‘);
}

عدد خَزَنَة جهنّم كما ورد في القرآن الكريم

ذَكَر الله -عزّ وجلّ- في كتابه العزيز عدد خَزَنَة جهنّم من الملائكة، فقد قال -تعالى-: (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ)؛[١] أي خزنتها من الملائكة تسعة عشر، وهذا ما ذكره الطبري -رحمه الله- في تفسيره،[٢] وقال أبو السعود -رحمه الله- في تفسيره إنّ العدد المذكور في الآية يُشير إلى صفوف الملائكة؛ فهم تسعة عشر صفّاً، وقيل إنّ العدد يدلّ على نقباء الملائكة؛ فهم تسعة عشر نقيباً،[٣] وقد ورد ذِكْر عدد خَزَنَة جهنّم أيضاً في الحديث الغريب الذي رواه الصحابيّ جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (قال ناسٌ من اليهودِ لأُناسٍ من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هل يعلم نبيُّكم كم عددُ خزنَةِ جهنَّم؟ قالوا: لا ندري حتى نسألَه؟ فجاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: يا محمدُ غُلِبَ أصحابُك اليومَ، قال: وبِمَ غُلِبوا؟ قال: سألهم يهودٌ هل يعلم نبيُّكم كم عددُ خزَنَةِ جهنَّمَ؟ قال: فما قالوا؟ قال: قالوا:لا ندري حتى نسألَ نبيَّنا، قال: أُفَغُلِبَ قومٌ سُئِلوا عما لا يعلمون، فقالوا: لا نعلم حتى نسأل نبيَّنا، لكنهم قد سألوا نبيَّهم فقالوا: أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً، عليَّ بأعداء اللهِ؛ إليَّ سائلُهم عن تربةِ الجنةِ، وهي: الدَّرْمَكُ، فلما جاؤوا قالوا: يا أبا القاسمِ كم عددُ خزنةِ جهنَّم؟ قال هكذا، وهكذا في مرة عشرةٌ وفي مرة تسعةٌ، قالوا: نعم، قال لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما تُربةُ الجنَّةِ، قال: فسكتُوا هُنَيهَةً، ثم قالوا: خُبزةٌ يا أبا القاسمِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: الخبزُ من الدَّرْمَكِ)،[٤] وبيّن الإمام الترمذيّ -رحمه الله- أنّ الحديث السابق غريبٌ، وإنّما يُعرف من حديث التابعيّ مُجالد بن سعيد.[٥]

وقد بيّن الله -تعالى- في آيةٍ أخرى الحِكمة من ذِكْر عدد خَزَنَة جهنّم، حيث قال -تعالى-: (وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّـهُ بِهَـذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّـهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ)،[٦] فذِكْر الله لعدد خَزَنَة جهنّم من الملائكة؛ يحمل أهل الكتاب السابقين على تصديق القرآن؛ لأنّه يُؤكّد على ما ذُكْر في كتبهم من قبل، كما يزداد أهل الإيمان إيماناً ويقيناً، فلا يتسلّل الشكّ والارتياب لقلوبهم، كما أنّ ذِكْر ذلك العدد يبثّ الحيرة في قلوب المنافقين الذين لا يُدركون المغزى من ذِكْر الأمثال في كتاب الله؛ بسبب ضلالهم وتَيْهِهِم،[٧] وتجدر الإشارة إلى أنّ ذلك العدد فيه فتنةٌ للمُشركين الذين اعتقدوا قلّته؛ بحيث يعتقدون قدرتهم يوم القيامة على التغلّب عليهم، إلّا أنّ الحقيقة التي غابت عن وَعْيهم أنّ الله -تعالى- قد أعطى لكلّ واحدٍ من خَزَنَة جهنم قوّةً وبأساً تمكّنه من مواجهة الناس أجمعين، وقد ذكر العلّامة ابن رجب -رحمه الله- في تفسير الفتنة التي ذُكرت في الآية الكريمة مبيّناً أنّ المقصود منها عدّة خَزَنَة جنّهم، حيث جعل الله عددهم فتنةً للمُشركين؛ ليظنّوا أنّهم قادرين على مُدافعتهم ومُمانعتهم، فقال: “والمشهور بين السلف والخلف أنّ الفتنة إنّما جاءت من حيث ذكر عدد الملائكة الذين اغترّ الكفار بقلتهم، وظنّوا أنّهم يُمكنهم مُدافعتهم ومُمانعتهم، ولم يعلموا أنّ كلّ واحدٍ من الملائكة لا يُمكن البشر كلّهم مقاومته”.[٨]