‘);
}

حكمة الله في خلقه وأمره

الإنسان لا يكون مؤمناً موحّداً إلّا إذا أيقن بحكمة الله -تعالى- في كلّ ما خلق وشرع، ثمّ امتثل بعد ذلك لأوامره كلّها؛ لعلمه بأنّها أُنزلت من لدن حكيمٍ خبيرٍ، فالله -تعالى- متّصفٌ بالحكمة، ومن أعظم أسمائه الحسنى الحكيم، والحكيم هو الذي لا يقول ولا يفعل إلّا الصواب، وتلك صفةٌ تنبغي لله تعالى؛ لما في أقواله وأفعاله من صوابٍ وصحةٍ، ولما في صنعه من إتقانٍ ودقةٍ، وقد ورد اسم الله الحكيم في القرآن الكريم أربعاً وتسعين مرةً، ومن مقتضى حكمة الله البالغة أنّه لم يخلق شيئاً على وجه العبث، بل له حكمٌ بالغةٌ ومصالحٌ راجحةٌ في كلّ ما يخلق ويأمر، وقد ظهرت تلك الحكمة في تصويره لخلقه على أكمل صورةٍ، وإبداعه للكون، وترتيبه له، على أفضل ما يكون، كما ظهرت حكمة الله تعالى في تهيئته لكلّ مخلوقٍ، وفق ما خلقه وقدّره له، حيث قال الله تعالى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلََّ شَيْءٍ خَلَقَهُ)،[١] ولا ينظر إلى حسن التقدير دائماً بقوة البنية، ومتانتها، فالبعوضة والنملة ضعافٌ في الخلق، إلّا أنّ إحسان التقدير والتدبير فيهما بيّنٌ واضحٌ، وكذلك فليس حسن التقدير في القرد والخنزير في منظرهما، بل في إنشاء كلٍّ منهما، على ما أحبّ الله أن ينشئه عليه، وعلى الهيئة التي أراد لكلّ منهما أن يظهر عليها.[٢][٣]

وتبقى حكمة الله -تعالى- حاضرةً في كلّ ما يخلق من المخلوقات، والله -تعالى- لم يخلق تلك الأمم الكثيرة العظيمة إلّا لحكمةٍ؛ وهي عبادته وحده لا شريك له، حيث قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)،[٤] وتظهر حكمة الله أيضاً في أوامره وتشريعاته، فقد اشتملت شرائعه على كلّ خيرٍ في الدنيا وفي الآخرة، كما أنّ أوامره مشتملةٌ على كلّ ما يصلح حياة الإنسان في دينه ودنياه، وما من أمرٍ إلّا وفيه مصلحةٌ عاجلةٌ أو آجلةٌ يعود نفعها على عباده، وقد يشعر الإنسان أحياناً بأنّ بعض أوامر الشرع تضيّق عليه، وتضعه في حرجٍ، أو تضرّ به، ويفوّت عليه شيئاً من مصالحه، لكنّ الإنسان إذا تدبّر المأر جيداً، وتأمّله مليّاً رأى ما ينطوي عليه الأمر في الحقيقة من مصالحٍ يحصل عليها في عاقبة الأمر؛ إذا التزم بالأمر والنهي، وقد جمع الله -تعالى- بين حكمته في خلقه، وحكمته في شريعته، حيث قال: (أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ)،[٥] فالواجب على المؤمنين أن يسلّموا لأوامر الله عزّ وجلّ، ويؤمنوا بحكمته، ويقولوا سمعاً وطاعةً.[٣]