من عَطَن الوثنية … إلى رحاب التوحيد

من عطن الوثنية إلى رحاب التوحيد لقد كنت أراه في كثير من المحاضرات والملتقيات الإسلامية في طليعة الحضور عليه وقار طلبة العلم ونور العباد ويقين الأولياء نظراته فيها سكون مياه البحر إذا هادنتها الرياح وعلى شفتيه ابتسامة وقورة تكاد لا تفارقه لقد كان هذا الشاب يشارك في كل الأنشطةالإسلامية في جامعة تامسات..

لقد كنت أراه في كثير من المحاضرات والملتقيات الإسلامية، في طليعة الحضور ، عليه وقار طلبة العلم ، ونور العباد، ويقين الأولياء، نظراته فيها سكون مياه البحر إذا هادنتها الرياح ، وعلى شفتيه ابتسامة وقورة تكاد لا تفارقه …
لقد كان هذا الشاب يشارك في كل الأنشطةالإسلامية، في جامعة ( تَامَسَاتْ ) العريقة في بانكوك ( عاصمة تايلند) يعتبر من أركان العمل الطلابي الإسلامي ، حيث توجد أسرة طلابية كونها الطلبة المسلمون التي يشكل المسلمون فيها أقلية صغيرة ، وفي مساجد العاصمة التي تضج بالأنشطة العلمية والثقافية والملتقيات الحوارية كان يرى على رأس قائمة المشاركين والمساعدين … هذا في ظل مجتمع يمور بالوثينة والشرك ، ويستعلن المسلمون شعائر دينهم على حياء ووجل .

لقد ظننت لفترة طويلة أنه من طلبة العلم النجباء ، الذين حظوا بمربين يقودونهم إلى طريق الأمان ، فهو شاب لم يبلغ العشرين من العمر ، وبالأحرى ما زال في مرحلة المراهقة بكامل سماتها ، لكن هيئته وسمته يناديان على وقار الشيوخ وثبات ذوي التجارب …
وفي مرة جمعتني بأحد أصدقائه جلسة فسألت عن ذلك الفتى الوقور، فأخبرني صديقه بأنه أسلم حديثا، منذ ثلاث سنوات ، أي أنه أسلم وهو بعد في المرحلة الثانوية … وأنه الآن يدرس في السنة الثانية في جامعة ( تامسات )…
حفزتني هذه الأخبار أن ألتقي بهذا الفتى وأتعرف عن كثب على تجربته مع الإسلام وأنقل لقراء الشبكة الإسلامية مشاعر الذي ينتقل من عطن الكفر والمعاصي إلىرحاب التوحيد والطاعة ، لما لذلك من أثر في نفوس المؤمنين ، وتحفيز الهمم السائرين إلى الله تعالى ، ولما في هذه القصص من
إرهاصات بعلو الإسلام وانتصار المسلمين …
التقيت بإدريس ( الاسم الذي انتقاه لنفسه بعد الإسلام ) قبل إفطار يوم من أيام رمضان ، وقد بدت عليه أمارات الحياء الشديد ، وقد اعتذر لي بأنه ليس من النوع الذي يتقن الكلام ويصوغ الجمل ، وهذا ما لاحظته في طريقة حواره ، إذ كان يقتصد في العبارات جدا وقد بدا من كلامه غير مرة أنه يخشى أن يكون كلامه عن نفسه فيه مباهاة ورياء وسمعة ، فأفهمته أن هذه الحوار نوع من أنواع الدعوة إلى الله وأنه قد يساعد كثيرا من المسلمين الذين لا يعرفون قيمة الإسلام ، ويعينهم على تعظيمه والتمسك به …

** بدأت الحوار معه بسؤاله عن اسمه ومكان ولادته …***
  فأخبرني أن اسمه التايلندي هو ( رَتَّسَاتْ رُوْتْ شَنَأْ مِيْ ) / ولكنه اختار لنفسه اسم: ( إدريس ) ، وهو من محافظة تقع في جنوب تايلند تسمى ( نَكُوْنْ سِيْ تَمَرَاتْ ) ..

** هل المسلمون في بلدتك كثيرون ؟ ..***
  قال إدريس : إنهم قلة .

** وكيف أسلمت إذا ؟ أو كيف تعرفت على الإسلام ؟***
  قال : كنت أسمع عن الإسلام كغيري ، من وسائل الإعلام ، وكانت غالب المعلومات المتكونة عندي عن الإسلام سالبة ، يعني تصب في غير صالح الإسلام ، وقد كان لي صديق مسلم ، ولكنه كان سيئا ، مما زاد من تشويه صورة الإسلام في نظري، أو على الأقل جعلني أنظر إلى هذا الدين بادئ الأمر نظرة عادية …

** إذا كيف كانت البداية ؟ ***
  قال إدريس : كانت البداية في إجازة صيف بعد أن فرغت من
امتحانات الصف الأول الثانوي ، حيث جاءني عمي ، وكان شابا فرغ لتوه من دراسته الجامعية في العاصمة بانكوك ، وكنت ساعتها مقيما في بلدتي بجنوب تايلند ، فأخذ يحدثني عن الإسلام وعن الوثنية والتوحيد ، فظهر لي أن عمي هذا قد أسلم أثناء دراسته الجامعية في العاصمة ، ولم تكن كلماته ذات وقع وتأثير لأنني لم أحصل منه على شيء يشدني ، خاصة أنني كنت شابا في مقتبل عمر الشباب …

ولكن في إجازة صيف السنة الثانية الثانوية ، عرض علي عمي أن أقضي الإجازة في العاصمة معه ، فذهبت معه ، واستضافنا
في العاصمة مجموعة من الطلاب المسلمون حيث كان من المنتظر أن نشارك في معسكر إسلامي شبابي طوال فترة الصيف … ابتدأ المعسكر ( وكانت مدته ثلاثة أشهر ) حيث كانت فكرتي عن الإسلام غير إيجابية ، ولكنني في تلك الفترة القصيرة حصلت على إجابات كثيرة عن أسئلة عديدة كانت تؤرقني وتهمني ، كما كانت مخالطتي للشباب المسلم ورؤيتي لطريقة حياتهم ونمط معيشتهم عاملا شديد الأهمية في تغيير نظرتي عن الإسلام … لقد كنت أدخل المعبد البوذي وأرى أشياء ولا أقتنع بها ، ولكنني لم أكن أتكلم ولا ألقي بالا لهذه الأشياء التي تخالف عقلي وتفكيري ، ولم أكن لأجد الإجابة على كل ما كان يحز في نفسي إلا عندما تعلمت مبادئ الدين في تلك الفترة القصيرة، وابتدأت في سؤال من كان معي عن بعض الحقائق والشبهات التي كانت عالقة في ذهني … لقد أثر فيَّ كثيرا سلوك الشباب المسلم ، ووجدت فيه فرقا كبيرا عن سلوك غير المسلمين وكان لذلك أثر في اتخاذ القرار .

** متى كان اتخاذ القرار ؟ ***
   في نهاية ذلك المعسكر الإسلامي ، حيث قررت أن أسلم ، وأعلنت إسلامي بالفعل ، ولك أن تتخيل حياةإنسان أو شاب في مقتل الصف الثالث الثانوي ، غير دينه ودين آبائه، ومتوقع أن يواجه مجتمعا جديدا بل عالماجديدا …

** وكيف كانت طريقة حياتك مع الأهل بعد أن دخلت الإسلام؟ ***
   رجعت إليهم وأعلمتهم بالتغيرات ،ولكنني لم أسكن معهم ، حيث قرر عمي أن ينقلني من المدرسة التي كنت أدرس فيها في الجنوب إلى مدرسة داخلية إسلامية في العاصمة بانكوك ، وقد تحقق ذلك بالفعل ، ودرست الصف الثالث الثانوي في مدرسة ( إِسْلامْ وِتِيَالايْ ) ، وهي من المدارس الإسلامية العريقة في القطر التايلندي …

** ماهي المعلومات التي كنت تهتم بها ، أو تهتم بمعرفتها عن الإٍسلام ؟***
  قال : كنت أقرأ كل ما تقع عليه يداي من كتب إسلامية .

(تعليق : وقد حدثني أصحابه أن غرفته في سكن الطلبة مليئة بالكتب الإسلامية باللغة التايلندية وكذلك الكتب التي تتحدث عن الأديان والمذاهب والفرق ، ومن مناقشته في بعض الأمور وجدت أنه على اطلاع بالكثير من تفاصيل الثقافة الإسلامية والحضارة الإسلامية وتاريخها ) .

** قلت لإدريس : هل حججت ؟***
  قال : نعم .

** وماذا كانت مشاعرك حين حججت ، أو بماذا كنت تحس وأنت تؤدي المناسك ؟***
  كانت هناك مشاعر كثيرة مختلطة ، لا يمكن أن أصفها ، أو لا أستطيع أن أعبر عنها ، ولكنني عند الطواف بكيت، لا أدري لماذا ؟ وتذكرت أبواي اللذان ما زالا على الكفر …

** في اعتقادك ماذا يمكن أن نقدم لمن ظلوا على الشرك والكفر ولم يستضيئوا بنور الإسلام ؟***
  قال : إن الناس في الغالب يسمعون أخبارا مغلوطة عن الإسلام ، وأظن أن هذا هو الذي يزهدهم فيه ، وأرى أن من أوجب الواجبات أن نصحح صورة الإسلام في عيون الناس.

** وهل تعتقد أن المسلمين قاموا بدورهم في هذا الباب على وجهه ؟ ***
   قال : لا أظن … هناك تقصير كبير …

** هل درست البوذية وقرأت عنها ؟***
  نعم .. بحكم كوني كنت على تلك الديانة ، فقد درستها ومارستها …

** قلت له : وماهي في ظنك المعالم الفارقة بين الإسلام والبوذية ؟ ***
   قال إدريس : التوحيد … إنه الشيء الوحيد المميز الذي تستطيع أن تلحظه لأول وهلة ، إن الإسلام يشدد على أن هذا الكون لا إله له إلا الله ، ولا يتوجه المسلم في أموره إلا لرب واحد، ولكن في البوذية كل شيء يمكن أن تعظمه وتؤلهه 

( تعليق : مظاهر الشرك والوثنية في البوذية قد ضربت أطنابها كل مظاهر حياة البوذيين ، فكل شيء يحترمونه قابل أن يتحول بين عشية وضحها إلى إله يقصد ويتقرب إليه) .

** سؤال أخير يا إدريس : الذي كنت تريده من الإسلام هل حصلت عليه ؟ ***
   أجاب مطرقا: ما زلت مهموما لأسرتي التي لم تسلم بعد. لقد كانت هذه قصة حوار شيق ، دار مع شاب في مقتبل عمره ، عاصر المراهقة ولكنه لم يدخل في براثنها ، إذ انشغل بالبحث عن الدين الحق ، ولما عرفه وتمكن منه عض عليه بالنواجذ ، وبذل كل شيء في سبيل أن يكون واحد من أبنائه البررة به ، فقد عرفته مساجد العاصمة متنقلا بين محاضرات الدعاة ، ومجالس العلم المختلفة ، ينهل من معين الإسلام، ويرتوي من نهر الإيمان ، ولا شك أن الحوار بهذه الصيغة لا يمكن أن يستوفي كامل المنظر الذي رأيته ، فلقد كانت هيئة ذلك الشاب تذكر إلى حد بعيد بجيل الصحابة الصغار الذين أسلموا وهم في عمر المراهقة والشباب ، وحملواأمانة الدين من ساعتها .

**ولقد استفسرت من أصحاب إدريس حالته وحياته ، فعلمت أنه مجتهد في الدعوة ، وأنه حريص على دعوة الشباب المسلمين وإنقاذهم من براثن المدنية الغربية الخادعة ، وأنه يحافظ على مظهره الإسلامي ، فعلى رأسه قلنسوة يرتديها حتى عندما يذهب إلى الجامعة اعتزاز بدينه الجديد ، وإظهارا لانتمائه وولائه للإسلام وبراءته من غيره . ***

Source: islamweb.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!