أضافت الحكومة تأسيس مجلس الأمن الوطني إلى مقترحات لجنة تطوير المنظومة السياسية، وتسارعت الانتقادات التي ترى في المجلس ما يحدث خللاً في العلاقة بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وينزع من الحكومة صلاحيات واسعة حتى ليكاد يحصرها في الجانب المحلي.
هل نريد حديثاً مثالياً أم واقعياً؟
الجانب المثالي يتسع لكثير من التنظير، ويقدم وجبة متكاملة يمكن تجاذبها بين الفقهاء الدستوريين والقوى السياسية، وسنسمع كلاماً نفهم بعضه ويفوتنا بعضه، أما الجانب الواقعي فعليه أن يستحضر أزمة الديمقراطية العربية بشكل عام وتعثراتها المختلفة، وأن نستفيد من دروسها كافة، ووصف الأردن بالاستثناء ينطوي على مبالغة إذ إن الاستثناء يتأتى في إطار مقارنتها بمحيطها العربي، أم الحديث عن مقاربة ديمقراطية سويسرية أو كندية ففي ذلك مبالغة ومخاطرة.
واقعياً، علينا أن نعرف أن الحكومات البرلمانية المقبلة لن تسقط علينا مثل مائدة من السماء بقيادات تمتلك كل المواهب والمعارف والخبرات اللازمة لتقوم بتقديم الحلول بصورة جامعة مانعة، فالرحلة تجاه حكومات متمكنة تصنع فارقاً ستتطلب على الأقل عقداً من الزمن، والمأمول أن نستطيع تجاوز ذلك بالسرعة الممكنة وبأقل تكلفة هذه المرحلة، ولذلك يتوجب توفر شيء من المرجعية يضبط ايقاع التحول الديمقراطي الذي هو جزء من الإصلاح بشكل عام.
وسط هذه الرؤية، والتوقع القريب من التيقن، بمواجهة أشواك الديمقراطية قبل القبض على ثمارها، ونظراً لطبيعة الإقليم وتفاعلاته، الثقافة السائدة والتيارات الاجتماعية القائمة، والتوازنات الدولية، أليس منطقياً أن نحاول الاقتراب من الديمقراطية بحذر، خاصة أن الثقافة الحاضنة للمرحلة المقبلة للديمقراطية هي نتاج مرحلة غير مرضية من حيث الأداء الديمقراطي، فالقوى السياسية الكلاسيكية شهدت تشكلها قبل انفراجة 1989 والقوى الشابة عايشت الربيع العربي بكل تفاصيله، ولعلهم إلى اليوم لم يتمكنوا من الاشتباك مع نتائجه، فيتوزعون بين متحمس ومتشكك وكافر بكل هذه المرحلة قياساً بنتائجها على الأرض في مختلف البلدان العربية.
يمكن تفسير وجود المجلس بأنه مناورة لوضع شكل ديمقراطي غير مأمول، فالقرارات المهمة على مستوى الأمن والسياسة الخارجية ستتخذ على مستوى المجلس، ولكن ذلك لا يعني أن تنفصل بالكامل عن سياق الرأي العام الأردني ولا عن مجلس النواب وتفاعلاته، فتجربة الأردن أثناء حرب الخليج الثانية 1990 كانت تدلل على مدى مراعاة النبض الشعبي في اتخاذ القرارات الخاصة بالعلاقات الخارجية، إلا أن ذلك سيشكل حائطاً للصد أمام أي حكومة ذات نكهة أيديولوجية يمكن أن ترى علاقات الأردن استثماراً لتوجهاتها وتحدث إخلالاً في التوازنات التي تعايشها الأردن.
أمام تأزم اقتصادي متطاول وممتد يمكن أن يستمر لفترة طويلة فإن استغراق الحكومات في الشأن المحلي والإصلاح الاقتصادي والإداري وتحقيق التنمية في المحافظات، وإدارة ملفات مثقلة بالارتباك مثل الصحة والتعليم، وجميعها أمور يمكن أن تعمل على تنمية حس المشاركة وصقله مع الوقت لأنها تضع المواطنين والقوى السياسية في تجربة حقيقية وليست مجرد محاكاة تعتمد على المقولات والشعارات.
الأساس في مسيرة الإصلاح السياسي يتمثل في التفاوض والتقدم مرحلياً، لأن ذلك سيكشف مدى استجابة الأردن لكل مرحلة ويمنح فرصة للتقييم ومعالجة الأخطاء، ويجنب الدولة الأردنية في ظل أوضاعها وتحدياتها التقدم غير المدروس الذي كانت نتائجه سلبيةً للغاية في العديد من الدول العربية الأخرى.
لا يمتلك الأردن حصانة من حالة الارتباك العام في المنطقة العربية، وعلينا أن نتعامل مع الطرق الأصعب والأطول وأن نتحلى بشيء من المخيلة السياسية حيث لا يصبح الدستور مجرد غاية في حد ذاته، ولكن وسيلة من أجل المضي قدماً، أما المتشائمون والمتشككون في النوايا، فما يجب التذكير به أن الإصلاح يتحول اليوم إلى صيرورة تاريخية من أجل الحفاظ على الدولة، ولم يعد بإمكاننا أن نعتبره مناورةً أو ديكوراً.