كل ما تريد معرفته عن التسامح

يعدُّ التسامح من أسمى الأخلاق الإسلامية والإنسانية على الإطلاق، فهو يحمل كلَّ معاني العفو والتواضع، بما فيها: سهولة التعامل، والصفح والتخلص من الحقد والكراهية؛ وهو من أبرز الأسس التي تتعلَّق بالعلاقات الإيجابية بين جميع أفراد المجتمع، ولا يتعلَّق بها فحسب، بل يتعدَّاها ليشمل كلَّ جوانب الحياة. سنقدِّم إليكم في هذا المقال كلَّ ما تريدون معرفته عن التسامح، وأهميَّته، وأثره في الإسلام والمجتمع.

Share your love

سنقدِّم إليكم في هذا المقال كلَّ ما تريدون معرفته عن التسامح، وأهميَّته، وأثره في الإسلام والمجتمع.

1. مجالات التسامح:

نرى التسامح في علاقات الأفراد اليوميَّة فيما بينهم، مثل الأب الذي يسامح أبنائه على تقصيرهم وأخطائهم وعدم إبدائهم طاعةً كافية، ويسامح زوجته وجيرانه على هفواتهم أيضاً؛ إذ ينبغي في إطار العلاقات الاجتماعية أن يتسامح الكبير مع الصغير، والبائع مع الزبون، والمدير مع موظَّفيه؛ لأنَّ ذلك ما حثَّنا عليه الإسلام، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “رَحِمَ الله رَجُلَاً سَمْحَاً إذا بَاعَ وإذا اشْتَرَى وإذا اقْتَضَى”.

يشمل التسامح: بناء العلاقة القوية بين جميع أصحاب الديانات السماوية، والحقَّ في التعبير عن الرأي والحرية بشكلٍ محترم، وعدم السعي إلى هذا الحق بشكلٍ سيءٍ أو مبالغٍ فيه، ومقابلة السيئة بالحسنة دائماً؛ وذلك لقوله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [سورة فصلت: الآية 34].

2. آثار التسامح:

حينما يلتزم أفراد العائلة والمجتمع بَخُلُقِ التسامح، تأتيهم السعادة دون شك، وتترسَّخ روابط المحبة فيما بينهم، وتذهب العداوات، ويختفي الظلم، ويسود العدل، وتنتشر المحبة والطمأنينة والنية الصافية في قلوب البشر، ولا نسمع عن الظلم مرةً أخرى في العالم.

يوجد نمطان من البشر: الأول يسامح، والثاني يحقد. يُصنَّف الأول من النمط السليم، فهو يُصلِح جميع الأشياء -سيئةً كانت أم جيدة- ويحاول القيام بكلِّ ما بوسعه؛ أمَّا النوع الثاني، فتكون آثار حقده وخيمةً جداً عليه وعلى الآخرين، ويُشكِّل الجذور الحقيقية لكسر قاعدة التسامح والسِلم بين البشر.

تعدُّ الأخلاق السامية والنبيلة مشتركةً بين جميع الأديان السماوية، وتهدف إلى ضمان السِلم والاستقرار الاجتماعي، وهي الضامن الوحيد الذي يؤمِّن السلام والأمان؛ كما تعدُّ العامل الأساسي لبناء الأمم والشعوب، وخلق الروح البشرية السَّمحة بين أفرادها.

3. أنواع التسامح:

هناك أنواعٌ متعددةٌ للتسامح، وأهمُّها:

3. 1. التسامح العرقي:

يهدف إلى جعل الفرد قادراً على تقبُّل جميع الناس من حوله، وبالظروف والفروقات العرقية كافة، مثل: لون البشرة، والأصل، والجنس، وغيرها من الاختلافات.

3. 2. التسامح الديني:

يجعل هذا النوع من التسامح الفرد قادراً على التعايش مع الناس من مختلف الديانات والملل، ويكون مصحوباً بعدم تعصّبهِ لدينه، وتقبُّله لهم، وعدم منعهم من نيل حقوقهم في ممارسة طقوسهم الدينية، وعدم ردِّ أيِّ أذيةٍ يرتكبونها بحقِّه بأذيةٍ أخرى.

3. 3. التسامح السياسي:

يشير هذا النوع من التسامح إلى التمتع بالحرية الكافية على الصعيدين الجماعي والفردي، وعدم التهجُّم على أيِّ فكرٍ سياسيٍّ أو أيِّ حزب؛ ويؤدي إلى تعزيز وتطوير مبدأ الديمقراطية والعدالة.

3. 3. التسامح الثقافي:

يركِّز هذا النوع على الابتعاد عن التعصب، وتقبُّل وجهات النظر التي يعطيها الناس عن أنفسهم أو عن غيرهم؛ لذا ما عليك إلا تقبُّل أفكارهم ومنطقهم، واحترام حريتهم وطريقة تفكيرهم، ومناقشتهم بأسلوبٍ محترم، وعدم ردِّ الأذية بأذيةٍ مشابهة.

4. التسامح في الإسلام:

الإسلام دينٌ عالميٌّ يسعى إلى خلق المعاملة الحسنة بين البشر على الدوام، حيث إنَّه يهتمُّ يجعل البشر يلجؤون إلى العدل والتسامح فيما بينهم، وإنهاء الظلم والتعصب والغضب؛ ويدعو إلى خلق الاحترام المتبادل بين البشر، واحترام الرأي الآخر.

إنَّ أشد ما تحتاجه مجتمعاتنا في أيامنا التي نعيشها الآن: التعايش والتسامح، واللذان يؤدِّيان إلى تبادل التفكير الإيجابي بين مختلف الأديان والثقافات، ونشر روح التعاون والمحبة.

يرى الإسلام أنَّ التسامح شرطٌ أساسيٌّ لتحقيق السلام في جميع المجتمعات؛ ولهذا السبب نجد أنَّ الله تعالى قد وجَّه خطاباً للعقل الإنساني في القرآن الكريم، قاصداً فيه تربية نفسٍ إنسانيةٍ تهدف إلى تحقيق الذات وتطويرها؛ كما قد أمرنا باستخدام أسلوبي التنبيه، والتوجيه بالتسامح والاحترام، وذلك في قوله: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [سورة الممتحنة: الآية 8].

5. أثر التسامح في المجتمع:

يعدُّ التسامح بين أفراد المجتمع مفتاحاً يمكِّننا من استثمار الطاقات والمواهب بشكلٍ فعَّال، وذلك لرفع المستوى المعيشي والنهوض بالمجتمع، فعلى سبيل المثال: يكون المواطن مُخلِصاً للوطن الذي يعيش فيه، وقادراً على التضحية في سبيله؛ وذلك من خلال نبذ الانقسام والتعصب اللذان يؤدِّيان إلى ضعف كيان الدول، وجعلها عرضةً للتشويش والانهيار.

وكما يُقال: “البيتُ المنقسم لا يستمر”، أي لا يمكنُ تحقيق السلام والسلم إلَّا حينما تُشفَى الأمة من الكراهية، ويسعى أفرادها إلى فهم بعضهم بعضاً، بعيداً عن العنف أو التمييز على اختلاف أشكاله.

حينما تكون الأمة غير قادرةٍ على التسامح فيما بينها ومع أفرادها، سيسكنها الإحباط والاكتئاب والحزن؛ ولكنَّ التسامح يكسر كلَّ تلك الحواجز، ويُعطي المجتمع قِوىً وقدراتٍ قادرةً على التفكير بصورةٍ أوسع، والعيش بسلامٍ وفرح.

6. أهمية التسامح:

تعدُّ حاجتنا إلى التسامح في مجالات الحياة التي نعيشها ماسَّةً جداً؛ وذلك لأنَّه ركيزةٌ أساسيةٌ لزرع المودَّة والمحبة في طبقات المجتمع كافة؛ فتفضيل الكره على الصدق والمحبة ما هو إلَّا طريقٌ معبَّدٌ نحو الهاوية.

لا يُمكِن بناء السلام والحفاظ عليه دون فهمٍ وتطبيقٍ حقيقيٍّ لمعنى التسامح، فحينما تغيب تلك المشاعر النبيلة، يؤدِّي ذلك إلى اقتتال الأمم وتعنيف بعضها بعضاً؛ فحينما تفشل الحُجج، تكون القوة وسيلةَ دعمٍ لوجهات النظر بين الجميع.

لا يعني إظهار الاحترام والتقبُّل للآخرين التخلِّي عن المبادئ والأفكار والأمور الخاصَّة، بل هو محاولةٌ للبحث عن النقاط المشتركة للناس فيما بينهم، والابتعاد عن نقاط التفرقة التي تُحاول قطع أوصال الترابط.

ختاماً:

تدفعنا رغبتنا في الاقتداء بالنبي محمد -صلَّى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام إلى تبنِّي التسامح في تعاملاتنا اليومية وتطبيقه، لنسير على الطريق الصحيح والقويم في الحياة؛ إذ يبقى التسامح الرمز الذي يعبِّر عن الحبِّ والسِلم والسلام والدين والاحترام، وما علينا إلَّا العمل به.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!