كيف تتعافى من آلامك؟

يعيش أغلبنا على الأقل في خمسة أو ستة أحداث مؤلمة في حياتنا؛ فنحن قد نفقد شخصاً عزيزاً، أو ننفصل عمَّن نحب، أو نخسر وظيفة؛ ولكنَّنا سنخرج بعد أحد هذه الأحداث أقوى قليلاً، وأكثر حكمة، وأفضل إلى حد ما. هذا المقال مأخوذ عن الكاتب الأمريكي "مارك مانسون" (Mark Manson)، والذي يحدثنا فيه عن كيفية التعافي من الآلام.

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب الأمريكي مارك مانسون (Mark Manson)، والذي يحدثنا فيه عن كيفية التعافي من الآلام.

وكما لو أنَّ ذلك لم يكن كافياً، لم تجعل الأحداث الخاصة في حياة (مارغريت) الأمر أسهل بالنسبة إليها أيضاً؛ إذ اغتصبها صديق والدتها عندما كانت في سن السابعة، فأخبرت شقيقها عن ذلك؛ ثمَّ بعد بضع أيام، عُثِر على الرجل الذي اعتدى عليها ميتاً.

لقد أُصِيبت بصدمة شديدة من هذه الأحداث لدرجة أنَّها لم تتحدث بصوتٍ عالٍ لمدة خمس سنوات ونصف، وكانت منبوذةً من الخارج والداخل على حدٍّ سواء، وبدت وكأنَّها محكومٌ عليها بحياةٍ صعبةٍ من النضال والعزلة.

ومع ذلك، غيَّرت “مارغريت جونسون” (Marguerite Johnson) اسمها لاحقاً إلى مايا أنجيلو (Maya Angelou)، وأصبحت راقصة وممثلة وكاتبة وشاعرة وقائدة بارزة في حركة الحقوق المدنية في الستينيات، وأول امرأة سمراء يحقق كتابها “أنا أعرف لماذا تغني الطيور في قفص” (I Know Why the Caged Bird Sings) أعلى المبيعات، وقد فازت بالعديد من الجوائز في العديد من المجالات، بل وألقت خطاب تنصيب رئاسي في عام 1993؛ وربَّما كان الأمر الأكثر إثارة للإعجاب هو أنَّه في مرحلةٍ ما اعترفت (مايا) أنَّها أصبحت ما هي عليه الآن بسبب ما مرت به؛ فعندما كتبت، قالت أنَّها كتبت عن ندوبها، وهي ندوب لا يستطيع أحد سواها رؤيتها ولمسها والشعور بها.

لنكن واقعيين: الصدمة ليست شيئاً جيداً، ولا يريد أيٌّ منَّا اختبار هذه المشاعر المؤلمة والرهيبة؛ لكنَّنا نمرُّ جميعاً بذلك في مرحلةٍ أو أخرى، وهذه مجرد حقيقة من حقائق الحياة.

يعيش أغلبنا على الأقل في خمسة أو ستة أحداث مؤلمة في حياتنا؛ فنحن قد نفقد شخصاً عزيزاً، أو ننفصل عمَّن نحب، أو نخسر وظيفة؛ ولكنَّنا سنخرج بعد أحد هذه الأحداث أقوى قليلاً، وأكثر حكمة، وأفضل إلى حد ما.

التعافي في وجه الصدمات:

درس مجال علم النفس حتى وقت قريب نسبياً الطرائق التي أثرت بها الصدمات فينا؛ ولكن كان يجب أن يفكر علماء النفس في هذا منذ فترة طويلة.

قبل أكثر من مئة عام، كان يُعرَف علم النفس باعتباره “علم الدجل”، وكان يقتصر طلب المساعدة النفسية في البداية على أولئك الذين عانوا من اليأس الشديد والحالات المتطرفة من الأمراض النفسية، في حين لم يزر الأشخاص العاديون الذين يعانون من مشكلات عامة أي اختصاصيين نفسيين؛ ذلك لأنَّ هذا كان لا يزال شيئاً موصوماً بأنَّه محرج أو مخجل (ولا يزال الحال كذلك حتى الآن مع الأسف).

نتيجة لذلك، كانت الممارسات النفسية تعالج الحالات الصعبة وشديدة التطرف، مثل: الفصام، والاكتئاب الهوسي، والأفكار الانتحارية، وما إلى ذلك.

لقد خلق هذا نوعاً من التحيز في الاختيار، نظراً إلى أنَّ علماء النفس كانوا يدرسون فقط أكثر حالات الصحة العقلية تطرفاً، وكانت جميع هذه الحالات تقريباً تتعلق بالمريض الذي عانى من صدمة رهيبة في وقت ما، فقد توصل علماء النفس الأوائل إلى استنتاج منطقي بأنَّ الصدمة تؤدي إلى مشكلات في الصحة العقلية؛ ولكن اتضح أنَّ هذا خطأ، بل إنَّ الأمر في الواقع هو العكس تماماً.

التعافي في وجه الصدمات

لم يكن الأمر هكذا حتى أصبح علم النفس والطب النفسي أكثر انتشاراً، حيث بدأ يدرك أنَّ “الصدمات” شائعة بشكل استثنائي، حتى باتت حقيقة من حقائق الحياة، ولا يقتصر الأمر على أنَّ معظمنا لا يستسلم للانهيارات العقلية الشديدة فحسب، بل ينتهي المطاف بالكثير من الأشخاص بالتطور والتحول إلى أشخاص أقوياء بسبب آلامهم السابقة؛ إذ إنَّ ما يصل إلى 90٪ من الأشخاص الذين يعانون من حدث صادم يختبرون شكلاً من أشكال النمو الشخصي في الأشهر والسنوات القادمة.

يشعر هؤلاء الأشخاص في النهاية بشعور أكبر بالتقدير في الحياة، وتتغير أولوياتهم، وتكون علاقاتهم أكثر دفئاً وتعاطفاً، ويتمتعون بذكاء عاطفي أكثر، ويستمدون قوتهم من مصدر أكبر للقوة الشخصية؛ كما يرون إمكانيات جديدة في حياتهم لم يفكروا فيها من قبل.

الصدمة ليست النهاية، بل إنَّها البداية:

لقد اتضح أنَّ الصدمات التي نتعرض إليها -مهما كان شكلها- ليست الشيء الذي يجعلنا “أقوى”؛ إذ تضلِّلك كل هذه الاقتباسات الملهمة عن غروب الشمس والشعور غير السار حول الشدائد و”ما لا يقتلك يجعلك أقوى” والأقاويل المشابهة إلى حد ما في التفكير في أنَّ مجرد تحمُّل شكل من أشكال المشقة يكفي لتقوية نفسك ضد المشقة المستقبلية؛ وهذا ليس صحيحاً تماماً.

إنَّ ما يأتي بعد الصدمة هو ما يهم حقاً، إذ ليس البقاء على قيد الحياة بعد الصدمة هو ما يجعلك أقوى، بل هو العمل الذي تقوم به نتيجة لذلك.

تزعزع التجارب المؤلمة قلوبنا، وتجعلنا نتساءل عن معتقداتنا الأساسية حول العالم ومكاننا فيه، وعن درجة الإحسان والعطف والقدرة على التنبؤ بالعالم والأشخاص من حولنا؛ فتكون بعض الصدمات بمثابة تذكير صارخ بوفاتنا، وهو أمر لا يرغب معظمنا في التفكير فيه.

بعد أن تصاب بصدمة وحيرة، تخسر وتتساءل عن كل شيء في حياتك؛ وقد يسير الأمر هنا بإحدى طريقتين:

  1. أن تنهار وتشعر بالسوء الحقيقي الذي يؤدي إلى الكثير من الخلل الوظيفي.
  2. أن تستغل هذا كفرصة لصياغة مجموعة جديدة من المعتقدات وتكوين وجهة نظر جديدة للعالم تكون أكثر مرونة وصموداً من رؤيتك السابقة له.

فكر في الأمر على أنَّه زلزال يضرب المدينة، ويجعل كل شيء مدمراً إلى حد كبير بعد أن تسبب العنف التكتوني في إحداث خراب عميق؛ ولكن بعد ذلك، يمكن إعادة بناء المباني بمعرفة جديدة عن الوقاية من الزلازل، وتُتاح للناس الفرصة لتصميم أنظمة أكثر مرونة للحماية من الزلازل المستقبلية؛ ولن تعود المدينة إلى حالتها السابقة فحسب، بل ستصبح مدينة أكثر صموداً ومرونة.

وهكذا، عندما تتعطل حياتنا بسبب بعض الهراءات الشخصية المتغيرة، يصبح لدينا الفرصة لإعادة بناء أنفسنا، ويمكننا حمل الذكرى وألم التجربة معنا بغض النظر عن أي شيء، تماماً كما يحمل سكان المدينة الذكرى والخسارة الناتجتان عن كارثة طبيعية مثل الزلازل.

السؤال عند هذه النقطة هو: كيف نعيد بناء أنفسنا؟

الصدمة ليست النهاية، بل إنَّها البداية

الحياة بعد الصدمة:

تخلق الصدمة نقطة مميزة في حياتنا قبل وبعد حدوثها؛ فهي تخلق لحظات لن ننساها أبداً. يعتمد مدى قدرتنا على الشعور بالنمو والتطور الشخصي بعد الصدمة كثيراً على السرد الذي نبنيه حول هذا قبل وبعد نقطة التحول.

إنَّه لمن الطبيعي أن تفكر في ألمك، وتشكك في معنى كل شيء، وتشعر بمزيجٍ من الشعور بالذنب والعار والخوف والوحدة، حتى ينتهي بك الأمر إلى عيش الصدمة مراراً وتكراراً في رأسك، مثل فيلم سيئ تُجبَر على مشاهدته في مسرح رُبِطت فيه على الكرسي وأُجِبرت على فتح عينيك.

لا يبدو هذا حقيقياً، وستبقى تستشعر في كلَّ مرة القدر نفسه من الآلام كما شعرت به في آخر مرة، وكأنَّ دماغك يلكم نفسه مراراً وتكراراً لشهور أو سنوات بلا توقف؛ ولكن بقدر ما يكون ذلك مؤذياً، إلَّا أنَّه في الواقع خطوة حاسمة في إنشاء سرد حول صدمتك يساعدك على الخروج من الزوايا المظلمة لعقلك، ثمَّ إلى مكان أفضل في النهاية؛ فنحن كبشر بحاجة إلى فهم العالم من حولنا؛ وكما قلت من قبل، نادراً ما تكون الصدمة منطقية بينما تحدث لنا؛ لذا كيف يجب أن يبدو ذاك السرد إذاً؟

حسناً، هناك بعض الأشياء التي يجب وضعها في الاعتبار:

1. لا يتعلق الأمر بالاستحقاق:

عندما يحدث شيء فظيع، نميل دائماً إلى أن نسأل أنفسنا: “لماذا أنا؟ ماذا فعلت لأستحق ذلك؟”؛ إذ كلَّما كنَّا أصغر سناً، أو كلَّما كانت التجربة أسوأ؛ أصبحنا نلوم أنفسنا بشكل تلقائي على آلامنا، فنشعر أنَّ هناك خطأ ما فينا أصلاً، وأنَّنا فعلنا شيئاً ما لوضع أنفسنا في هذا الموقف.

تكمن أهم خطوة في تكوين مغزى للألم الذي نشعر به في فهم أنَّ الأمر لا يتعلق بالاستحقاق، وينطبق هذا علينا وعلى الآخرين.

الألم ليس صفقة خاسرة؛ فإذا آلمنا شخصاً ما، فإنَّ إيلامه هو الآخر لن يجعل الوضع أفضل.

في الواقع، الألم معدٍ؛ وهو مثل الفيروس، وكلَّما آلمنا أكثر، شعرنا بالميل إلى إيذاء أنفسنا والآخرين أكثر؛ وسنستخدم أوجه القصور التي نلاحظها لتبرير مزيد من السلوكات المدمرة تجاه أنفسنا ومن حولنا.

إنَّه لمن الهام إدراك هذا وإيقافه قبل أن يزداد الأمر سوءاً، ويجب أن نعلم جميعاً أنَّنا لم نفعل شيئاً بالضرورة لنستحق صدمتنا وآلامنا، وأن لا أحد يستحق الصدمة، ولكنَّها جزء لا يتجزأ من الحياة.

2. تقدير جديد للحياة:

مازلت أذكر عندما مات صديقي المقرب، إذ جعلني ذلك أدرك على الفور صداقاتي الأخرى ومدى ضعفها وهشاشتها، ووجدت نفسي أخبر أصدقائي بأنَّني أهتم بهم وأنَّهم يشكلون أهمية كبيرة بالنسبة إلي، وكان لهذا تأثير في الواقع على تعزيز بعض علاقاتي على الرغم من حقيقة أنَّني تعرضت إلى خسارة كبيرة.

نتيجة لأنَّ الصدمة تواجهنا باحتمالية وفاتنا، ومع احتمال أنَّ معظم ما كنَّا نعتقد أنَّه صحيح عن العالم، فإنَّ لها الأثر الجانبي المثير للاهتمام في كشف ما كنَّا نعتبره أمراً مسلَّماً به لمعظم حياتنا.

إنَّه الألم الشديد الذي لديه قدرة خارقة على توضيح ما هو هام بالفعل في حياتنا، والذي يزيل أي شك حول ما إذا كان يجب علينا الاستفادة منه أم لا.

3. التحدث عن آلامك:

لا تتشكل القصص من فراغ، وتتكون فقط عند التواصل مع الآخرين؛ فقد وجد الباحثون مراراً وتكراراً أنَّ وجود مؤشر قوي للنمو الشخصي بعد الصدمة هو الرغبة في الانفتاح على الصدمة في سياق شبكة اجتماعية داعمة.

ابحث عن صديق أو فرد من العائلة أو معالج أو حتى حيوانك الأليف، وشارك معه تجربتك ومشاعرك وشكوكك ومخاوفك التي تحيط بصدمتك النفسية، واخرج من قوقعتك، وشارك أحزانك مع أحبائك.

ستأتي بعض الحِكَم الأكثر عمقاً في حياتك من صدماتك، لكنَّها لا يمكن أن تتحقق أبداً إذا لم تشاركها بشكل أو بآخر.

هناك وصمة عار في ثقافتنا حول مشاركة آلامنا، وإنَّنا نعتقد -للأسف- أنَّ الكشف عن آلامنا أمر لا يستقيم، وأنَّ علينا أن نكون إيجابيين مبتهجين، وأنَّ مشكلاتنا تخصنا وحدنا، وأنَّ الاعتماد على النفس بين الناس يعني أنَّنا نحصل على ما نستحقه؛ لكنَّ إخماد صدماتنا يجعل الأمر أسوأ، ويجعلها تنفجر فتلحق بنا الأذى؛ وربَّما هذا هو أعظم درس نتلقاه من “مايا أنجيلو” (Maya Angelou)؛ إذ إنَّ قدرتها على تحويل ألمها إلى رسالة أمل وتحرر، هي ما أدت إلى شفائها، وليس العكس.

إنَّ مشاركة ألمنا الشخصي هو ما يسمح لنا بتجاوزه؛ ذلك لأنَّه بمجرد أن نشاركه مع العالم من حولنا، يصبح ألمنا خارجنا؛ ولأنَّه يصبح خارجنا، نقدر على العيش دونه.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!