لماذا يعدُّ الاجتهاد في العمل أفضل من الموهبة؟

نحن نعيش في مجتمعٍ مهووسٍ بالإنجاز السريع، والذي يتجلَّى بتطبيق تسميات الموهوبين والبارعين لكلِّ من أنجز أيَّ شيءٍ من قائمة مهامه. رجال الأعمال مهووسون بالاكتشاف والتدريب "الأفضل"، ويكون "الأفضل" في كثيرٍ من الحالات مساوياً لـ "الأشخاص الذين يبدو أنَّهم وُلِدوا مع مقدرةٍ فطرية".

Share your love

غالباً ما يُصوَّر الأشخاص الناجحون على أنَّهم خارقون قد وُلِدوا بقدراتٍ سحريةٍ تميِّزهم عن بقية العرق البشري؛ فعلى سبيل المثال: يُوصَف الأشخاص الحائزون على جوائز بأنَّهم موهوبون، وكذلك الأشخاص الذين نجحوا في الأعمال؛ أمَّا إذا كان الشخص المعني من الشباب، فمن المرجَّح أن يُوصَف بهذه الطريقة.

لا تهتمُّ وسائل الإعلام بالاجتهاد، أو بمقدار ما يسمَّى الجهد الذي على الأشخاص الموهوبين والبارعين بذله قبل رؤية النتائج؛ إنَّما يحكم مجتمعنا الآن على شخصٍ ما من خلال إنجازاته، ويفترض أنَّه لابُدَّ أنَّ لديه مواهب فطرية.

نحن لا نتوقَّف ونقدِّر هذا الجهد الذي يؤدِّي إلى أن تصبح روايةٌ ما “الأكثر مبيعاً”، أو شركةٌ ما “عالية الأداء”، أو قطعةٌ فنيةٌ ما “مذهلة”؛ بل نميل إلى افتراض أنَّ “الموهبة” تؤدِّي إلى نتائج ممتازة.

يمكنك أن ترى كيف يعمل هذا الاعتقاد في المجتمع، فعلى سبيل المثال: لنفترض أنَّ شخصاً ما وُلِد موهوباً أو متوسط الموهبة، فغالباً ما تستخدم الشركات اختبارات الذكاء لمقارنة مجموعات المتقدمين للعمل، مع الأشخاص الذين من المفترض أن يُظهروا إمكاناتٍ أكثر تفوقاً على أقرانهم.

رجال الأعمال مهووسون بالاكتشاف والتدريب “الأفضل”، ويكون “الأفضل” في كثيرٍ من الحالات مساوياً لـ “الأشخاص الذين يبدو أنَّهم وُلِدوا مع مقدرةٍ فطرية”.

حقيقة الاجتهاد في العمل:

على الرغم من أنَّ وسائل الإعلام تودُّ أن تجعلك تعتقد خلاف ذلك، إلَّا أنَّ الاجتهاد يتفوَّق على الموهبة. عندما تسمع لأول مرةٍ عن نجاح شخصٍ ما، فمن السهل تصديق أنَّه لابُدَّ وأن يكون قد وُلِد وبحوزته مواهب رائعة؛ لكن في الواقع، هناك العديد من الأمثلة عن أناسٍ مشهورين اعتمدوا على العمل الشاق.

على سبيل المثال: استُبعِدَ لاعب كرة السلة الأسطوري “مايكل جوردان” من فريق كرة السلة في المدرسة الثانوية، لكنَّه استمرَّ ليصبح واحداً من أعظم لاعبي كرة السلة في كلِّ العصور؛ وقيل لرائد الرسوم المتحركة “والت ديزني” أنَّه لا يملك “أفكاراً مبتكرة ويفتقر إلى الخيال” من قِبل صحيفةٍ فصلته من عمله؛ وأُخبِرَت “أوبرا وينفري” ذات مرةٍ بأنَّها “لم تكن مناسبةً للعمل في التلفزيون”.

تُوضِّح هذه القصص أنَّه لا يجد كلُّ شخصٍ ناجحٍ النجاح والتقدير الفوريين، بل عليه العمل بجديةٍ والمثابرة لينجح في نهاية المطاف.

قوة التسميات:

ماذا يحدث عندما يُقال لشخصٍ ما أنَّه موهوب؟ قد يصبح أحياناً راضٍ عن نفسه، ويفقد الدافع للتحسُّن. على سبيل المثال: قد يفترض أطفالٌ يُقال لهم طوال فترة المدرسة الثانوية بأنَّهم أذكياء بطبيعتهم، أنَّهم سينجحون بسهولةٍ في الكلية، وقد لا يكلِّفون أنفسهم عناء تطوير المهارات اللازمة للدراسة بجدٍ وتعلُّم مواد جديدة؛ لأنَّهم يعتقدون أنَّهم سيكونون قادرين على التفوق في أيِّ صف؛ لتكون الكلية بمثابة صدمةٍ حقيقيةٍ لهم. ولأنَّهم لا يكلِّفون أنفسهم عناء تعلُّم مهارات الدراسة، فقد يجدون أنفسهم يعانون للتأقلم.

كما قد تثبَّط عزيمة شخصٍ قِيل له صراحةً أنَّه ليس موهوباً بأيِّ شكلٍ من الأشكال، ويتوقَّف بالتالي عن متابعة أحلامه. على سبيل المثال: قد يصبح شخصٌ يأخذ دروساً فنية في الثلاثينيات أو الأربعينيات من عمره مكتئباً إذا أخبره معلِّمه أنَّه ليس مستعداً حقاً للرسم، خاصةً إذا كان قد انتظر سنواتٍ لبناء مستويات الثقة المطلوبة للتسجيل في الصف أصلاً؛ ليفقد العالم -ربما- بعض اللوحات الرائعة كنتيجةٍ لتعليقٍ واحدٍ من معلم.

يمكن أن تكون تسمية شخصٍ ما بالموهوب وقحةً فعلاً؛ لأنَّ هذا يعني أنَّه لم يكن على الشخص الاعتماد على العمل الجاد لتحقيق النجاح، وهذا استخفافٌ بجهده يُظهِر الجهل بكيفية حدوث النمو والتطور الشخصي خلف الكواليس؛ كما أنّ تسمية شخصٍ بالموهوب يُتيح له الخروج من المأزق، ويسمح بأن يكون كسولاً؛ فإذا كان غير موهوب، وكان شخصٌ آخر موهوباً، فلماذا سيهتمُّ بمحاولة تحقيق مستوى مماثلٍ من النجاح؟

باختصار: إنَّ تسمية شخص بالموهوب أو البارع ليس إطراءً بسيطاً؛ ففكرة أنَّ بعض الناس يُولدون أفضل من الآخرين ليست بنَّاءة.

كيف تتقن قوّتك المميزة؟

صحيحٌ أنَّنا جميعاً أقوى في بعض المجالات من مجالاتٍ أخرى، ولكنَّ الاجتهاد في العمل هو السرُّ الحقيقي للنجاح. هناك ثلاث خطوات يجب اتباعها من أجل تحقيق إمكاناتك الكاملة:

1. اسأل نفسك ما أكثر ما يُثير اهتمامك:

ما الذي تعتقده غالباً بشأن شيءٍ ما؟ وما الذي يهمك أكثر؟ وماذا تفعل في وقت فراغك؟ وما الذي يرضيك؟ إذا كنت غير متأكدٍ من ذوقك ومهاراتك، فجرِّب بعض الهوايات الجديدة، أو اسأل عن بعض المواضيع الجديدة.

2. اعمل بنشاط على بناء نقاط قوتك في هذا المجال:

إذا اكتشفت مثلاً أنَّك تحبُّ الفن، فاختر وسيطاً، واعثر على الموارد التي تساعدك في إتقان هذه المهارة المحددة. يمكنك أن تأخذ دروساً، أو تعثر على منتور (مرشد)، أو تجد المواد التي تسمح لك بتعليم نفسك.

فكر في المهارات الأساسية التي تحتاجها أولاً، واعمل على اكتسابها؛ فالممارسة هي صديقتك هنا، وكلَّما مارست مهاراتك أكثر، كان ذلك أفضل.

3. احرص على الحصول على تغذيةٍ راجعة من مجموعةٍ من المصادر:

دع الناس تخبرك عن الأشياء الجيدة، والأشياء التي تحتاج إلى تحسين؛ فلا يتوقَّف الأشخاص الناجحون أبداً عن التعلُّم، وهم يقدِّرون النقد البنَّاء. لذا تلقَّف تعليقات الآخرين الذين في مجالك نفسه، وألزم نفسك بالتحسين المستمر، ولا تتوقَّف عن العمل بجد؛ فلا يهم، سواءً اعتقد الآخرون أنَّك موهوب أم لا، فما يهمُّ بحقٍّ هو جهدك وعملك الشخصي.

تبنَّ عملك وثق بنفسك:

عندما تدرك أنَّ العمل الشاق هو ما يهمُّ حقاً، تشعر بالحرية لمتابعة أحلامك.

ماذا لو أخبرك أحدهم أنَّه ليس لديك أيُّ مقدرةٍ فطرية، أو أنَّك لا تُظهر قدراً كافياً من الإمكانات في أيِّ مجالٍ معين؟ أنت تعرف الآن أنَّه إذا اخترت السيرَ في المسار الذي يهمك، وكنت ترغب في تكريس جهدك لبناء مجموعةٍ قويةٍ من المهارات؛ فلا يوجد سببٌ يجعلك لا تصدِّق بأنَّك ناجح؛ وإذا وصفك أحدهم بأنَّك “موهوب” أو “بارع”، فاحرص على تذكيره بأنَّ اجتهادك في العمل هو الذي أحدث ذلك الفارق الكبير.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!