”، ليعقب ذلك سلسلة ردود فعل قاسية على مواقع التواصل الاجتماعي، ولتدرك عندها شركة كريسبي كريم (Krispy Kreme) أنَّها ارتكبت غلطةً لا تُغتفَر؛ لذلك صرَّحت للصحيفة نفسها قائلة:

“لقد أصبحنا على درايةٍ كاملةٍ بقضية جايسون، والتي تصرفنا إزاءها من موضع “حسن نية” كما نأمل أن نفعل دائماً؛ كما أنَّنا نُعرِب عن تقديرنا لشغف جايسون بمنتجات الشركة، وإعجابنا بروحه الريادية التي أبداها وهو يواصل تعليمه الجامعي”.

يُظهِر هذا الرد شيئاً من الذكاء العاطفي الذي تتمتع به الشركة، وكثيراً من الدهاء في إدارة علاقاتهم العامة أيضاً؛ ففي حين لم يُعرَف مَن هو الشخص الذي تواصل مع جايسون، نجحت الشركة من خلال الإشارة بأنَّ موقفها صدر عن “حسن نية” في عدم وضعه في عين العاصفة أو التنصل من فعلته، وأشادت بجهود الشاب في الوقت نفسه.

نشر جايسون لاحقاً ما تلا هذا الموقف من أحداث على الفيسبوك، مصرِّحاً:

“لقد تواصلت معي شركة “كرسبي كريم” مباشرة، وقد بتنا نعمل سوية، وتوصَّلنا إلى حل إيجابي من شأنه ضمان قيامنا بذلك بالطريقة الصحيحة. سأزودكم بتفاصيل إضافية قريباً، فترقبوا منِّي كلَّ جديد”.

لقد أخبر غونزاليس متابعيه لاحقاً بأنَّه سيواصل العمل كمشغل مستقل بدعم من الشركة، وبدأ حملة “GoFundMe page” على صفحة أنشأها على الإنترنت للمساعدة في تمويل شراء سيارة أكبر لنقل كمية أكثر من الحلوى، وأعلنت الشركة في وقت لاحق أنَّها ستتبرع لجايسون بـ “500” علبة من الدونات كمبادرةٍ منها لدعم عمله؛ وفيما يأتي البيان الكامل عبر حساب الشركة الرسمي على تويتر، والذي يُظهِر كيف طبَّقت الشركة معايير الذكاء العاطفي لإنقاذ الموقف:

Krispy Kream

“لقد تواصلنا مع جايسون مجدداً للتعبير عن تقديرنا لحبه لكريسبي كريم، وإعجابنا بروحه الريادية التي يمتلكها؛ كما أعلمناه أنَّنا سنساعده على تحقيق جزء من أهدافه عن طريق بيعه للدونات التي تصنعها الشركة، والتي تتضمن ألَّا يكون مديوناً عندما يتخرج من جامعته في عام 2021.

كان هدفنا فيما يتعلق بمنعه “مؤقتاً” من بيع الحلوى هو ضمان جودة المنتج والامتثال التنظيمي بما يهدف إلى حماية كلا الطرفين، ونود أن نؤكد على أنَّ غايتنا المشتركة هي ضمان أنَّ الكعك الذي يبيعه جايسون، يحافظ على معايير الجودة العالية لمنتجاتنا قياساً بالمسافة التي يقطعها والطريقة التي ينقل ويوزع جايسون الحلوى من خلالها.

لذا نعرب عن كامل سعادتنا للعمل معه كمشغل مستقل، ونضمن له توفير إمداد ثابت من المنتج عالي الجودة الذي تقدمه شركتنا إلى محبيها في ولاية مينيسوتا، ونتمنى له تحقيق نجاح باهر، ويسرُّنا التبرع إليه بـ “500” علبة دونات عندما يعيد بدء نشاطه التجاري، كمساعدةٍ منَّا على جعله ينجح في مسعاه هذا”.

يا لها من نهاية سعيدة للأحداث! لذا، في المرة القادمة التي لا تسير فيها سفنك كما تشتهي، قاوم رغبتك في التلفظ بأقوال سلبية، أو في التخلي عن الأمل؛ وأظهِر بدلاً من ذلك قليلاً من الذكاء العاطفي، واستمر في التركيز على ما يمكنك التحكم به، وجِد طريقة لتوجيه مشاعرك إلى شيء أكثر إيجابية؛ فكما علَّمنا “فتى الدونات”: “مَن يدري؟ لعلَّ في الأمر خيراً لنا”.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!