قيس سعيّد يسابق الزمن.. هل يزيح خصومه بحل البرلمان وتأسيس مسار سياسي جديد؟

في تحليلهم لتوجهات قيس سعيّد، يعتبر باحثون دستوريون وسياسيون أن كل ما يقوم به الرئيس منذ 25 يوليو/تموز الماضي وحتى لقائه خبراء القانون الدستوري، أعمال تمهيدية واستباقية نحو حل البرلمان.
لقاء قيس سعيد بخبراء في القانون الدستوري أثار تساؤلات حول رغبة الرئيس في حل البرلمان التونسي (مواقع التواصل)

تونس- لوّح الرئيس قيس سعيد، في لقائه بخبراء في القانون الدستوري، بذهابه نحو إسقاط قوائم انتخابية لأحزاب وردَ اسمها ضمن تقرير محكمة المحاسبات. وهو ما اعتبره كثيرون تمهيدا من الرئيس لحل البرلمان بمراسيم رئاسية.

وفي اللقاء الذي جاء بعد يوم من تصريح مثير لرئيس البرلمان المجمدة أعماله راشد الغنوشي بأن “البرلمان عائد شاء من شاء وأبى من أبى”.

واستنكر الرئيس خلال لقائه بأستاذي القانون الدستوري الأمين محفوظ والصادق بلعيد، ما وصفه بـ”البطء الحاصل في مسار التقاضي الخاص بتقرير محكمة المحاسبات والمتعلق بنتائج مراقبة تمويل الحملات الانتخابية للانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 2019. ومنها حملات قوائم لحركة النهضة وقلب تونس.

وتساءل سعيد “ما قيمة نص قانوني وُضع من قبل عشرات النواب في حين أن تمويلهم أجنبي، وثبت لمحكمة المحاسبات الخروقات؟”، مضيفا “ماذا ينتظرون؟ أعتقد لا بد أن نتخذ إجراءات أخرى في إطار المراسيم”.

 

 

 

وسبق أن أكدت القاضية بمحكمة المحاسبات فضيلة القرقوري إحالة أكثر من 30 ملفا للقضاء العدلي المختص، تتعلق بمخالفات في الحملات الانتخابية، مشيرة إلى أن حزب النهضة وقلب تونس معنيان بهذه الجرائم لتورطهما في تلقي تمويل أجنبي للحملات الانتخابية.

نحو حل البرلمان

وفي تحليله لتوجهات الرئيس سعيّد، اعتبر الباحث في القانون الدستوري رابح الخرايفي أن كل ما يقوم به الرئيس منذ 25 يوليو/تموز الماضي وحتى لقائه بخبراء القانون الدستوري، أعمال تمهيدية واستباقية نحو حل البرلمان.

وأعلن الرئيس سعيّد منذ 25 يوليو/تموز الماضي إجراءات استثنائية عطّل بموجبها عمل البرلمان، وأقال رئيس الحكومة، وتولى جميع السلطات، مما أثار موجة جدل داخلية ودولية وتساؤلات حول مصير الديمقراطية في تونس.

وبرأي الباحث الخرايفي، للجزيرة نت، فإن الرئيس لن يصدر مرسوما صريحا يتعلق بإسقاط القوائم الانتخابية الواردة في تقرير محكمة المحاسبات، لكنه سيصدر بالمقابل أوامر رئاسية لاختزال آجال التقاضي بخصوص القضايا المنشورة، والتي تهم خاصة كلا من قلب تونس وحركة النهضة.

وفي حال صدور قرار قضائي بإلغاء نتائج الانتخابات التشريعية أو جزء منها، يرجح الخرايفي أن يصبح البرلمان “بحكم العدم وفاقدا لشرعيته”، مما يعطي للرئيس مبررات قانونية لحله والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة.

ويُعتمد تقرير محكمة المحاسبات أمام القضاء كحجة لها تبعاتها وآثارها القانونية المتمثلة في إسقاط القوائم الانتخابية التي ثبت تلقيها تمويلات أجنبية.

لكن الباحث الخرايفي ينفي، بالمقابل، صفة الانقلاب التي يطلقها خصوم الرئيس، مشددا على أن سعيّد يتحرك ضمن التدابير الاستثنائية وفي إطار الفصل 80 من الدستور.

 

 

استهداف النهضة

أما القيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين منجي الرحوي فيرى أن البرلمان لن يعود، مشيرا في تصريحات إعلامية إلى أن المراسيم التي تحدث عنها الرئيس قيس سعيد تستهدف أساسا الغنوشي وحزبه.

وأحدث تلويح قيس سعيد باللجوء إلى المراسيم الرئاسية فيما يتعلق بتقرير محكمة المحاسبات، قلقا في صفوف خصومه السياسيين الذين حذّروا من مغبة إقدامه على هذه الخطوة.

وقال الناشط في المجتمع المدني والقاضي السابق أحمد صواب إن “الارتباك الذي يعيشه الرئيس ويقينه باستحالة حل البرلمان، جعلاه يبحث عن مخرج للتخلص من خصومه السياسيين بأي شكل”.

وأشار صواب، في تصريحات إعلامية محلية، إلى أن الرئيس وبحديثه عن رغبته في إسقاط القوائم الانتخابية، استهدف مباشرة قوائم حركة النهضة، وتحديدا قائمة رئيس المجلس راشد الغنوشي، وبعض قوائم قلب تونس.

وحذر الناشط من خطورة إسقاط القوائم الانتخابية التشريعة بمراسيم رئاسية، معتبرا أن ذلك سيجعل رئيس الجمهورية يحل محل السلطة القضائية.

وشدد صواب على أن تقرير محكمة المحاسبات المتعلق بمراقبة الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019، لا يمكن اعتباره عملا قضائيا يترتب عليه ما يترتب عن الأحكام القضائية.

تضارب مصالح

وفي حديثه للجزيرة نت، استنكر الأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي مواصلة الرئيس “خرق الدستور والسطو على جميع السلطات” عبر استعمال المراسيم لتنفيذ مشروعه السياسي وإقصاء خصومه.

واعتبر الشواشي أن قيس سعيد “في وضعية تضارب مصالح” باعتباره مشمولا بالجرائم الانتخابية والتمويل الأجنبي الواردة في تقرير محكمة المحاسبات، بسبب صفحات اجتماعية مدفوعة الأجر روّجت لحملته الانتخابية.

وأردف “لا يجوز للرئيس أخلاقيا وقانونيا أن يتدخل بمراسيم لتغيير أو تعديل قوانين الانتخابات، ولا يمكن أن يلعب دور الخصم والحكم”.

ويعتقد الشواشي أن لقاء سعيد بخبراء القانون الدستوري يهدف لإيجاد مخرج نحو تفعيل تقرير محكمة المحاسبات عبر استصدار مراسيم، محذرا من مغبة هذه الخطوة التي اعتبرها “استيلاءً على السلطتين التشريعية والقضائية”.

وفي تعليقه على المراسيم الرئاسية، قال المستشار السياسي لرئيس البرلمان وحركة النهضة رياض الشعيبي، في تصريح إذاعي، إن البرلمان سيلغي جميع المراسيم التي أصدرها رئيس الجمهورية منذ 25 يوليو/تموز الماضي، في أول جلسة له عند استئناف نشاطه.

احتجاج سابق لأعضاء جمعية القضاة التونسيين، ومخاوف من سيطرة سعيّد على السلطتين التنفيذية والقضائية (مواقع التواصل)

ما غاب عن الرئيس

ويرى المحلل السياسي عبد اللطيف دربالة أن قيس سعيد يستبطن الأسباب والمسببات لحل البرلمان عبر إسقاط القوائم الانتخابية، “في ظل عجزه عن حله، وحتى يبقى في إطار الفصل 80، ولا يعطي حجة لخصومه بانقلابه على الدستور”.

ويقول دربالة إن الرئيس يسير بالسرعة القصوى في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية، أمام طول فترة الإجراءات الاستثنائية، ورغبته في تأسيس مسار سياسي جديد لإزاحة خصومه السياسيين، خاصة النهضة وقلب تونس.

لكنه لفت إلى “أن ما غاب عن ذهن الرئيس في دور محكمة المحاسبات، كونها لا تملك سلطة إصدار الأحكام النهائية في إسقاط القوائم الانتخابية، بل تقوم بتحريك الدعاوى وإحالة المخالفين إلى القضاء”.

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!