‘);
}

الرؤى والأحلام

من عادة النفس البشرية أنّها تتوق وتتطلّع لمعرفة ما سيحصل لها في المستقبل من أحداث وأحوال، إلّا أنّ الله سبحانه وتعالى قد استأثر بعلم الغيب لنفسه سبحانه، فلا يعلم ما يحصل في أيام المستقبل ولياليه إلّا هو، قال تعالى: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ)،[١] مع ذلك فقد حاول الكثير من الناس الوصول إلى علم الغيب عن طريق السحر، والكهّان، والعرّافين، والمنجّمين، وما يتعلّق بالأبراج ونحوها، ممّا أدى بهم إلى الضلال بما أقدموا عليهم من أمور محرمة، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (من أَتَى عَرَّافًا أو كاهنًا فصَدَّقه بما يقولُ، فقد كَفَر بما أُنْزِلَ على مُحَمَّدٍ)،[٢] وقد خصّ الله سبحانه وتعالى أهلَ الإيمان بما يبشّرهم بالخير وينذرهم من الشرّ القادم، وذلك من خلال الرؤى الصادقة، فما يبشَّر به المؤمن بعد أعماله الصالحة، الرؤيا الصالحة التي يراها هو بنفسه أو يراها غيره له، وقد أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: (لم يَبْقَ من النُّبُوَّةِ إلا المُبَشِّراتُ، قالوا: وما المُبَشِّراتُ؟ قال: الرؤيا الصالحةُ).[٣][٤]

ويمكن القول إنّ حقيقة ما يراه النائم أثناء نومه تنقسم إلى ثلاثة أقسام، أوّلها الرؤى؛ وهي جمع رؤيا، وثانيها الأحلام ومفردها حلم، وثالثها ما كان متعلقاً بفكر الإنسان من صورٍ وأحداثٍ ومواقف خلال يقظته، كالأماني التي يتمنّاها الإنسان أحياناً، وصحيح أنّ للرؤى الصالحة مكانةٌ رفيعةٌ في الإسلام، إلّا أنّ بعض الناس قد ضلّوا في أمرها، فجعلوها مصدراً للتشريع، وقد أنكر عليهم العلماء فعلهم، فكان ممّا قاله الإمام الشاطبي رحمه الله في ذلك: إنّ بعض الناس قد يقول إنّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يأمره بفعل شيءٍ معين، فيعمل به مُعرِضاً ومتجاهلاً الحدود الشرعية، وهذا أمرٌ خاطئ، فرؤيا غير الأنبياء لا يجوز الحكم بها شرعاً، وإنما تُعرض على ما وصل من الشريعة الإسلامية حول الأحلام الشرعية فإن سوّغتها وأجازتها عُمل بمقتضاها وإلا فالواجب تركها والإعراض عنها، ولا يُستفاد منها إلّا البشارة أو النذارة، أمّا الأحكام الشرعية فلا تؤخذ منها، وينبغي للمسلم أن يحذر من المغالاة في هذا الباب، فلا حاجة لأن يلقي له بالاً كثيراً ويتوسّع في السؤال عنه، إلّا إن رأى شيئاً يستحقّ التعبير فعلاً.[٤]