محمود درويش يُتمّ قصيدته بالكأس ما قبل الأخيرة

والآن أذكر أنّني قد متّ، لم أتممْ قصيدتيَ الأخيرةَ؛ والتمامُ النقصُ؛ لكنْ في بدايتها «مُعدِّلةٌ» على نغمٍ لكمْ «متدارَكٍ»؛ يجري بأصواتي على سمْتِ الحياةِ، وفي نهايتها متى أتممتَها؛ حجرٌ يتيمٌ بانتظارك أنتَ، فاقرأْ باسمه علقي، وضُمَّ حروفَها، كلماتِها التامّاتِ؛ والعبْ نرْدَهاـ لا كيمياءَ الطلْسماتِ ـ كما لعبتُ بكلّ أعضائي تذكّرْ أنّ بي خجلاً وضعفًا في […]

محمود درويش يُتمّ قصيدته بالكأس ما قبل الأخيرة

[wpcc-script type=”481763856d13c975cec7529d-text/javascript”]

والآن أذكر أنّني قد متّ، لم أتممْ قصيدتيَ الأخيرةَ؛ والتمامُ النقصُ؛ لكنْ في بدايتها «مُعدِّلةٌ» على نغمٍ لكمْ «متدارَكٍ»؛ يجري بأصواتي على سمْتِ الحياةِ، وفي نهايتها متى أتممتَها؛ حجرٌ يتيمٌ بانتظارك أنتَ،
فاقرأْ باسمه علقي، وضُمَّ حروفَها، كلماتِها التامّاتِ؛
والعبْ نرْدَهاـ لا كيمياءَ الطلْسماتِ ـ كما لعبتُ بكلّ أعضائي
تذكّرْ أنّ بي خجلاً وضعفًا في الغناءِ؛
وكيف لي؟ وأنا الوحيد، لمن أغنّي؟
إنّ أشيائي الحميمةَ لي أنا حيّا وميْتًا
إنّ رغبتَنا الغريبةَ نحنُ في أشيائنا مجلوبةً هي موتُنا
متدرّجَ الأضواءِ في لوحاتهِ.
٭ ٭ ٭
ما الضفّة الغربيّةُ؟ السردابُ من جسرِ الحسينِ إلى أريحا وهو يهبطُ ثمّ يهبطُ؛ ثمّ يصعدُ، سمّهِ سردابَ روما، والمساجينُ القعودُ به قيامٌ مثلنا؛
لا يرفعونَ رؤوسَهمْ حتى يرَوْنا (في صلامبُو كنتُ أصغي مثلَ غوستاف فلوبار إلى فحيح الرعب في السردابِ، لا سِنةٌ فتأخذهم ولا نومٌ؛ ولا أحدٌ هنالك بانتظار شفاعة القدّيس، في غمراتِه)
ذا لون شعرك، لون عينك واليدين؟ أأنتَ أنتَ إذن؟
كأنّي عشبة بحريّة لا جذر لي، لا غمَّ من ماضٍ؛
وماذا يفعلُ الأمواتُ؟ شيئا لا يُسمّى كانتظارِ المستحيلِ، كأنّهُ ندمُ القتيلِ، لقد قُتلتُ أنا الفلسطينيّ؛ تلك مشيئتي وإرادتي؛ والقاتلون هم الضحيّةُ لا شريكَ لها. تعلّمْ أن تكونَ ضحيّةً فتكونَ،
لا أحدٌ هنالك بانتظارِ البرتقالِ اليافويّ على ضفافِ النهر في الأردنِّ حيثُ محابسُ الأمطارِ؛
يعبقُ، نصفهُ دمنا، ونصفٌ ماؤهُ،
لا ماء ينفخ منه في الرئتين أعني الضفّتينِ،
الآن ميّارونَ في طرقِ العساكر مُونُهمْ من قمحِنا، ونبيذهمْ
من كرْمِنا البريّ؛ لم يخضرَّ عودٌ يابسٌ إلاّ له، وبه الفلسطينيّ؛ لكن لم تزلْ روما القديمةُ نفسُها روما الجديدةَ نفسَها.
٭ ٭ ٭
في هجرتي الأولى إلى لبنانَ، أذكرُ جيّدا؛ لم يتّبعنا غيرُ مسْواكِ الرعاةِ، وهندباءِ البرّ، زهرِ اللوزِ؛ غيرُك أنتِ نجمة بيتِ لحم، أنت يا لبَن الطيور؛ وغيرُ ذكرى برتقالٍ يافويّ نصفه دمنا،
ومن مرْج بن عامرَ، لم يلحْ حتى شمال النهر لي؛ إلاّ حصانُكَ يا أبي يعدُو إلينا باليدينِ، يخبّ بالرجلين.
٭ ٭ ٭
في الطابق الغيميّ في بيروت، وهي تُقطّع البصل الطريّ؛ وكنتُ في الصالونِ منبسطًا إلى ضيفي، أقول له تركتُ لها همومَ البيتِ؛ لي شغلي
أنا ألقيتُ ليلتَها بما طالت يدايَ، من الملاعقِ والصحونِ؛ من الكؤوسِ إلى الرصيف، ولمْ أنمْ.
٭ ٭ ٭
الموتُ؟ نومٌ كاذبٌ، لا ليلَ نصرفُ في مَتاهِ ظلالهِ؛ أو في تخومِ هوائهِ،
وتفرّغٌ للأرضِ نطعمُها، كما قد أطعمتنا؛ لحمَنا
الموتُ شيء كالزواجِ زواجِنا بالأرضِ، قُرْبتِنا إليها، وليكنْ
لا وقتَ في قُبب المقابر كي نُزجِّي الوقتَ، لا زوّارَ يومَ السبتِ في عمّانَ؛ كان السبتُ لي ولها، ولا أصواتَ في باب العمارة مثل أصواتِ السمانَى؛ وهي تدلفُ في خريفي حيث لا اسطرلابَ كيْ نُعنى بأحوال البروج معًا، وتقديرِ الزوالِ؛ ولا المكانُ هو المكانُ ولا الزمانُ
هنا الزمانُ؛ لنا لذيذ بطالةٍ في الموتِ، عافيةُ النبات بياضُهُ وسوادُهُ؛ ولنا العظامُ هي الثمارُ تسفّلتْ مثل البطاطسِ، نحنُ وكّلنا الطيور بها؛ وطرْنا
لا نَذُودُ الطيرَ عن صفّ النوافذِ في جناحِ كنيسةٍ في القدسِ، أو في بيت لحمٍ،
أو كنيسٍ؛ أو عن الغيّاكِ في تكساسَ عودِ الأنبياءِ الأمْريكانِ، رحلتُ في شجرِ الهنودِ، وكنتُ في أزهارهِ زرْقًا، وفي أوراقهِ ريشًا؛ فلسطينيّهُ أبدًا وأندلسيّهُ، وأنا دمشقُ به وقرطبةٌ أنا
٭ ٭ ٭
ومِنَ الصدورِ الموتُ ينزعُ كلّ غلٍّ،
أبرياءٌ كلّنا في وَحدةِ الأمواتِ؛
من يتحفّظُ التوراةَ أو يتحفّظُ الإنجيلَ أو يتحفّظُ القرآنَ؛ أو لا شيءَ من كتبِ السماءِ، أطلُّ من قبري على الأسوارِ، أبراجِ الحراسةِ والحصارِ؛
على سلال البرتقال اليافويّ، مزارعِ المستوطناتِ؛
أقولُ هذا القبر شدقٌ واسعٌ، خطمٌ طويلٌ فاغرٌ في الأرضِ؛
سقفٌ مستعارٌ، هذه أيقونةٌ أخرى، ولمْ أرشُ الخلودَ أنا؛
أحبُّ صداقةَ الأحياءِ،
ذا وجهي إلى أبوابهمْ أبدًا
إذنْ، لابدّ لي من فُرْجةٍ في غابةٍ؛
لابدّ من نعلينِ لي،
لأكونَ مثلهمُ أنا: ثمِلاً كما جول دولوز بالكأسِ ما قبلَ الأخيرةِ، واقفًا في ملجأِ الباصاتِ وحدي بانتظارِ صديقةٍ، متزلّجًا والثلجُ ينفشُ فوق رام الله حيث بيوتُ أهلي في الهضابِ، قواطعٌ حمرٌ مرقّطةٌ؛ جواثيمُ الطيورِ البيضِ: تلك بيوتُنا
أسماؤنا ليست لنا: محفورة فوق القبورِ لزائريها، وليكنْ.
٭ ٭ ٭
ونشيدُنا الوطنيُّ زهرُ اللوز مشتعلاً بنا
لكنْ نشيدُ «بتاح تكفا» لم يزلْ في بوقهِ الصدفيِّ؛ ينفخُ في النفيرِ
ولي أنا شعبانِ؛ لي وعليّ؛ منذ كتبتُ عن بَهقِ الحجارة والطحالبِ،
منذُ قلتُ لكم هما يتقاسمانِ قفيرَ سكّرِها معا، أو سُمَّها في غزّةٍ أو في أريحا والجليلِ؛
وكلّ ما في الأمر أنّي
حاملُ الكشّاف حيث النورُ صوتٌ خامدٌ في المسرح الخاوي، ولستُ بِدحْية الكلبيِّ في هيئاتِ جبرائيلَ، أو إسفنديارَ؛ ولستُ رستمَ كي أقصّ عليكمُ القصَصَ الفلسطينيّ أحسنَه وأحزنه، ولا ذكرى ملوكِ الفرسِ؛ لي شغلي،
أساطيري لها أرواح قطّتنا: عروج الناصريِّ،
وأمّه حبلتْ به في طبْلةٍ من أذنها اليسرى أو اليمنى؛
براقُ محمّد، كيروبُ موسى صاعدينِ ونازلينِ، وصاعدين ونازلينِ؛
أبوهما الثورُ المجنّحُ في سماءِ الرافدينِ،
ولي أنا جنّيُّ وحيي؛ لي أنا.
٭ ٭ ٭
حوريّةٌ قالت: وهبتكَ خاتمي» ومضتْ،
ولي شغلي؛ ولي أمُّ البدايات

٭ شاعر من تونس

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!