كيف تفكر لنفسك ولغيرك ؟

 

فيجب ان يكون الجهد باقل كمية ممكنة , ومن اقصرالطرق المؤدية الى تلك الحقيقة او الحقائق الموضوعية . فيجب ان يكون الجهد باقل كمية ممكنة , ومن اقصر طريق مؤدية اليها . اما الركن الثاني للتفكير السليم – فهو جمال التفكير فالوقوف على النسب الجميلة وتمييز الالوان المتجانسة والوقوف على الانغام المتناسقة وادراك الحركات الرشيقة وتحديدها وتمييزها من الحركات الخشنة , انما تشكل ركنا هاما ورئيسيا في في قوام التفكير السليم السديد , اما الركن الثالث والاخير في التفكير السليم فهو تناول الموضوعات المناسبة للمقام وتفضيل الاهم على المهم , والافيد على الاقل فائدة , والمباشر على غير المباشر .
وعلى الرغم من ان التفكير يجب ان يتجسد في كلمات او تصرفات , او بأختصار يجب ان يخرج من الحدود الداخلية للمرء الى حدود الاخرين من حوله, فأننا نعتقد ان تربية التفكير هي الركن الركين لكي يأتي الخارج والتعبير الخارجي قويا مستقيما ومؤثرا , وجالبا الثناء للشخصية وحب الناس للمرء .
فالكلام والسلوك يمكن ان يؤديا بكفاءة تعبيرية عالية , ولكن الاساس فيهما قد يكون واهيا او مختلا , فقد تجد الخطيب المفوه وقد امتلا لسانه بالبلاغة والقدرة على التلاعب بالالفاظ وتقديم صور بيانية رائعة , ولكنك تدرك وانت تستمع اليه ان دخيلته الفكرية خاوية من المضمون الثقافي , وان جهاز تفكيره لا يعمل على مستوى يرقى الى مستوى بلاغته .
فمن الممكن اذن ان يكون الكلام قويا ورائعا , بينما يكون الفكر ضئيلا وخافتا او حتى متناقضا وقبيحا وغير مناسب .
ولسنا لنحط من قدر التمكن من الكلام قولا وكتابة , ولكنا ننعى على الاهتمام بالكلام بدون مضمون يرتكز عليه . ولعلنا بهذه المناسبة نعيب على الضحالة الذهنية التي نشاهدها في الانتاج الادبي العربي المعاصر حيث يعتمد اصحاب الاقلام الادبية في غالبيتهم على الرطانة اللغوية او على ما يهز المشاعر او يثير الدهشة وقد ارتكنوا على اساس ثقافي ضعيف , وليس من شك في ان الاديب الذي يعتمد في عمله الادبي على حصيلة علمية موضوعية وعلى معرفة بالجميل وعلى تقدير للمناسب , انما يرتكز على ارض صلبة تجعل ادبه راسخا و جديدا وقويا .
والخليق بنا ان نبدأ من اول الخيط فنقول ان على كل انسان ان يقف على الهيكل العظمي لما توصل اليه العلماء . ولسنا بذلك ندعو الى ان يكون كل شخص عالما جامعا مانعا لما توصل اليه العلماء في شتى مجالات المعرفة , بل ندعو فقط الى الوقوف على بسائط العلوم واولوياتها لا من حيث ما بدأت منه او ما مرت به من تطورات , بل من حيث ما انتتهت اليه مقرراتها .
 ثمة في الواقع مجموعة من الكتب بهذا بل ان دور النشر الكبرى قد عمدت الى شئ من ذلك فيما تصدره من كتب او كتيبات يتناول كل كتاب او كتيب منها علما او فرعا من علم , ويقدم الى قارئه المامة سريعة حول ما انتهى اليه العلماء بصدده بغير دخول في تفاصيل او معادلات رياضية او تعقيدات تقنية . وثمة من جهة اخرى كتب على اكبر جانب من الاهمية تتناول مشكلة من المشكلات او وقعا حضاريا خطيرا ويشترك مجموعة من العلماء في تأليفها بأسلوب مبسط وشائق .
فأذا ما قرأ المرء كتابا من هذا القبيل يكون قد وقف على الخطوط العريضة في انحاء علمية متباينة , من تلك الكتب ما قام المؤلف بالمشاركة في ترجمته الى اللغة العربية وقد احس في اثناء الترجمة وبعد صدورها انها جديرة بالقراءة واعادة القراءة لدرجة الاستيعاب لما لها من اهمية عظمى في وقف المرء على الواقع العلمي المعاصر , فيصير بمداومة القراءة فيها طافيا على سطح عالمنا المعاصر بغير ان يقذفه التيار العلمي المتدفق الى ناحية بعيدة يحس فيها بالاغتراب والنفي والحرمان من المعاصرة . من تلك الكتب كتاب ( انه عالم واحد ) وكتاب ( الانسان التكنولوجي ) .
هذا بالنسبة لتثقيف المرء بوقفه على الحقائق المتعلقة بالعالم الخارجي , سواء كان عالما طبيعيا ام عالما اجتماعيا . اما بالنسبة للتثقيف الداخلي , فأننا نرى لذلك ثلاثة نوعيات اساسية : الاول الكتب الدينية والروحية . واذا اتسع الوقت فلا مانع من التوسع في قراءات روحية في غير دينك كأن تققرأ القرآن اذا كنت مسيحيا , وان تقرا التوراة و الانجيل اذا كنت مسلما , بل وان تقرأ في الديانات القديمة والمعاصرة فلدى الهنود وعن ديانتهم ما يزيد من ثقافتك ويوسع افقك الداخلي .
اما النوع الثاني فهو الكتب النفسية , ومن تلك الكتب ما انت بصدده الان وانت تقرأ هذا الكتاب . وكتب علم النفس بوجه عام تساعدك على فهم نفسك وفهم الآخرين في نفس الوقت , اما النوع الثالث والاخير فهو كتب المنطق وهي على قلتها بالسوق تشكل ركنا هاما في تدريب المرء على التفكير السليم , بل انها تخلصه من النزعة الانشائية وتشعره بمسئولية الكلمة تقال او تكتب , فيأتي كلامه على قد فكره بغير حشو او تزيد .
هذا بالنسبة للتفكير الداخلي , وقد بدأنا حديثنا بما يتعلق بالموضوع الخارجي . وحري بنا ان نتناول بعد هذا ما يتعلق بالجمال في تفكيرنا , فأن هذا لا يعني انه قوام منفصل عن الصحيح في التفكير , بل ان الصحيح والجميل والمناسب بمثابة ثلاثة اوجه لشئ واحد وهو التفكير السليم . ولكن الذي يدفعنا الى التخصيص هو محاولة وصف كل جانب بأكثر دقة وتفصيلا . فالعالم المحيط بنا يتضمن الوردة الجميلة والنغمة الحلوة والحركة الرشيقة والنسب التي تبعث على الارتياح وهي جميعا موضوعات خارجية يمكن تناولها من حيث هي حقائق فيزيائية .
 فعالم النبات مثلا يتناول الوردة من حيث مقوماتها , بينما يتناول الشاعر بطريقة اخرى ادراكه لها لا من حيث حقائقها المتعلقة بها , بل من حيث مشاعره تجاهها . والشاعر يفكر بالوردة ولا يشعر فقط وجدانيا بوجودها . ولكن تفكيره يمكن ان يوصف بانه تفكير جمالي , وهذا اللون من التفكير هام في حياتنا اهمية اهمية تفكير عالم النبات وخليق بك ان لا تطفئ هذا النوع من التفكير الشاعري في عقلك مكتفيا بالتفكير الموضوعي , فعالم النبات يجب ايضا ان يحس بجمال الوردة , كما ان الشاعر يجب ان يكون هو الآخر عارفا بمقومات الوردة , اما بالنسبة للمناسب من الافكار فـأنه يشكل السياسة التي تقود بها فكرك .
فأذا كنت ممن يتركون الحبل على الغارب لفكرهم يفكر في اي شئ بغير ترتيب او نظام , فأنت اذا داعية الى الفوضى الفكرية , اما اذا كنت ممن يؤمنون بضرورة اتباع سياسة فكرية محددة الملامح , فأنك تكون اذا كمن يسير في البحر ومعه البوصلة والخرائط البحرية التي توجه باخرته سواء السبيل .
 وحتى بالنسبة لكبار الفلاسفة والشعراء والقصاصين واللعلماء الذين يبدون وكأنهم يسبحون بغير هاد يهديهم , فأنهم بالواقع ملتزمون بخطة ويتبعون في حياتهم الفكرية سياسة مرسومة بدقة تامة لا يشيحون عنها ولا ينبون عن التذرع بها و فعليك بأتباع سياسة فكرية في حياتك , ضع لنفسك خطة . فكر بنظام وميز بين الاهم والمهم فيما تفكر فيه , وهذا يستتبع ايضا ضرورة انتهاج سياسة مرسسومة فيما تضطلع بقرائته وبحثه , فلا تكن كمن يسبح في الماء بغير تطلع الى هدف يسبح نحوه , ولا تكن كمن تاه في الصحراء وفقد طريقه , فهو يسير ويسير ويترك امره للصدف الحسنة . فأذا لم توجه فكرك وفق ما تراه مناسبا لك ولما جبلت عليه من ميول ومواهب فكرية , فلن تجد من ينقذك من التيه ويأخذ بيدك نحو ما يصلح لك .
فانت ربان سفينة فكرك والمسؤلية تقع برمتها على عاتقك في توجيه دفة تلك السفينة , فان فعلت ذلك واحسست بالمسؤلية واستكشفت الحق والجمال فانك سوف تحقق شيئا مذكورا في حياتك ومن ثم تحظى بأعجاب الناس من حولك بك وتصير شخصية اثيرة لهم تستولي على قلوبهم بالحب والاعجاب .
 

المصدر: شباب عا نت

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!