متلازمة داون، أسبابها، اعراضها ، وطرق التعامل معها

كثيراً ما نُصادف في حياتنا اليومية أشخاصاً يجعلوننا نُعِيد التّفكير في مفهوم الإعاقة، لنتأكّد من أنّها إعاقة الرّوح لا الجسد؛ فلطالما تعرّفنا على أشخاص سليمي البنية الجسديّة لكنّنا شعرنا معهم بغربة روحيّة، ولم يكن بيننا وبينهم أيّ انسجام أو تقارب فكري. وبالمقابل، قد نجلس مع أشخاص من "ذوي الإعاقة" ونُسحَر بالحديث إليهم، ونجد فيهم ضالّتنا والسّلام الدّاخلي والانسجام الذي افتقدناه مع غيرهم. سنتحدّث في هذا المقال عن "متلازمة داون"، وأسبابها وأعراضها وطرائق علاجها، وما هو اليوم العالمي لمتلازمة داون؟

1. ما هي متلازمة داون وما هي أسبابها؟

تعدّ متلازمة داون حالةً وراثيّةً تحدث عند وجود نسخةٍ إضافيّةٍ من كروموسوم معيّن: وهو كروموسوم “21”، ويصف هذا المصطلح الخصائص الناتجة عن هذا التّغيير، حيث يمكن للكروموسوم الإضافي أن يوثّر على السّمات الجسديّة للشخص وذكائه وتطوره العام، كما يزيد من احتمال حدوث بعض المشكلات الصحيّة.

دعونا نتعرّف بدايةً على ماهيّة الكروموسومات ودورها:

تحمل الكروموسومات التّعليمات الوراثيّة اللازمة لعمل وحياة الخليّة، ويتكوّن كلّ كروموسوم من “DNA” يلتفّ بإحكامٍ عدّة مراتٍ حول بروتينات تُسمّى “هيستون” الداعمة لتركيبه.

ولكن هل يمكن لتغيير حاصلٍ في عدد الكروموسومات أن يؤثّر على الصحة والتطور؟

تحتوي الخلايا البشريّة عادةً على 23 زوجٍ من الكروموسومات: أي ما مجموعه 46 كروموسومات في كلّ خلية، وإنّ أيّ تغييرٍ في عددها يمكن أن يُسبّب مشكلاتٍ في نموّ وتطوّر ووظيفة أجهزة الجسم.

تحدث هذه التغييرات في أثناء تكوين الخلايا الإنجابيّة (البويضات والحيوانات المنويّة) أو في أثناء تطوّر الجنين المُبكّر، أو في أيّ خليّةٍ بعد الولادة. في حين يُسمّى زيادة أو نقصان عدد الكروموسومات عن العدد الطبيعي (46) بعدم توازن الصّبغيات.

إحدى الأشكال الشّائعة لداء الصّبغية هو “التّثلث الصبغي” أو وجود كروموسوم إضافي في الخلايا. فيكون لدى الأشخاص المصابين به ثلاث نسخ من كروموسوم معين في الخلايا بدلاً من نسختين عاديتين. وتُعد متلازمة داون مثالاً لهذه الحالة.

عادةً ما يكون لدى الأشخاص المُصابين بمتلازمة داون ثلاث نسخٍ من كروموسوم 21 في كلّ خليّة؛ أي ما مجموعه 47 كروموسوم في الخلية الواحدة.

2. أعراض متلازمة داون:

يُعاني الأشخاص المصابون بمتلازمة داون من مشكلاتٍ جسديّة وعقليّة لعلَّ أهمها:

2. 1. الأعراض الجسديّة لمتلازمة داون:

غالباً ما يشترك المصابين بمتلازمة داون ببعض السّمات الجسديّة، ففيما يخصّ سمات الوجه، فقد يكون لديهم:

  • عيونٌ تشبه ثمرة اللوز.
  • وجوهٌ مُفلطحة، خصوصاً الأنف.
  • آذانٌ صّغيرة.
  • بقعٌ بيضاء صغيرة في الجزء الملوّن من عيونهم.
  • لسانٌ عالق في الفم.

ويمكن أن يكون لديهم يدان صغيرتان، بالإضافة إلى هذه السمات:

  • انخفاضٌ في قوة العضلات.
  • خناصر صغيرة.
  • أصابع قصيرة.
  • رقبة قصيرة.
  • رأس صغير.
  • مفاصل رخوة.

يكون الأطفال المصابين بمتلازمة داون في نفس حجم الأطفال الآخرين عند الولادة، لكنّهم يميلون بعد ذلك إلى النّمو ببطءٍ أكثر بالمقارنة مع أقرانهم.

ونظراً لأنّ لديهم انخفاضاً في قوّة العضلات، فيعاني هؤلاء الأطفال في أثناء رفع رؤوسهم إلى الأعلى، ويكونون أيضاً هشّين إلى حدٍّ مبالغ فيه، إلّا أنّ هذا الأمر عادةً ما يتحسّن مع الوقت.

2. 2. الأعراض العقليّة لمتلازمة داون:

تؤثّر متلازمة داون على قدرة الشخص على التفكير والفهم والتواصل الاجتماعي أيضاً، وتتراوح الآثار بين خفيفةٍ إلى معتدلة. كما يستغرق الأطفال المُصابين وقتاً أطول للوصول إلى ممارساتٍ معيّنة مثل الزّحف والمشي والحديث وارتداء الملابس واستخدام المرحاض بمفردهم. وفي المدرسة، قد يحتاجون إلى مساعدةٍ إضافيّةٍ في أمورٍ مثل تعلّم القراءة والكتابة.

وقد يكون لديهم مشكلات في السلوك أيضاً، فقد لا ينتبهون جيداً أو قد يكونوا مهووسين بالقيام ببعض الأمور؛ ذلك لأنّه من الصعب عليهم التحكّم في دوافعهم والتواصل مع الآخرين وإدارة مشاعرهم في حالات الإحباط.

قد يُقرّر الأشخاص المصابون بمتلازمة داون، كبالغين، أن يقوموا بالعديد من الأشياء لوحدهم، لكن من المحتمل أن يحتاجوا إلى مساعدةٍ في قضايا مُعقّدة مثل تحديد النسل أو إدارة الأموال. وفي حين قد يصل بعضهم إلى مرحلة الدراسة الجامعيّة، يحتاجُ غيرهم إلى المزيد من الرعاية اليومية.

2. 3. الظروف الصحيّة المرافقة لمتلازمة داون:

يُعاني الأشخاص المُصابين بمتلازمة داون من مشكلاتٍ صحية معينة -وبنسبة أكبر من غيرهم- مثل:

  • فقدان السمع: يعاني الكثير منهم من مشاكل في السمع في إحدى الأذنين أو كلتيهما، وهو ما يرتبط أحياناً بتراكم السوائل.
  • مشكلات قلبية: يعاني نصف الأطفال المصابين بمتلازمة داون من مشكلات إمّا في شكل قلوبهم أو في آلية عملها.
  • توقّف التنفس في أثناء النوم: وهي حالةٌ قابلةٌ للعلاج حيث يتوقف التنفس ويُسْتَأنَفُ عدّة مراتٍ في أثناء النوم.
  • مشكلات في الرؤية: يعاني حوالي نصف الأشخاص المصابين بمتلازمة داون من مشكلةٍ في البصر.
  • أمراض الدم: مثل فقر الدم، حيث يكون لديهم انخفاضاً في نسبة الحديد في الجسم. إضافةً إلى ذلك فهم مُعرّضون إلى الإصابة بسرطان الدم باحتماليّةٍ عالية.
  • العَتَه: يفقد فيه المريض الذاكرة والمهارات العقلية، لكن غالباً ما تبدأ علامات وأعراض المرض بالظهور بعد سن الخمسين.
  • الالتهابات: قد يصاب الأشخاص الذين يعانون من متلازمة داون بالمرض أكثر من غيرهم؛ ذلك لأنّ لديهم أجهزة مناعية أضعف.

كما أنّه من المرجح أن يعانوا من زيادة الوزن بشكلٍ مفرط ومشكلاتٍ في الغدة الدرقية وانسدادٍ في الأمعاء ومشكلاتٍ جلديّة.

3. كيف نتعامل مع متلازمة داون؟

متلازمة داون

لا يوجد علاجٌ لمتلازمة داون، ولكن هناك عدداً من الممارسات التي يمكن أن تساعد مَن لديه المرض في أن يعيش حياةً صحيّةً ونشطة وأكثر استقلاليّة:

3. 1. التعامل مع التأثير النفسي والعاطفي للمرض:

إذا كنتِ قد اكتشفتِ مؤخراً أنّ طفلكِ يعاني من متلازمة داون، فقد تشعرين بمجموعة من المشاعر مثل الخوف أو الحزن أو الارتباك، بينما يشعر آخرون بالرّغبة في حماية أطفالهم واحتوائهم.

لا توجد طريقةٌ صحيحةٌ أو خاطئةٌ للاستجابة بعد اكتشاف أنّ طفلكِ يعاني من متلازمة داون، إلا أنّ معرفة المزيد عن الحالة سيمنحكِ فهماً أفضل لكيفية تأثيرها على حياة طفلك وحياتك.

3. 2. تشكيل مجموعات دعم:

إذا كان طفلكِ يعاني من متلازمة داون، فمن المهمّ أن تتذكري أنّك لست وحدكِ، فلدى الكثير من الأسر حالةٌ مماثلةٌ لحالتك. ويوجد العديد من الأشخاص مثل أفراد الأسرة ومقدّمي الرعاية والأصدقاء ممن لديهم خبرةٌ في دعم ورعاية المصابين بهذه الحالة.

لذا فمن المفيد التحدّث عن تجاربكِ مع العائلات الأخرى، حيث يمكنهم أن يقدموا لكِ المشورة ويخففوا من هواجسكِ.

3. 3. التّدخل المبكّر:

تمّ تصميم برامج التدخل المبكر خصيصاً للأطفال ذوي الإعاقات وصعوبات التّعلم. وتركز هذه البرامج على تقديم الدعم للأطفال الرضع والأطفال المصابين بمتلازمة داون منذ الولادة وحتى سنّ الخامسة.

كما توفّر برامج التدخّل المبكّر الرعاية الصحيّة والتعليم والعلاجات مثل علاج النطق والعلاج الطبيعي. كما يقدمون المشورة والدعم إلى عائلة الطفل المريض.

يعدّ التدخل المبكر أمراً هاماًَ؛ لأنّه كلّما تلقّى الطفل المساعدة والدعم في وقتٍ مبكّر، زاد احتمال أن يكون مستقلاً وصحياً في وقتٍ لاحقٍ في الحياة.

3. 4. فريق الرعاية والعلاج:

يوجد عددٌ من متخصّصي الرعاية الصحيّة الذين يقومون بمراقبة وعلاج الشخص المصاب، وقد تشمل هذه ما يلي:

3. 4. 1. العلاج الطبيعي:

يتمّ استخدام الأساليب الجسدية، من قبل أخصائي العلاج الطبيعي مثل التدليك، لتعزيز الصحة والرفاهية. وغالباً ما يُعالَج الطفل المصاب بمتلازمة داون في سنٍّ مبكرة، لأنّ ذلك يمكن أن يساعد في تحسين حركته.

3. 4. 2. علاج النطق:

قد يواجه الأطفال المصابون بمتلازمة داون مشكلاتٍ في النّطق، لذلك يمكن أن يساعدهم مُعالِج النطق على تعلّم التواصل بشكلٍ أكثر فعالية.

3. 4. 3. العلاج الوظيفي:

يُقدِّم المعالجون الوظيفيون الدعم العمليّ للناس حتى يتمكنوا من العيش بشكلٍ أكثر استقلالية. على سبيل المثال: يعاني العديد من الأشخاص المصابين بمتلازمة داون -نتيجة ضعف قوة عضلاتهم- من مشكلاتٍ في القيام بمهام تتطلّب درجةً معينةً من التنسيق البدني، مثل تناول الطعام وارتداء الملابس.

يمكن أن يساعد أخصائي العلاج الوظيفي الشخص المصاب عن طريق تقسيم المهام إلى خطواتٍ أصغر، ثم مساعدته على تعلّم كيفية إكمال المَهَمّة خطوة بخطوة.

3. 4. 4. العلاج الغذائي:

قد يجد الأشخاص المصابون بمتلازمة داون صعوبةً في التحكم في وزنهم. حيث أنّ معدلات البدانة مرتفعة بشكلٍ خاص بين البالغين منهم، وقد تكون هناك مجموعةٌ من العوامل المسؤولة عن ذلك؛ على سبيل المثال: وجود عملية استقلابٍ نشطةٍ ممّا يجعل من الصعب حرق السعرات الحرارية ويؤدي إلى نمط حياةٍ أقل نشاطاً بدنياً.

يمكن لأخصائي التغذية مساعدة الشخص المصاب من خلال وضع خطة غذائيّة تتناسب واحتياجاتهم. سيضمن هذا الأمر نظاماً غذائياً صحياً ومغذياً ومتوازناً لهم.

3. 4. 5. العلاج الاجتماعي:

قد يحتاج الأشخاص المصابون بمتلازمة داون إلى مساعدةٍ في التغلّب على المشكلات الاجتماعية، مثل العثور على سكنٍ أو التقدّم للحصول على إعاناتٍ مالية. سيساعدهم المسؤول الاجتماعي على القيام بذلك، مما يمكّنهم من العيش بطريقةٍ أكثر استقلالية.

3. 4. 6. العلاج السمعي:

يعاني المصابون بمتلازمة داون من مشكلاتٍ في السمع. لذا يساعد وجود أخصائي سمع -خبير في تشخيص وعلاج حالات السمع- يعمل على مراقبة السمع، في كشف المشكلات في أسرع وقتٍ ممكن.

3. 4. 7. علاج الرؤية:

يعاني الأشخاص المصابين بمتلازمة داون من زيادة خطر الإصابة بمشكلات النظر مثل التهابات العين وإعتام عدسة العين. وغالباً ما يعمل أخصائي تقويم البصر مع طبيب العيون لعلاج أمراض العين المنطوية على مشكلاتٍ في حركة العين وقدرة التركيز، مثل “الحَوَل” أو “كسل العين”.

3. 4. 8. علاجات المشكلات القلبية:

يعاني الأشخاص المصابين بمتلازمة داون من ارتفاع خطر الإصابة بمشاكل القلب، لذا يجب فحص قلوبهم بانتظام.

3. 5. المراقبة:

يحتاج الأطفال والكبار المصابون بمتلازمة داون إلى فحوصات منتظمة وذلك لمراقبة صحتهم عن كثب.

3. 6. العيش باستقلالية:

يمكن للعديد من الأشخاص المصابين بمتلازمة داون أن يعيشوا حياةً نشطة ومستقلة، من خلال المساعدة والدعم. ويستطيع الكثير من الأطفال المرضى الذهاب إلى المدارس. ومع ذلك، إذا كانت درجة إصابة طفلكِ بمتلازمة داون عالية أو شعرتِ أنّه سيستفيد من التعليم المتخصص أكثر، فهنالك عددٌ من المدارس والمرافق الأخرى التي تقدّم التعليم المصمّم خصيصاً لذوي الاحتياجات الخاصة.

يتابع العديد من المرضى الشباب دراستهم، ويحصل بعضهم على عملٍ أيضاً.

وفي حين يعاني معظم الرجال المصابين بمتلازمة داون من العقم، تميل النساء المصابات بمتلازمة داون إلى عدم الرغبة في إنجاب الأطفال؛ هذا لا يعني أنّهن لا يستطعن تخيّل الأطفال، لكنّ الأمر سيكون صعباً عليهنّ. وستحتاج مَن تُقرّر إنجاب أطفالٍ إلى إرشاداتٍ ودعمٍ متخصصين لمساعدتهنَّ على مواجهة المتطلبات البدنية والعقلية للطفل حديث الولادة. فإذا كانت المرأة مصابة بمتلازمة داون، فإنّ فرصة إصابة طفلها بالحالة نفسها هي (35-50%). كما ويكون خطر الإجهاض والولادة المبكرة أكبر بكثير لدى النساء المصابات بمتلازمة داون.

4. اليوم العالمي لمتلازمة داون:

يتّحد العالم سنويّاً يوم 21 مارس (آذار) للاحتفال باليوم العالمي لمتلازمة داون، والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2011؛ حيث يهدف إلى التوعية بمتلازمة داون ودعم الأشخاص المصابين بمتلازمة داون وعائلاتهم.

وفي احتفالية اليوم الدولي لمتلازمة داون لعام 2020، تركز مؤسسة “داون سيندروم إنترناشيونال” على موضوع “نحن من يقرر”، دعوةً منها ليتمتّع جميع المصابين بمتلازمة داون بالمشاركة الكاملة في اتخاذ قراراتهم الحياتية أو التي تؤثر عليها. والمشاركة الفاعلة والهادفة هي مبدأ أساسي من مبادئ حقوق الإنسان، وفق ما تنصّ عليه اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

يتمثل الهدف العام لهذه الفعاليات في:

  • تمكين المصابين بمتلازمة داون وتمكين داعميهم والمنظمات الممثلة لهم، من خلال الدعوة إلى مشاركة فاعلة وذات مغزى.
  • التواصل مع أصحاب المصلحة الرئيسين، بما في ذلك أخصائي التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية وأرباب العمل والهيئات المجتمعية والهيئات العامة والحركة الأوسع المعنيّة بالإعاقة ووسائل الإعلام والمجتمع؛ بغيةَ نشر هذه الرسالة وإحداث التغيير.

الخلاصة:

وسط وجود عدم توازن أعداد الصّبغيات ومشكلاتٍ في السّمع والرؤية والسّمنة والتفكير المنطقي والنّطق والحركة؛ تكمنَ متلازمة داون.

ووسط متلازمة داون والقدرة على التقبّل والتفاصيل اليوميّة المُقاومة لكلّ الأعراض والقدرة على الاستمرار بجلسات الدعم والرعاية والتأهيل الاجتماعي والطبي؛ تكمنُ قوة الإيمان وقوّة التحدّي وقوّة اكتشاف الذات والرسالة والهدف.

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!