كورونا ومراثي الفراغ

لها، إذ تُرممُ الفراغَ حولي، وتغسلُ العزلةَ بالتيزاب، توهمني بالجسدِ العاطلِ عن الوقتِ، والمرايا المغشوشة بالوجوه.. لها، أبادلُ صمتَ الشارعِ بضجيجي، وهتافَ الليلِ بانكسارِ شهوتي.. أنا داخلُ النافذةِ، لا أرى سوى نافذةٍ أخرى، كلانا نتبادلُ العزلةَ، والشهقةَ، والخوفَ، نلوذُ بالمُعقماتِ لنرى العالمَ واضحا… الوقتُ خدعةٌ لم تعدْ بيضاءَ، فالعداؤون تركوا المضمارَ، والنساءُ تركنَّ الليلَ للسواد […]

كورونا ومراثي الفراغ

[wpcc-script type=”204e578b0513630d9dffcad9-text/javascript”]

لها،
إذ تُرممُ الفراغَ حولي، وتغسلُ العزلةَ بالتيزاب،
توهمني بالجسدِ العاطلِ عن الوقتِ، والمرايا المغشوشة بالوجوه..
لها،
أبادلُ صمتَ الشارعِ بضجيجي، وهتافَ الليلِ
بانكسارِ شهوتي..
أنا داخلُ النافذةِ، لا أرى سوى نافذةٍ أخرى،
كلانا نتبادلُ العزلةَ، والشهقةَ، والخوفَ،
نلوذُ بالمُعقماتِ لنرى العالمَ واضحا…
الوقتُ خدعةٌ لم تعدْ بيضاءَ، فالعداؤون تركوا المضمارَ،
والنساءُ تركنَّ الليلَ للسواد والاخطاءِ العابرةِ،
والشعراءُ تعفنوا، أو تعفرّوا في الزوايا، لا تحضرُهم الأكاذيبُ،
ولا يلبسون القمصانَ الرثةَ…
المقاهي علّقتْ كراسيها كشواهدِ المقبرةِ، إذ
يغفو الصمتُ جوارَ الرصيفِ، والشرطيُّ الحذِرُ يراقبُ،
الشارعَ الملوثَ بالفيروسات،
ربما جريمةُ قتلٍ ستحدثُ هنا، فالمقهى عامرٌ بالأصابعِ، والروائحِ
والقبلات!

2

يقولُ الطبيبُ: اَلشعراءُ صالحونَ للماضي،
يكرهون الفراغ كثيرا،
لهم أشباحُهم، وطواحينُهم، وغبارُهم، وفيروساتُهم الماكرة.
يقول الشاعرُ: اللغةُ لا وقتَ لها، والجسدُ لا فتنةَ له،
والأسماء تشتري الاستعاراتِ بالأقنعةَ،
توهم «كورونا» بالخديعة، تبادله المجاز بأخطاءِ الفرجة،
تدعوه إلى حكمة جاك بريفير
حيث الكلُّ يبحثون،
الحمار
والشاعر والملك-
عن طاولةٍ للاشتباك، أو حانةٍ للنسيان.
الشاعرُ يتركُ جملتَهُ للفراغ،
أو على كرسيِّ الغائب،
والملكُ يموتُ من النعاسِ الطويلِ،
الحمارُ وحدُه مَنْ يمارس الضجيجَ العلني
بدون معقماتٍ وطنية..

3.
جملةُ الشاعرِ تشبهُ السيكارةَ، أو كيسَ النايلون،
أو معطفِ جان دمو،
طاعنةٌ بالفراغِ، والاستعاراتِ العجولةِ،
سريرُه يُشابقُ البردَ، يسقطُ في الوحشةِ، والمحوِ،
يعوي من فرطِ العزلةِ،
أو يتعرّى كي ينهشه الذئبُ وحيدا.
ما بين الجملةِ والسريرِ ثمة أنوثةٌ للفراغِ،
أنوثةٌ تدلقُ بياضَها للغوايةِ إذ يسهو
الشاعرُ عن الأسماء/ الأقنعة،
والفيروساتُ عن الحمّى، والشارعُ عن العسسِ،
والجلدُ عن القميصِ، واللغةُ عن الاعترافِ، الكرنفالُ عن البهجةِ،
والموتى عن الرثاءِ.

4
لها
سأقرأُ كتبَ الوزان، وابن خلدون،
أبحثُ في ذاكرةِ الطاعونِ عن أسماءِ الموتى المنسيين،
عن أوطانٍ لم يُعقّمها الغزاةُ بالديتول، ولم يشتروا لها
أقنعةً أو قفازاتِ.
لها
سأعيدُ تسميةَ البلاغةِ، حتى لا يسقط الكلامُ في السهوِ،
ولا يركضُ الجسدُ سريعا للمقبرة،
ولا ينامُ الشعراءُ دونما أخطاءٍ باردة..

5
سأجففُ الوقتَ حولي، استدعي ملوكا رحلوا،
أو ثوارا نسوا أسماءَهم الحزبيةِ على حائطِ برلين،
أو ربما شعراءَ أرادوا غسلَ القصائد
بالأحماضِ الساخنةِ..
الفراغُ حولي يحظْرُ النومُ، يغشّني بالصحو،
يتركني عند «شبهة البيتِ»*
أصطنع المراثي،
أزررُ الحكاياتِ بالأكاذيب.
الفراغُ فردوسٌ أسود،
يُجففُ البهجة،
يبعثُ على السخريةِ، والفضائح،
إذ يشتبكُ المقهى بالمقبرةِ،
والهذيانُ بالحبسةِ، والوجوهُ بالديتول،
والفيروساتُ بالخيانات الإمبريالية.

*شوقي بزيع..

كلمات مفتاحية

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!