‘);
}

تعريف الإيمان الغيب

إن الإيمان بالغيب يعني التصديق بالأمور الغيبية التي لا تُدرك بالحواس، وإنما نعلمها بخبر الوحي المرسل للأنبياء، وأن الله -عز وجل- عالمٌ بكل ما خفي وبكل ما سيحدث،[١] وقد بيّن العلماء المقصود بالغيب في اللغة والاصطلاح، وتفصيل ذلك فيما يأتي:

  • الغيب لغةً: مصدر الفعل غَابَ، والجمع منه غيوب وغياب، ويضاده الحاضر، والمُشاهد، فيُطلق الغيب على كلّ أمرٍ غُيّب عن الإنسان، سواءً تحقّق في القلب أم لا، فيقال: الأمر في عالم الغيب؛ أي أنّ رؤيته غير ممكنةٍ، وقد تحقّق الجهل به.[٢]
  • الغيب شرعاً: ورد لفظ الغيب في القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد دلّ وروده في القرآن على كلّ ما غاب عن الحواسّ؛ فالغيب كلّ أمرٍ لا يعلمه إلّا الله، وتمّ ذكره في ستةٍ وخمسين موضعاً للدلالة على عدّة معانٍ، وذُكر في السنة النبوية مقروناً بالعلم؛ للدلالة على عدم التناقض بينهما، وللإشارة إلى أنّ الإيمان بالغيب لا بدّ أن يكون متحقّقاً بالقلب، وصولاً به إلى درجة العلم، فالعلم الحقيقي هو العلم بالغيب، وبالمجمل فإنّ الغيب في السنة النبوية دلّ على العلم بالمستقبل الذي استأثر بعلمه الله وحده، وهو الدالّ على خشية العبد وخوفه من الله، وفيما يأتي بيان المواضع التي ذُكر بها الغيب في القرآن والسنة:[٣]
    • قال الله -سبحانه-: (أَطَّلَعَ الغَيبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحمـنِ عَهدًا)،[٤] بمعنى كلّ ما غاب عن الحواس.
    • قال -تعالى-: (أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)،[٥] دلالةً على أنّ الله وحده عالم الغيب.
    • قال -تعالى-: (ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ)؛[٦] أي الأخبار والأحداث والقصص الماضية التي غابت عن الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
    • قال -تعالى-: (مَّا كَانَ اللَّـهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)،[٧] ويُراد بالغيب هنا: ما انفرد بعلمه الله وحده، ولم يُطلع عليه أحداً غيره.
    • قال -تعالى-: (حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ)،[٨] أي أنّ المؤمنات هنّ من يحفظن أنفسهنّ في غياب أزواجهنّ.
    • قال -تعالى-: (يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ)،[٩] فقد ذُكر الغيب في الآية السابقة كصفةٍ للمؤمنين الذين يخشون الله، ويخافون منه في جميع الأحوال.
    • قال الله -تعالى- على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-: (وَلَو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لَاستَكثَرتُ مِنَ الخَيرِ وَما مَسَّنِيَ السّوءُ إِن أَنا إِلّا نَذيرٌ وَبَشيرٌ لِقَومٍ يُؤمِنون)،[١٠] دلالةً على نفي علم الرسول للغيب.
    • قال -تعالى-: (وَعِندَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعلَمُها إِلّا هُوَ)،[١١] إشارةً إلى أنّ للغيب مفاتح لا يعلمها إلّا الله، وقد ثبتت بصحيح السنّة النبوية، إذ روى الإمام البخاري في صحيحه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (مَفاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ، لا يَعْلَمُها إلَّا اللَّهُ: لا يَعْلَمُ ما تَغِيضُ الأرْحامُ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ ما في غَدٍ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتي المَطَرُ أحَدٌ إلَّا اللَّهُ، ولا تَدْرِي نَفْسٌ بأَيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إلَّا اللَّهُ، ولا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا اللَّهُ).[١٢]
    • قال -عليه السلام-: (ما أصاب أحدًا قط همٌّ ولا حزنٌ، فقال: اللهمَّ إني عبدُك، وابنُ عبدِك، وابنُ أَمَتِك، ناصيتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاءَ حزني، وذَهابَ همِّي، إلا أذهبَ اللهُ همَّهُ و حزنَه، و أبدلَه مكانَه فرجًا).[١٣]
    • قالت عائشة -رضي الله عنها-: (مَن حَدَّثَكَ أنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وهو يُدْرِكُ الأبْصَارَ وهو اللَّطِيفُ الخَبِيرُ}، {وَما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وحْيًا أوْ مِن ورَاءِ حِجَابٍ}، ومَن حَدَّثَكَ أنَّه يَعْلَمُ ما في غَدٍ فقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {وَما تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}).[١٤]
    • كان الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يدعو ربّه قائلاً: (اللَّهمَّ بعِلْمِك الغيبَ، وقدرتِك على الخَلْقِ، أحيِني ما علِمْتَ الحياةَ خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانتِ الوفاةُ خيرًا لي، اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُك خشيتَك في الغيبِ والشَّهادةِ).[١٥]

والمغيّبات التي نصّ الدليل عليها، والتي لا بدّ من الإيمان بها، هي: الملائكة، والجِنّ، والكتب، والرُّسل، واليوم الآخر بما فيه من حسابٍ، و ما بعده من ثوابٍ أو عقابٍ، وما قدّره الله -سبحانه-، وكلّ ما ذُكر في القرآن من أمورٍ غيبيةٍ؛ كخلق الإنسان والسماوات والأرض.[١٦]