إن التفسير لخطر فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) المتزايد على كبار السن وحتى بعض الشباب يكمن في الفهم لمصطلح تغير الجهاز المناعي لدى هؤلاء الأفراد.

نسبة وفيات كورونا مع تقدم العمر

 أعلن مجموعة من الباحثين الأسبوع الماضي عن النسب الأكثر شمولاً التي تبين ارتفاع مخاطر الإصابة بأعراض خطيرة والوفاة بسبب فيروس كورونا الجديد (بالإنجليزية: Coronavirus) أو ما يعرف بإسم كوفيد-19، وتتلخص هذه النسب كما يلي: 

نسبة وفيات كورونا حسب الفئة العمرية

  • قد يسبب فيروس كورونا الوفاة في 13.4% من المصابين به الذين يبلغون من العمر 80 سنة فأكثر. 
  • قد يسبب فيروس كورونا الوفاة في 8.6% من المصابين به في السبعينات من العمر.
  • قد يسبب فيروس كورونا الوفاة في 4% من المصابين به في الستينات من العمر.
  • قد يسبب فيروس كورونا الوفاة في 1.25% من المصابين به في الخمسينات من العمر.
  • قد يسبب فيروس كورونا الوفاة في 0.3% من المصابين به في الأربعينات من العمر.

وقد جاءت التقديرات لهذه النسب في الوقت الذي يسعى فيه العلماء جاهدين لاكتشاف الأسباب الكامنة وراء زيادة خطر تعرض كبار السن للإصابة بالفيروس، ولماذا يمتلك البعض استجابة مناعية أقوى من غيرهم. 

الأمراض المزمنة وخطر الوفاة بفيروس كورونا

أظهرت البيانات من الصين أن الأمراض المزمنة تزيد من خطر الوفاة بفيروس كورونا بشكل كبير، إضافة إلى أن هذه الأمراض تدل على الشيخوخة البيولوجية وانخفاض المناعة. 

ويقول جورج كوتشيل طبيب أمراض الشيخوخة وعلم الشيخوخة في جامعة كونيتيكت: “ليس العمر الزمني وحده هو الذي يحدد كيف يُبلي المرء في مواجهة عدوى تهدد الحياة مثل مرض كورونا، إن الإصابة بأمراض مزمنة والضعف المتعدد تعد مهمة وتؤثر على العمر الزمني أو أكثر. إن الشخص البالغ من العمر 80 عاماً ويتمتع بصحة جيدة وقوة قد يكون أكثر مرونة في مكافحة العدوى من شخص عمره 60 عاماً ويعاني من العديد من الأمراض المزمنة، ويعود السبب في ذلك إلى كون الثمانيني يتمتع بجهاز مناعة أصغر سناً”. 

نسبة الوفيات بين جميع مصابي مرض الكورونا

ويجدر بالذكر أن نسبة الوفيات بين جميع مصابي مرض الكورونا – بما في ذلك أولئك الذين لا يعانون من أي أعراض – هي 0.66%، وتعتبر هذه النسبة أعلى ثلاثون مرة من نسبة الوفيات بفيروس H1N1 الذي سبب جائحة عام 2009 والتي كانت 0.02 بالمئة. 

فرصة إصابة مريض الكورونا بأعراض حادة مع التقدم في العمر

بالإضافة إلى ازدياد معدل الوفيات مع التقدم في العمر، فإن فرصة إصابة مريض الكورونا بأعراض حادة إلى درجة تتطلب دخول المستشفى – خاصة للوصول إلى أجهزة المساعدة على التنفس – ترتفع أيضاً بشكل حاد مع التقدم في العمر، حيث تلخص النسب الحاجة إلى دخول المستشفيات كما يلي: 

نسبة إصابة مريض كورونا بالأعراض الحادة مع تقدم العمر

  • 18.4% من المرضى الذين يبلغون من العمر 80 عاماً أو أكثر. 
  • 12% من المرضى في الستينات من العمر. 
  • 4.3% من المرضى ما بين 40 إلى 49 عاماً. 
  • 8.2% من المرضى في الخمسينات من العمر. 
  • 3.4% من المرضى في الثلاثينيات من العمر. 
  • 1.1% من المرضى في العشرينات من العمر.  

وقد تفسر هذه النسب لماذا الوضع في إيطاليا كارثي للغاية، حيث المستشفيات فاضت بالمرضى، ويقدر متوسط أعمار السكان في إيطاليا 47 عاماً وهو الأعلى في أوروبا، كما أن 23% من سكانها يبلغون من العمر 65 عاماً أو أكثر.

وقد بلغ عدد الوفيات في إيطاليا حتى منتصف مارس 7.2% من المرضى. 

تغير الجهاز المناعي مع تقدم العمر

إن التفسير لخطر كورونا المتزايد على كبار السن وحتى بعض الشباب يكمن في الفهم المتزايد لمفهوم التشيُّخ المناعي (بالإنجليزية: Immunosenescence). 

وقد حدد علماء المناعة بعض الطرق التي يتغير بها الجهاز المناعي مع التقدم في العمر.

ويقول الطبيب وأخصائي المناعة في كلية الطب في جامعة أريزونا “إن كبار السن ليسوا جيدين في التفاعل مع الكائنات الحية الدقيقة التي لم يصادفوها من قبل” وقد سمى ذلك “شفق المناعة (بالإنجليزية: The Twilight Of Immunity)، ويمكن تبسيط هذه التغيرات كما يلي:

تحتوي أجهزتنا المناعية على مجموعتين من الدفاعات ضد الفيروسات: 

  • الخط الأول: هو مجموعة من الخلايا تسمى كريات الدم البيضاء (بالإنجليزية: Leukocyte)، التي تقوم بمهاجمة الميكروبات التي تغزو الجسم خلال دقائق إلى ساعات من بدء الهجوم.
  • الخط الثاني: مجموعة من الخلايا البائية (التي تفرز الأجسام المضادة ) والخلايا التائية (التي تطلق مواد كيميائية تهاجم الفيروسات)، وتقوم هذه الخلايا بمهاجمة الميكروبات في وقت متأخر بعد عدة أيام. 

ومع التقدم في العمر يقل عدد الخلايا التائية  في الجسم، حيث أنه مع البلوغ تنتج الغدة الزعترية عدداً أقل من الخلايا التائية بعشرة أضعاف عن العدد الذي كانت تنتجه في الطفولة، كمان أن هناك انخفاضاً آخر بعشرة أضعاف في سن الأربعين أو الخمسين.

وهذا يترك الجسم خالياً من الخلايا التائية غير المبرمجة بعد للدفاع ضد ميكروب معين.

ويعني قلة عدد الخلايا التائية الساذجة (بالإنجليزية: Naïve T Cells) عدداً أقل يمكن نشره عند التعرض لهجوم ميكروب جديد، مثل فيروس كورونا الجديد الذي لم يسبق للجسم التعرض له من قبل. 

أما بالنسبة للميكروبات التي تعرض لها الجسم سابقاً فإن خلايا الذاكرة التائية (بالإنجليزية: Memory T Cells) التي تعلمت محاربتها سابقاً تعمل عند التعرض لها من جديد، ولهذا السبب تستمر المناعة ضد الجدري مثلاً وبعض الأمراض الفيروسية الأخرى التي نتعرض لها في الصغر لعقود من الزمن. 

[wpcc-iframe src=”https://www.youtube.com/embed/VgwT-O2tOVw” width=”100%” height=”315″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”allowfullscreen”]

أما التغير الثاني الذي يحصل لجهاز المناعة مع التقدم في العمر فهو التالي: في الوضع الطبيعي عند دخول الميكروب إلى الجسم فإن خط الدفاع الأول يتعرف عليه ويرسل الخلايا القاتلة الطبيعية (بالإنجليزية: Natural Killer Cells) وبعض الخلايا الأخرى لتدميره قدر المستطاع في الساعات الأولى من العدوى، ثم تقوم خلايا الخط الأول نفسها بإظهار الفيروس أمام الخلايا التائية وكأنها تقول لها: هذا عدوك فأطلقي مركباتك الكيميائية واقتليه!

لكن مع التقدم في العمر فإن هذا النوع من التواصل بين خلايا الخط الأول والخلايا التائية يصبح غير فعالاً، وبالتالي فإن استجابة الخلايا التائية تصبح متأخرة جداً وضعيفة. 

وهناك تغيير ثالث يحصل على الخلايا البائية (بالإنجليزية: B Cells) التي تنتج الأجسام المضادة، حيث أن الخلايا البائية يقل عددها مع التقدم في العمر.

وعلى الرغم من أن هذا الانخفاض في العدد لا يكون ملحوظاً بقدر الانخفاض في عدد الخلايا التائية، إلا أن الخلايا البائية القديمة تصبح أقل قدرة على إنتاج الأجسام المضادة عما كانت عليه عندما كانت أصغر.

هل انتهت التغيرات إذن؟ كلا، فهناك تغيير رابع! 

إن التقدم في العمر يبطىء سرعة تسليم  خلايا الخط الأول (الخلايا القاتلة الطبيعية وغيرها) أمر الدفاع إلى الخط الثاني (الخلايا التائية والبائية). ويسبب ذلك فرط النشاط من قبل خلايا الخط الأول، مما يؤدي إلى تراكم مجموعة من المركبات تسمى السيتوكين (بالإنجليزية: Cytokine).

 وفي حالة الكورونا تهاجم عاصفة السيتوكين هذه الرئتين مسببة متلازمة الضائقة التنفسية الحادة ARDS التي تعد سبباً شائعة للوفاة جراء الإصابة بفيروس الكورونا. اقرأ أيضاً: هل حقاً قد يهاجم جهاز المناعة جسم المصاب بفيروس كورونا الجديد ؟

تغيرات في استجابة الجسم للفيروس في الإناث مقارنةً بالذكور

تختلف عاصفة السيتوكين المذكورة سابقاً باختلاف الجنس، حيث وجدت دراسة حديثة أن عدد الخلايا التي تنتج السيتوكين في الرجال الأكبر سناً أعلى منها في النساء، حيث أن النساء لديهم خلايا تانية وبائية أكثر وأفضل.

وقد يفسر هذا إلى حد ما كون استجابة الرجال الأكبر سناً لفيروس كورونا أسوأ عموماً من استجابة النساء الأكبر سناً. 

اقرأ أيضاً: احتمالية الإصابة بفيروس كورونا مرة ثانية بعد الشفاء