كيف تسامح الآخرين؟

الإنسان خطّاء بطبيعته، و هو أمر طبيعي، وقد وهبنا اللله صفة التسامح والغفران تجاه أخطاء الآخرين. فيما يلي في هذه المقالة سوف نتعلم كيف نسامح الأخرين. فتابعوا معنا السطور التالية.

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة “ريتشل فيلتمان” (Rachel Feltman) والتي تُحدِّثنا فيه عن فوائد التسامح.

يجب عليك أن تعلم أنَّ إضمار الضغينة يضر بصحتك، ومجرد التفكير في مسامحة الأشخاص الذين ظلموك قد يجعلك أفضل حالاً، وهناك دليل مثبت حول أفضل السبل للشروع في عملية مسامحتهم، حتى لو كنتَ لا تنوي التحدث معهم مرة أخرى، وحتى لو كان لديك فقط ساعة أو ساعتان لتقضيهما في التفكير بهم.

لماذا يساعدك التسامح على الشعور بتحسُّن عقلياً وجسدياً على حد سواء:

قبل أن نتناول الأدلة حول أفضل السبل لمسامحة شخصٍ ما، فلنبدأ بالسبب الذي يدفعك لفعل ذلك، فإنَّ أهم أمر لفهم التسامح هو أن تعلم أنَّ التسامح لا يتعلق بنشر الود في العالم بقدر ما يتعلق بمساعدة نفسك في المقام الأول، ولا تحتاج أيضاً إلى الاعتقاد بأنَّ شخصاً ما يستحق مسامحتك حتى تسامحه، فأنا على سبيل المثال، واثقة من أنَّ الشخص الذي أساء إليَّ لا يستحق المسامحة، فلماذا أسامحه؟

تشير مجموعة جديدة من الأدلة إلى أنَّ الغضب المزمن قد يكون له تأثير يومي في صحة القلب والأوعية الدموية والجهاز المناعي، فقد يؤدي التحرر من الألم الذي تشعر به تجاه شخص آخر إلى تخفيف شعورك بالتوتر؛ مما يؤثر مباشرةً في صحتك العقلية والجسدية، وإجمالاً، الشعور بالضيق يضر بصحتك، خاصةً إذا كانت تلك المشاعر ناتجةً عن ذكريات مريرة أو مؤلمة تراودك باستمرار.

تقول اختصاصية العلاقات الأسرية والزواج “شيلا أديسون” (Sheila Addison): “نحن نعلم أنَّ هناك آثاراً سلبية كبيرة لكثرة التفكير في الصدمة، واضطراب ما بعد الصدمة هو في جزءٍ منه نوعٌ من اجترار الأفكار المزعجة؛ حيث تستمر الإساءات أو الصدمات في التطفل على تفكيرك وتجعلك في حالة مفرطة من اليقظة والانتباه”.

هناك العديد من الطرائق التي يمكن للناس من خلالها تقليل تأثير إساءات الماضي، والعلاج دائماً هو بداية جيدة عندما يكون ذلك ممكناً، وتدور العديد من التقنيات حول مساعدة الناس على إعادة النظر في طريقة تفكيرهم في تلك الذكريات المؤلمة ومحاولة التخلص من بعض مشاعر الألم أو اللوم غير المفيدة، وفي الواقع، لن تساعدك محاولة التوقف عن تذكُر الوقت الذي قام فيه شخص ما بإهانتك أمام الأصدقاء في وضع حد للتفكير في الأمر، ولكن يمكنك التحقق من السبب الذي يجعل هذه الذكرى تسبب لك الكثير من القلق، والعمل على التخفيف من حدتها، وهناك دليل على أنَّ المسامحة قد تكون طريقةً رائعة للقيام بذلك.

قد لا تعني المسامحة ما تعتقد أنَّها تعنيه؛ إذ من السهل قبول فكرة مسامحة أخيك على كسر لعبتك المفضلة في أيام المدرسة الابتدائية، ولكن إذا تسبَّب لك شخص ما في ضرر حقيقي، فقد تتساءل كيف لمسامحته أن تكون أمراً صحياً، فكان هدفي لعام 2020 هو مسامحة صديقةٍ سابقةٍ لم أرها منذ سنواتٍ عدَّة، وكنا أصدقاء مدة ثلاث سنوات في عمر شكَّل جزءاً كبيراً من مرحلة الشباب في حياتي، ففي ذلك الوقت، كنتُ أعلم أنَّها متلاعبةٌ وغير لطيفة في كثير من الأحيان، وبعد أن تركتُها، أدركتُ مدى اعتمادها على الأكاذيب والإكراه الشديد لإبقائي – والعديد من الشركاء الآخرين في الماضي والحاضر – في حالة من عدم الاستقرار والقلق؛ حيث استغرق الأمر عامين كاملين لأشعر أنَّني لم أتعافَ من اضطراب ما بعد الصدمة، وبحلول نهاية عام 2019، لم أكن أشعر بشبح تلك العلاقة يخيم على رأسي إلا عندما يتعلق الأمر بالغضب، ولم أرها أو أتحدث معها منذ أكثر من ثلاث سنوات ، لكنَّني ما زلتُ أفكر في ظلمها لي، لقد فهمتُ أنَّ هذه المرارة لم تؤثر في أي شخص سواي، لكنَّ فكرة التحرر منها لم تكن بالأمر السهل.

بصفتي إحدى الناجيات من سوء المعاملة، تجعلني فكرة مسامحة صديقٍ سابق أشعر بالضيق قليلاً، فكانت هذه العلاقة في الماضي البعيد، ومن ثمَّ أنا لستُ معرَّضةً لخطر إعادة التواصل معها أو إيذائي مرَّةً أخرى، لكنَّني تساءلتُ على الفور كيف أنَّ التركيز على التسامح في أثناء العلاج قد يكون ضاراً لشخص انفصل مؤخراً عن – أو ما يزال على علاقة مع – شخص خطير حقاً، فلو نصحني معالجي النفسي قبل أربع سنوات بالتعاطف مع الشخص الذي أساء معاملتي ومسامحته، فهل كنتُ سأسمح له بالعودة إلى حياتي؟

يقول أستاذ علم النفس “روبرت إنرايت” (Robert Enright) الذي درَّس التسامح على نطاق واسع إنَّه يتفهم هذا القلق، لكنَّه يشعر أنَّ المسألة تتعلق بمعنى ودلالات كلمة التسامح؛ حيث يذكر: “لقد استخدم معظم الناس كلمة التسامح طوال حياتهم، ولكنَّ هذا لا يعني أنَّهم يفهمون ما تعنيه؛ إذ لدينا أفكار عامة مؤذية حول ماهيَّة التسامح”.

الحل كما يقول هو فصل أفكار المصالحة والتسامح عن بعضهما تماماً، فإنَّ المسامحة، كما يستخدمها “إنرايت” وزملاؤه، هي قرار من حقك اتخاذه، والطريق إليها ينبع من داخلك؛ حيث يوضح: “إنَّه قرار واعٍ أن تكون لطيفاً مع الأشخاص الذين لم يكونوا لطيفين معك، ولكن في بعض المواقف قد يعني أن تكون لطيفاً مع شخص ما الجلوس والتحدث معه وحل الخلافات، وقد يعني في حالات أخرى أن تتوقف عن الدعاء عليه؛ إذ إنَّ اللطف فضيلة قد تدل على تعاملك مع شخص ما، لكنَّها لا تحدد بالضبط كيف تتعامل معه”.

فكرة أنَّ التسامح يعني حل مشكلاتك هو سوء فهم؛ إذ تعني العودة إلى شخص أساء إليك أن تتصالح معه، وهذا يتعلق بالأفعال أكثر من المشاعر، يقول “إنرايت”: “المصالحة ليست فضيلة؛ بل تكتيك تفاوضٍ بين طرفين يثقان ببعضهما”، وإذا كنتَ بحاجة إلى المصالحة مع شخص ما لإنقاذ علاقة هامة بالنسبة إليك، فقد يوفر التسامح أساساً أكثر استقراراً لهذه العملية، لكنَّك لستَ بحاجة إلى التخطيط لإصلاح العلاقة من أجل الاستفادة من التسامح.

يقول “إنرايت”: “يمكنك أن تسامح شخصاً مع علمك أنَّه لا يمكنك الوثوق به”، وفي الواقع، كما يقول: في الحالات التي يستحق فيها الشخص الذي أساء إليك أن يُقدَّم إلى العدالة – سواء كان في إمكانك إبلاغ الشرطة عن ذلك أم مجرد الابتعاد عنه أنت وأحبابك من أجل سلامتك – فهو يأمل أن يساعد التحرر من الألم والتفكير بموضوعية أكبر حول ما حدث على جعل العملية أكثر سلاسةً وأقل إيلاماً للشخص المعتدى عليه.

قد تساعد ممارسات التسامح التي يتبناها “إنرايت” وزملاؤه على إعادة بناء الثقة عندما يكون ذلك أمراً إيجابياً وصحياً، لكنَّ السعي إلى التخلص من الألم، لا يعني أنَّه يتعين عليك السماح للأشخاص السيئين بالعودة إلى حياتك، وإذا أساء لك شخص ما وأراد الاستمرار بالتواصل معك، فيجب أن تثق بغرائزك ونصائح الأصدقاء الموثوق بهم والأسرة والمتخصصين في الصحة العقلية لكي تحدد ما إذا كانت هذه فكرةً جيدة أم لا.

شاهد بالفديو: كيف تنسى الذكريات المؤلمة نهائياً؟

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/SnJXDdkDQ2w?rel=0&hd=0″]

كيف تقرر ما إذا كنتَ بحاجة إلى المسامحة وما هو الوقت المناسب لذلك؟

لا أعتقد أنَّه يجب عليَّ مسامحة الشخص الذي أساء معاملتي في الأسابيع والأشهر التي أعقبَت قراري بتركه، فقد كان غضبي وحزني والمرارة التي كنتُ أشعر بها هي آليات وقائية هامة منعَتني من السماح له بإيذائي أكثر من ذلك، فلقد مرَّت أكثر من ثلاث سنوات مذ قررتُ المسامحة والتخلص من تلك المشاعر، وهذا أمر صحي للغاية.

تقول “أديسون”: “من الهام أن تمنح الناس الوقت والحق بالشعور بالغضب والأسى والمعاناة، ولكن عليهم التمييز بين التسامح والتخلي عن الحدود”.

يقول “إنرايت”: “إنَّه حتى بالنسبة إلى الإساءات البسيطة، من الهام أن تتذكر أنَّه ليس عليك أن تسامح، وقد لا تكون الطريقة الصحيحة للتعامل مع مشاعرك، فالخطوة الأولى هي أن تطرح على نفسك هذا السؤال: “ما مقدار الألم الذي تشعر به عندما تفكر في هذا الشخص وما فعله؟”، ثمَّ قيِّم الإجابة، وامنحها درجةً بين 1 و10، إذا كانت درجة ألمك 8 أو 9 أو 10، فإنَّ السؤال التالي هو: “ما الذي فعلتَه لتخفيف ألمك؟”، فلا يحتاج الشخص بالضرورة إلى المسامحة إذا شعر بالراحة من خلال التحدث إلى صديق حول هذا الموضوع أو من خلال ممارسة الرياضة، ولكن إذا كنتَ تُضمر ألماً ومعاناة، فيصبح السؤال: “هل تريد تجربة شيء آخر؟”.

كثيراً ما أقارن شفائي من اضطراب ما بعد الصدمة بالعناية بجرح عميق ومؤلم – جرح يتعافى ولكن مع وجود القيح بداخله – فالشفاء ليس عمليةً مستقرة؛ إذ قد يتمزق الجرح عن قصد أو بغير قصد، وكلما حفرتَ أكثر لإزالة القيح، اقتربتَ أكثر من الشفاء، وبعد هذا التشبيه، أودُّ أن أقول: كان لدي شظية واحدة متقيحة من الصدمة مدسوسة في مكان ما عميق جداً بحيث يتعذر الوصول إليها، ولقد بذلتُ جهداً جباراً ومؤلماً للتعافي، وقد منحتُه الكثير من الوقت، فلا أريد أن أحمل تلك الشظية القذرة بداخلي إلى الأبد، والمسامحة بالنسبة إليَّ ليست المحاولة الأولى أو الحل الكامل؛ بل شيء أرغب في تجربته لأنَّني أستحق أن أتعافى تماماً.

كيف تسامح الأشخاص الذين أساؤوا إليك؟

كتب “إنرايت” بعض الكتب حول موضوع التسامح، كما فعل البروفيسور “إيفريت ورثينجتون” (Everett Worthington)، قد تبدو فكرة تأليف كتاب تمرينات عن التسامح سخيفةً بعض الشيء إذا لم تشارك مطلقاً في العلاج السلوكي المعرفي المليء بكتب التمرينات، ولكنَّ تخصيص وقت لكتابة أفكارك ومشاعرك فعلياً يُحدث فارقاً كبيراً؛ حيث تشير دراسات “ورثينجتون” إلى أنَّه كلما زاد الوقت الذي يقضيه الشخص في تأليف كتب التمرينات أو المشاركة في العلاج بالكلام حول التسامح، كانت نتائجه أفضل على الأمد الطويل.

كما وجد تحليل أُجرِي في عام 2018 لجميع الدراسات المتاحة حول بروتوكولات التسامح التي وضعها كل من “إنرايت” و”ورثينجتون” أنَّها والنماذج المماثلة، لها تأثير إيجابي في صحة المريض، على الرغم من أنَّ هذا التأثير يزداد في البيئات الجماعية، وخاصةً إذا استغرق البرنامج 12 أسبوعاً؛ بعبارة أخرى، قد لا يكون قضاء بضع ساعات في القراءة والتفكير في محتوى هذا المقال هو الحل لتغيير حياتك جذرياً، ولكنَّه قد يجعلك أفضل بكثير مما كنتَ عليه عندما بدأتَ، وقد يكون الجهد الذي تبذله اليوم هو الخطوة الأولى من سلسلة من الممارسات الشخصية التي تصب في مصلحتك في النهاية.

الخطوات الأساسية التي يجب أن تأخذها بالحسبان عندما تقرر المسامحة:

1. اتخاذ قرار بعدم إيذاء أحد:

يقول “إنرايت”: “أول ما نطلبه من الناس هو عدم التفكير بإلحاق الأذى بمن ألحق بهم الأذى، فنحن لا نطلب منهم أن يعانقوا ذلك الشخص، أو ألا يلاحقوه قضائياً إذا لزم الأمر؛ بل يتعلق الأمر باتخاذ قرار بعدم محاولة الانتقام منه بطريقة ما، أو تحقيره، أو تشويه سمعته، فعندما تعلم أنَّ هذا عمل بطولي في مواجهة الأذى الذي تعرَّضتَ له، فسوف تختار عكس ما فعله بك”، ويشير “ورثينجتون” إلى هذا الجزء من العملية باسم “قرار التسامح”، وهو أسهل بكثير من إجراء تغيير عاطفي، ولكنَّه يمثل خطوةً أولى حاسمة، فقرِّر أنَّك شخص قوي بما يكفي حتى لا تؤذي الشخص الذي آذاك؛ وذلك لأنَّك قوي بالفعل.

2. العمل على تغيير وجهة نظرك بالحادثة:

يتضمن أحد التمرينات في أحد كتيبات “ورثينجتون” تدوين الإساءة التي عانيتَ منها (ملحوظة: لقد أخطأتَ وكتبتَ “علاقة مؤذية لمدة ثلاث سنوات”، لكن من المفترض أن تختار إساءة محددة تمثل هدفاً أكثر واقعيةً من التعامل مع ثلاث سنوات من الإساءات التي لا تُحصى)، ثمَّ بعد بضعة تمرينات تأملية أخرى، دوِّنها مرة أخرى دون الإمعان في سوء المعتدي أو الأذى الذي تعرَّضتَ له أو تبعاته، وقد تساعدك المقارنة بينهما على فهم جوانب ذاكرتك التي تسبب لك الألم، ومن الناحية المثالية، هذه هي الجوانب التي يجب أن تكف عن التفكير فيها، فالتعرُّف إليها أمر بالغ الأهمية لطردها من ذاكرتك.

3. تحمُّل الألم:

يقول كل من “ورثينجتون” و”إنرايت” و”أديسون” إنَّ الجلوس والتفكير في الذكريات المؤلمة التي تحاول التصالح معها أمر ضروري قبل أن تتمكن من طردها من ذاكرتك.

يقول “إنرايت”: “أستخدم تشبيه الإسفنجة المبللة بالماء، إنَّها ثقيلة، ولكن إذا تركتُها بالخارج، فسوف يتبخر الماء في النهاية ويغادرها”، فالأشخاص الذين لا يفكرون بعمق بآلامهم العاطفية، قد لا يعالجونها أبداً، أو قد ينقلونها إلى الآخرين عن غير قصد.

تحتوي كتب التمرينات التي كتبها “ورثينجتون” على تمرين وجدتُه مفيداً جداً في أثناء التأمل في معاناتي؛ حيث يقترح تشبيك يديك ومدهما أمامك لأطول فترة ممكنة حتى تشعر بالتعب، مع التركيز على كل المشاعر السلبية التي تشعر بها تجاه الشخص الذي تحاول مسامحته، ستشعر براحة جسدية عميقة عندما تفك يديك المتشابكتين وتتركهما يسقطان إلى الأسفل، وهو شعور يمكنك تذكُّره عندما تفكر في تلك المشاعر السلبية، فذكِّر عقلك أنَّ هذه العملية مفيدة لجسمك بالكامل.

4. تغيير وجهة نظرك تجاه المعتدي:

جزء كبير من المسامحة هو محاولة رؤية الشخص الذي ألحق بك الأذى كشخص تعرض للأذى أيضاً، تقول “أديسون”: “الناس الذين تعرضوا للأذى، يُلحقون الأذى بالآخرين، وقد يساعدنا إدراك أنَّ الناس فوضويون في تبرئتهم قليلاً دون إزالة الحواجز التي تحمينا منهم”.

يقول “إنرايت”: “إذا كان شخص ما ينضح بالكراهية، فلا يمكنك أن تطلب منه الكف عن ذلك، ولكن يمكننا أن نبدأ برؤية الشخص الذي أساء إلينا بصفته إنساناً بغض النظر عن الأذى الذي ألحقه بنا”، ويقترح أيضاً المرور بمرحلتين من التعاطف: أولاً، ضع في حسبانك تاريخ الشخص الذي ظلمك وحاول أن تنظر إليه على أنَّه شخص ضعيف وجريح وغير معصوم، ثمَّ انتقل إلى منظور أوسع، مع الأخذ بالحسبان الإنسانية المشتركة، وحاول أن تصدق أنَّه مثل جميع رفاقك البشر، يمتلك قيمةً نابعةً ببساطةٍ من طبيعته وجوده.

يقول “إنرايت”: “يبدأ التعاطف مع الآخر بالنمو تلقائياً في القلب من خلال الاستعداد للمعاناة معه بسبب كل عيوبه”.

يقترح “ورثينجتون” أن تضع كرسيين فارغين، وأن تؤدي دور الضحية تارةً ودور الجاني تارة أخرى حتى تتمكن من فهم دوافعه ومشاعره المحتملة، فهل تشعر بالأسى الذي يعاني منه؟ ولكن اعلم أنَّ هذا لا يعني أن تفهم سبب تصرُّف الشخص بالطريقة التي تصرَّف بها، ولا يعني مطلقاً أنَّك بحاجة إلى تبرير أفعاله.

تقول “أديسون”: “عندما يكون لدي مرضى يحاولون مسامحة الأشخاص العنصريين أو المتحيزين على أساس الجنس، يمكننا تخفيف بعض تلك المعاناة دون التفكير فيهم، وإذا تمكَّنَّا من طرح سؤال فضولي، مثل: لماذا يفكر شخص على وجه الأرض في ذلك أو يتصرف بهذه الطريقة، وحاولنا فهمه أكثر دون الاضطرار إلى قبول أفعاله، يمكننا عَدُّه حينئذٍ شخصاً تعرَّض للتضليل والمعاناة، وننظر إليه بصفته بشراً”.

5. تقديم الهدايا:

يقول “إنرايت”: “يبدو أمراً صادماً أن تقدِّم هديةً إلى الشخص الذي ألحق بك الأذى، ولكن هذه هي المسامحة”، فإذا كانت هذه العلاقة ليست خطيرةً أو ضارة بطبيعتها، فقد يكون الرد بابتسامة أو مكالمة هاتفية كافياً، يقترح “إنرايت” التبرع بالمال لجمعية خيرية باسم المعتدي، إذا لم تستطع أو إذا لم يكن ينبغي أن تراه مرة أخرى.

6. تكرار عملية المسامحة:

تقول “أديسون”: “إنَّها ليست عمليةً ثابتة؛ بل متغيرة ومتقلبة”.

إذا كان لديك الكثير لتسامحه، فما عليك سوى مواصلة العمل على إعادة صياغة أجزاء صغيرة من العملية، فكلما زاد الوقت الذي تقضيه في التعافي والتحرر من الألم، تحسَّن شعورك أكثر؛ لذا تحقَّق بانتظام لمعرفة مقدار الألم الذي سامحتَ مسببيه.

ماذا تفعل إذا كنتَ الشخص الذي يحتاج إلى المسامحة؟

تقول “أديسون”: “أنا معالجة نفسية للأزواج، وأجد أنَّ التسامح صعب جداً عندما يتعلق الأمر بانتهاك الثقة؛ إذ غالباً ما يكون المعتدي مستعداً للمسامحة، ولكن تستغرق عملية إقناع المعتدى عليه وقتاً أطول بكثير، وأقول للمعتدي: مهمتك الكبرى، فضلاً عن الصراحة وتحمُّل المسؤولية، هي معرفة احتياجات شريكك، ومنحه الوقت الكافي للتعافي؛ إذ يؤدي دفع شخص ما للمضي قدماً ومسامحتك قبل أن يكون مستعداً إلى نجاح العلاقة على الأمد القصير؛ وذلك لأنَّ المعتدى عليه سيحاول عادةً استيعابك، لكنَّه سينسى عملية إعادة بناء الثقة؛ مما يؤدي إلى انتكاس العلاقة مرة أخرى”.

ماذا تفعل بعد أن تسامح الشخص الذي أساء إليك؟

للأسف، لا يعني إحراز تقدُّم في عملية التسامح أنَّك لن تشعر بألم الصدمة مرة أخرى؛ حيث يتناول كتيب “ورثينجتون” هذا الأمر: “إن رأيتَ الشخص الذي ألحق بك الأذى وراودَتك المشاعر السلبية، كالغضب والخوف والحزن؛ فاعلم أنَّ هذه المشاعر لا تعني أنَّك لم تسامح، وإنَّما هي ردة فعل جسدك لحمايتك وتنبيهك حتى لا ترتكب الأخطاء نفسها التي ارتكبتَها في المرة السابقة”.

قد تحتاج إلى الابتعاد عن مواقف معيَّنة، أو على الأقل إيجاد أشياء تصرف انتباهك عن اجترار الأفكار التي تذكِّرك بالشخص الذي أساء إليك، ولكنَّ هذا لا يعني أنَّك لا تحرز تقدماً.

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!