ترجمة: علاء الدين أبو زينة

جوش ميشود؛ وجين كيتس* – (فورين أفيرز) 2/12/2020

اكتشاف مطعوم قابل للاستخدام هو خبر سار، لكن الحقائق لن تتطابق مع التوقعات لأشهر عدة.
* * *
جلب تشرين الثاني (نوفمبر) في ركابه بعضًا من أفضل الأخبار عن جائحة “كوفيد- 19”: ظهور أدلة قوية على أن لقاحات فيروس كورونا المستجد قيد التطوير حاليًا سوف ينجح. ولم تكن هذه نتيجة غير متوقعة. ولكن، أصبح من شبه المؤكد الآن أن العديد من لقاحات فيروس كورونا المختلفة والفعالة سوف تصبح متاحة في غضون الأشهر القليلة المقبلة.
يشكل تطوير لقاح ناجح مجرد خطوة أولى في رحلة طويلة نحو إنهاء الوباء. وثمة المزيد من المهام الشاقة التي تنتظر صانعي السياسات والعاملين في مجال الصحة بعد أن تقوم شركات الأدوية بشحن الجرعات الأولى خارج بواباتها. فللقضاء على خطر تفشي المرض في المستقبل، سوف يتطلب الأمر تحصين ما يصل إلى 70 بالمائة من سكان العالم ضد فيروس كورونا -من خلال التطعيم، أو التقاط العدوى والتعافي. وبالنظر إلى أن ما يقدر بعشرة بالمائة فقط من سكان العالم أصيبوا بـ”كوفيد- 19″ حتى الآن (مع تركز معظم الإصابات في عدد صغير نسبيًا من البلدان)، فإن هذا يترك هدفًا مرتفعًا بشكل غير عادي لجهود التطعيم العالمية. وسوف يتطلب تحقيق هذا الهدف إنجازًا مذهلاً للتعاون العالمي، والذي قد يكون أكثر صعوبة ويستغرق وقتًا أطول بكثير مما يعتقده معظم الناس.
وبمجرد أن يتضح أن اللقاح لن يعني الخلاص الفوري من الأزمة، ثمة خطر من احتمال نشوء خيبة أمل عامة بين الناس، وعلى نحو يعمق نزعة الشك بشأن اللقاحات في أجزاء من العالم، ويضيف إلى التحدي الهائل مسبقاً المتمثل في تحصين أكثر من نصف سكان العالم من الوباء. ولذلك، يجب على الحكومات أن تكون حذرة من صعود مشاعر الإحباط الشعبية من خلال التواصل بشكل واضح بشأن اللقاحات وتخفيف التوقعات -كل ذلك مع المضي قدمًا وبقوة في حملات التحصين لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح.
مكتنزو اللقاحات
ثمة العديد من اللقاحات التي ربما تكون الآن على أعتاب نيل الموافقة على الاستخدام. ولكن سيكون هناك عام على الأقل حتى يتم توفيرها على نطاق واسع في معظم أنحاء العالم. فقد حجزت البلدان ذات الدخل المرتفع مسبقاً أول تسعة مليارات جرعة أو نحو ذلك من اللقاحات المرشحة الرائدة، من خلال صفقات ثنائية مباشرة مع شركات الأدوية. وسوف يؤدي الوفاء بهذه الطلبات إلى التهام الجزء الأكبر من الطاقة الإنتاجية العالمية للقاحات للأشهر الاثني عشر المقبلة -وربما لفترة أطول. وعلى سبيل المثال، يبدو أن ما يقدر بنحو 80 في المائة من جرعات اللقاح التي تتوقع شراكة “فايزر/ بيونتيك” إنتاجها في العام 2021 محجوزة مُسبقاً، كما هو الحال مع 100 في المائة من الجرعات التي تتوقع شركة “موديرنا” إنتاجها.
لم تكتف الدول الغنية بالاندفاع إلى مقدمة الطابور لتأمين الوصول التفضيلي لشعوبها إلى اللقاح فحسب. وإنما قامت العديد منها بالتحوط في رهاناتها من خلال جمع واكتناز إمدادات من العديد من اللقاحات المرشحة. وقد حجزت دول مثل أستراليا وكندا واليابان والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي جرعات تكفي لتطعيم سكانها بالكامل مرات عدة. ومن المحتمل أن تقرر هذه البلدان في نهاية المطاف التخلي عن الجرعات الزائدة أو التبرع بها، لكنّ من المرجح أن تؤجل معظمها القيام بذلك وتنتظر حتى يتم تحصين كل سكانها.
سوف تجد البلدان منخفضة الدخل نفسها في آخر قائمة الانتظار، مضطرة إلى الاعتماد على الآليات التي يمولها المانحون للحصول على لقاحاتها. وأكثر هذه الآلية وعداً هي “كوفاكس” COVAX، المبادرة متعددة الأطراف التي يقودها التحالف من أجل مبادرات التأهب للأوبئة؛ وتحالف “جافي” Gavi، ومنظمة الصحة العالمية، وتهدف إلى ضمان الوصول العالمي المنصف إلى لقاحات فيروس كورونا. وباستثناء روسيا والولايات المتحدة، اللتين رفضتا المشاركة، انضمت كل دولة متقدمة في العالم عمليًا إلى مبادرة “كوفاكس” لدعم جهود تطوير اللقاحات، ووافق الكثيرون أيضًا على المساعدة على تمويل توزيع اللقاحات على 92 بلداً منخفضة الدخل بمجرد الموافقة عليها. لكن “كوفاكس” ما تزال تواجه فجوة في التمويل بمليارات الدولارات، ومع احتكار الدول الغنية الكثير من إمدادات اللقاحات في العالم وقدرات إنتاجها مسبقاً، فإن هناك الكثير الذي يمكن أن تفعله المبادرة. وحتى إذا قرر الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، نقض موقف سلفه وإلقاء دعم الولايات المتحدة وراء مبادرة “كوفاكس”، فإن أفضل سيناريو سيشهد إمكانية حصول 20 في المائة فقط من السكان في البلدان منخفضة الدخل على اللقاحات بحلول نهاية العام 2021 .
من المرجح أن يتوقف مجرد الوصول إلى هذه العتبة المتواضعة على إجازة استخدام لقاح “أسترا زينيكا- أكسفورد” الذي يستخدم تقنية أكثر رسوخًا من اللقاحات القائمة على مرسال الحمض النووي الريبوزي التي ستنتجها “فايزر-بيونتيك” و”موديرنا”. وسيكون نقله وتخزينه أسهل. وقد أشارت النتائج التجريبية التي تم الإعلان عنها في الأسبوع الأخير من تشرين الثاني (نوفمبر) إلى أن اللقاح كان فعالاً بنسبة 62 في المائة على الأقل، ويحتمل أن تكون فعاليته أعلى حسب الجرعة. وقد تكون هذه أقل من نسبة الفعالية البالغة 95 في المائة تقريبًا التي أبلغت عنها كل من “فايزر-بيونتيك” و”موديرنا”، لكنها تظل مرتفعة بما يكفي للمساعدة على السيطرة على الوباء. وعلى الرغم من أن نتائج تجربة لقاح “أسترا زينيكا” التي تم الإبلاغ عنها حتى الآن قد تعرض تعيق الحصول على موافقة سريعة من إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة، فإن الجهات التنظيمية في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وأماكن أخرى يمكن أن تسمح قريبًا باستخدام اللقاح، وهو ما سيبدأ في فتح الأبواب للتوزيع العالمي.
من بين شركات الأدوية التي لديها لقاحات مرشحة اقتربت من نهاية المرحلة الأخيرة من التجارب، بذلت “أسترا زينيكا” الجهد الأكبر لضمان الإمداد العادل للقاح في جميع أنحاء العالم، حتى أنها التزمت بتوفير الجرعات بسعر التكلفة طوال مدة بقاء الوباء. وسوف يمكّنها نهجها أيضًا من زيادة الإنتاج بسهولة أكبر، نظرًا لأن المواد والمرافق والخبرة اللازمة لإنتاج لقاحها متوفرة بشكل أكبر. وقد وقعت شركة “أسترا زينيكا” بالفعل اتفاقيات مع جهات تصنيع في دول مثل البرازيل والهند، وتتوقع تصنيع ما يصل إلى ثلاثة مليارات جرعة -والتي تكفي لتحصين 1.5 مليار شخص- بحلول نهاية العام 2021، مع تخصيص نصف هذه الكمية للتوزيع على مستوى العالم.
يمكن التخفيف إلى حد ما من نقص اللقاحات في العالم النامي إذا ما وافقت شركات الأدوية الأخرى على تسعير اللقاحات بسعر التكلفة أو قريباً منه، وتوسيع الطاقة الإنتاجية عن طريق نقل التكنولوجيا إلى الشركات المصنعة في البلدان النامية. ويمكن للصين أيضًا أن تسد بعض النقص من خلال تصدير لقاحاتها، كما قالت إنها ستفعل. لكن التجارب على اللقاحات الصينية المرشحة ما تزال جارية، ولم يتم نشر الدليل الكامل على سلامتها وفعاليتها بعد. وحتى في ظل سيناريوهات التصنيع والتصدير الأكثر وردية، من المرجح أن يتجاوز الطلب الدولي على اللقاحات العرض حتى العام 2022 على الأقل.
ليس حسب المعيار القياسي للتحصين
لا تشكل تلبية طلب الدول الفقيرة على اللقاحات أكثر من نصف المعركة. يجب على هذه البلدان بعد ذلك تحديد متلقّي اللقاح، وتوزيع الجرعات على نطاق واسع وبشكل منصف، ومعالجة أي تردد بشأن تلقي المطعوم بين السكان. وتشير أبحاثنا حول توزيع اللقاحات في الولايات المتحدة إلى أن كل واحدة من هذه المهام ستكون محفوفة بالصعوبات حتى في أغنى دولة في العالم. وسوف تكون بلا شك أكثر تعقيدًا في البلدان النامية.
من بين أصعب القرارات التي سيتعين على البلدان اتخاذها في المرحلة الأولى من التوزيع، سيكون تحديد من هو الذي سيحصل على الجرعات الأولى. وفي حين أن جزءًا من الإجابة عن هذا السؤال سيعتمد على خصائص اللقاح المحددة، يتفق الخبراء عمومًا على أن الأولوية يجب أن تُمنح للفئات السكانية الأكثر ضعفاً -في المقام الأول عمال الرعاية الصحية، وكبار السن، وأولئك الذين يعانون من ظروف صحية تعرضهم لخطر الإصابة الشديدة بفيروس “كوفيد- 19” والموت. ومع ذلك، فإن ترجمة هذه الإرشادات إلى سياسات قابلة للتطبيق لن تكون مسألة مباشرة وواضحة بالضرورة. سوف يستغرق مجرد تحديد هذه الفئات وتصميم برامج التوعية بناءً عليها وقتًا وموارد، خاصة في البلدان التي لا تحتفظ بسجلات تفصيلية للتركيبة السكانية أو الظروف الصحية. وقد تم تصميم شبكات توزيع اللقاحات الحالية لتصل إلى الأطفال، وستكون ذات استخدام محدود فقط في هذه الحالة لأن لقاحات فيروس كورونا يجب أن تذهب إلى البالغين، في البداية على الأقل.
وهناك صعوبة أخرى تتمثل في ضمان الوصول المتكافئ عبر المناطق الجغرافية، ومستويات الدخل، والفئات والطبقات. ومن المرجح أن تكون لدى السكان الأثرياء، والحضريين، والمتصلين بالسياسة طرق أسهل للحصول على التطعيم مقارنة بالفقراء والريفيين والمهمشين. وسوف يستغرق تصحيح هذا الخلل مزيدًا من الوقت والموارد. وبعبارات أخرى، ثمة مفاضلة ينبغي أن تُجرى بين سهولة الوصول والإنصاف، وسوف يؤدي التطعيم بسعر رخيص إلى عدم المساواة في الوصول. وسيساعد إشراك ممثلين من مجموعة واسعة من المجتمعات والمناطق في عملية توزيع اللقاح على تقليل تأثيرات المحسوبية السياسية والإهمال والفساد. لكن من المحتمل أن تعيق كل هذه القضايا جهود التلقيح، خاصة في البلدان التي لا تتمتع بالكثير من المساءلة أو الشفافية.
سوف تكون العقبة الأخيرة هي إقناع الناس بأخذ اللقاحات. وفي أحد الاستطلاعات الأخيرة حول استعداد الناس لتلقي المطعوم في 19 دولة، بما في ذلك دولة واحدة على الأقل من كل منطقة من العالم، قال 71 بالمائة فقط من المستجيبين بشكل عام إنهم سيكونون على الأرجح، أو بشكل كبير، أو من المرجح إلى حد ما، مستعدين لأخذ المطعوم، مع أكبر استعداد في الصين (90 في المائة)، وأدنى استعداد في روسيا (55 في المائة). كما أظهر مسح آخر شمل 15 دولة مستويات عامة مماثلة لقبول تلقي اللقاح، مع تخلف سكان أوروبا وأميركا الشمالية عن سكان آسيا وأميركا اللاتينية. ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الاستطلاع أظهر تضاؤلاً في الرغبة في أخذ المطعوم في الأشهر الأخيرة -من 59 في المائة إلى 54 في المائة في فرنسا، على سبيل المثال؛ ومن 72 في المائة إلى 64 في المائة في الولايات المتحدة.
لطالما كانت السلامة مصدر قلق عام بشأن اللقاحات، خاصة الجديدة منها وغير المألوفة. لكن الدعاية المضادة للقاحات والمعلومات المضللة، التي غالبًا ما يتم توزيعها بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ضاعفت من صعوبة بناء الثقة في بلدان مثل الولايات المتحدة، حيث أصبح تطوير اللقاح مسيَّسًا. ونظرًا لأن كبار السن سيكونون مجموعة ذات أولوية في معظم حملات التطعيم المبكرة، سوف تكون الإشاعات والمعلومات الخاطئة مصدر قلق لجميع البلدان، وليس للولايات المتحدة فحسب. ومن المؤكد أن هناك عددًا من الوفيات العرَضية التي ستحصل بعد التطعيم. وفي النظام البيئي الحالي لوسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تنتشر الإشاعات الخطيرة حول هذه الأحداث بسهولة، ما قد يقوض الثقة في اللقاحات. وقد حدث هذا مؤخرًا في كوريا الجنوبية، حيث أثارت أكثر من اثنتي عشرة حالة وفاة رُبطت بشكل خاطئ بلقاحات الانفلونزا حالة من الذعر العام. وسيكون خطر انتشار الارتباطات الخاطئة أعلى مع لقاح فيروس كورونا، بالنظر إلى حداثته والاهتمام الذي سيُولى لجهود التحصين به في كل مكان.
مخاطر خيبة الأمل
كل هذه العقبات سوف تعيق الجهود العالمية لتحصين ما يكفي من سكان العالم للقضاء على فيروس كورونا. ونتيجة لذلك، سوف يستمر خطر تفشي المرض لفترة طويلة بعد طرح الجيل الأول من اللقاحات. ولذلك يجب أن تظل تدابير التباعد الاجتماعي، وضوابط الحدود، وتدخلات الصحة العامة الأخرى سارية لأشهر عدة مقبلة. ومن الممكن أن تأتي خيبة الأمل في الأعقاب، خاصة وأن التفاوتات الصحية بين البلدان وفي داخلها ستصبح أكثر وضوحًا بمرور الوقت.
يمكن أن تؤدي هذه الإحباطات الشعبية إلى تعميق الشكوك في اللقاحات وأن تغذي رواج معلومات مضللة أكثر خطورة، ما يضاعف من تحديات إدارة برامج التحصين العالمية. وبعبارات أخرى، تنطوي خيبة الأمل على خطر تكوين حلقة من ردود الفعل السلبية التي تنتهي بإطالة أمد الوباء. ونتيجة لذلك، يجب أن تكون الحكومات حريصة على وضع توقعات واقعية حول حملات التطعيم ومعايرة رسائلها العامة بعناية.
يظل الوصول الوشيك إلى لقاحات فعالة خبرًا سارًا، لكنه لا يعني الإنهاء الفوري للأزمة الصحية. ومع احتمال أن تظل حالات نقص اللقاحات حقيقة واقعة في كثير من أنحاء العالم لمدة عام على الأقل، وحيث تؤدي تحديات التوزيع إلى إبطاء جهود التحصين بعد فترة طويلة من ذلك، يجب أن يكون العالم مستعدًا للتعامل مع بقاء “كوفيد- 19” لبعض الوقت. وسيكون الأكثر احتمالاً من تحقيق انتصار سريع على “كوفيد-19” هو بداية فترة مطولة من التعايش مع الفيروس.

*Josh Michaud: هو المدير المساعد لسياسة الصحة العالمية في مؤسسة أسرة كايزر، ومحاضر مساعد في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز.
*Jen Kates: هو نائب الرئيس الأول ومدير سياسة الصحة العالمية وفيروس نقص المناعة البشرية في مؤسسة عائلة كايزر، ومحاضر مساعد في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Dangers of Vaccine Disillusionment

متظاهرة تحتج ضد فرض تلقي لقاحات “كوفيد-19” في لندن، المملكة المتحدة – (المصدر)